تنشط هذه الأيام تجارة بيع الأوهام والشعوذة والدجل وتجد لها رواجا كبيرا عند كثير من الناس من مختلف الطبقات والمستويات الذين يترددون على المنجمين والمشعوذين لقراءة الغيب ومعرفة مستقبل حياتهم وما يخبؤه لهم الدهر من مفاجآت وأحداث أو لشفائهم من مختلف أمراضهم التي لم يتوصل الطب الحديث إلى علاجها . في عصر التكنولوجيا وغزو الكواكب البعيدة يدّعي بعض الناس أنهم يستطيعون أن يفعلوا كل ذلك عن طريق تمتمات مبهمة وأفعال غريبة ليس بينها وبين العلم أدنى نسب وصلة وهي إلى الجهل والدجل أقرب منها إلى العلم والحقيقة فيظنّ البسطاء من الناس أنّ هؤلاء صادقون وأنّ لديهم قدرة على قراءة المستقبل ومداواة الأمراض والعلل وهذا من الجهل والسذاجة والضّلال. كلّ ذلك في الحقيقة دعايات ضالّة وأكاذيب وافتراء فمن صدّق أولئك في دعواهم أنَّهم يعلمون الغيب فهو كافر بالله مكذّب لرسوله لأنّ علم الغيبِ ممّا استأثر به المولى عز وجل ولا يجوز لأحد أن يدّعي ذلك ففي الحديث الشريف (من تطير أو تُطيّر له أو تكهن أو تُكهّن له أو سحر أو سُحر له ومن عقد عقدة ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد). ذلك أن الشعوذة والكهانة وقراءة الكف و الفنجان هي من أعظم المنكرات التي حاربها الإسلام لأنها تضلّ الناس وتقذف بهم في بحور من الأوهام والخرافات وقد وجدت رواجا لدى الجهلة والمغفلين وضعفاء الإيمان إنها مأساة تضاف إلى مآسينا الكثيرة وهي دليل على أن إقبال الناس على الشعوذة ناتج عن خواء روحي كبير وغياب الوعي الثقافي السليم رغم ما بذل من مجهودات كبيرة في نشر العلم والمعرفة وما أنفقت من أموال كثيرة في بناء المدارس والمعاهد والجامعات في كل أرجاء البلاد. لقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الذهاب إلى العرافين في حديث رواه مسلم:( من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ).فبيّن النبي في هذا الحديث أنّ الشعوذة تتناقض مع الإيمان بالله لأنّه سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ) (آل عمران 179). إنّ الإسلام ينبذ الغموض ويرفضه وهو أبعد ما يكون عن الشعوذة والكهانة والدجل بل هو يربي المؤمنين على الأخذ بالأسباب والسعي للانتفاع من سنن الله في هذا الكون وفق قوانين علمية مضبوطة لا مجال فيها للطلاسم والخرافات ومن هنا تختلف الأمم المتحضّرة عن الأخرى المتخلّفة فإذا كانت الأولى تستخدم العلوم والتكنولوجيا فإنّ الثانية مازالت تستخدم البخور والشعوذة وبذلك تتحقق أهداف الأعداء في صرفنا عن العمل والإنتاج والإبداع لذلك حذّر الإسلام من المشعوذين وطلب من المسلم أن يكون كيّسا فطنا واعيا حتى لا يقع في حبائلهم. إنّ ظاهرة الدجل والشعوذة ظاهرة مضرة بالأفراد والمجتمع لما تسببه من نتائج نفسية واجتماعية جد خطيرة تنعكس سلبا على هؤلاء الضحايا فتزرع فيهم الخوف والسلبية والتواكل وتسوّق لهم الأوهام والخرافات وقد حذّر أهل الذكر من علماء الدين وعلماء النفس والاجتماع من آثارها السلبية على العقيدة وعلى توازن شخصية الإنسان من الناحية السيكولوجية والاجتماعية.