بعد أشهر من الصراع السياسي بين حزب نداء تونس ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، تتجه أنظار المتابعين اليوم إلى مصير «المعركة» القضائية التي ستدور بينهما في الفترة القادمة. تونس «الشروق» أثارت القضية الجزائية التي رفعها مؤخرا أمين عام حزب نداء تونس ضد رئيس الحكومة يوسف الشاهد واتهمه فيها ب«التخطيط لانقلاب» انتباه المتابعين خاصة انها جاءت في وقت اعتقد فيه الجميع أن معركة الطرفين انتهت. انتصار سياسي في الأيام الاخيرة، اعتبر عديد المحللين أن يوسف الشاهد خرج منتصرا من معركته ضد حزب نداء تونس التي دامت عدة أشهر وتمسّك خلالها النداء بإقالته وطالبه أكثر من مرة بالتوجه على البرلمان لنيل الثقة في حكومته مجددا وصدرت تلميحات عديدة بامكانية لجوء رئيس الجمهورية الى الفصل 99 من البرلمان لتنحيته. غير ان ذلك لم يحصل وانتهى هذا الجدل بحصول التحوير الوزاري الذي قام به الشاهد على ثقة البرلمان وأيضا بعد أن نجحت الكتلة البرلمانية الجديدة «الائتلاف المدني» المحسوبة عليه (الشاهد) في استقطاب عدد من نواب النداء وغيرهم. وينضاف إلى ذلك ما تردد في الآونة الأخيرة من استنتاجات تتحدث عن «استحواذ» الشاهد على حلفاء النداء السابقين أبرزهم النهضة التي ظلت متحالفة مع النداء طيلة 4 سنوات، إلى جانب مزيد تقريب المبادرة ومشروع تونس وآفاق إليه بعد تمكينهما من حقائب وزارية وابعادهم بالتالي عن أية إمكانية للتحالف مع النداء. معركة قضائية بعد كل هذه التطورات، ساد الاعتقاد أن ما وصفه التونسيون ب«أزمة الحكومة» حُسمت نهائيا وأن الاستقرار الحكومي حصل وأن الجميع دخل مرحلة الاستعداد لانتخابات 2019 كل من موقعه. غير ان ما حصل مؤخرا دفع بالمحللين إلى القول ان البلاد مازالت عرضة مستقبلا لتقلبات سياسية أخرى خلال ما وصفوه ب«مرحلة المعركة القضائية» التي سيخوضها نداء تونس تجاه خصومه. هذه المعركة القضائية ستدور في اتجاهين حسب رأيهم: اتجاه أول على ضوء القضية التي رفعها الأمين للحزب سليم الرياحي لدى المحكمة العسكرية ضد رئيس الحكومة يوسف الشاهد واتهمه بالتخطيط ل«افتكاك الحكم» ولعزل الباجي قائد السبسي من رئاسة الجمهورية وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها. وهي القضية التي أعلن حزب نداء تونس اثر اجتماع ديوانه السياسي بصفة إستثنائية اول أمس الأحد دعمها وتأييدها داعيا القضاء العسكري للإسراع في النظر فيها وفحص المستندات والمؤيدات التي قدمها وتحميل المسؤوليات الجزائية لمن ثبت تورطه. وقالت الناطقة الرسمية بإسم حركة نداء تونس أنس الحطاب في تصريح لاذاعة «جوهرة آف آم» إنّ الحزب يملك «مؤيدات كافية» عما وصفته ب« محاولة رئيس الحكومة يوسف الشاهد القيام بانقلاب على رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي» متهمة الشاهد أيضا بتنفيذ انقلاب على الحزب. أما الاتجاه الثاني فيتعلق بقضية ما أصطلح عليه ب «الجهاز السرّي» التي تمسّكت بها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي والتي تردد انها مدعومة من نداء تونس وتستهدف حليف الامس وغريم اليوم حزب النهضة بسبب تحوله إلى «حليف» ليوسف الشاهد. فقد حث نداء تونس في بيان ديوانه السياسي الأخير الدوائر القضائية المتعهدة بمتابعة ملف هذه القضية على الإسراع في إظهار الحقيقة وتجريم المتورطين وكشفهم نظرا لما وصفه ب«خطورة الملف». تمطيط الأزمة التطور الحاصل في علاقة النداء والشاهد من المعركة السياسية إلى المعركة القضائية دفع بالمتابعين إلى القول أن ذلك سيتسبب في مزيد «تمطيط» أزمة الحكم في البلاد إلى فترة أخرى، بعد أشهر عديدة عاشت خلالها البلاد حالة من التعطيل والشلل بسبب الصراعات السياسية. وهو ما يؤكد أن كل الاطراف السياسية بلا استثناء تتحمل مسؤولية هذه الضبابية وهذا الوضع الصعب الذي آلت إليه الحياة السياسية في تونس بعد أن بحث كل طرف عن المصالح الخاصة والشخصية الضيقة وعن الاستعداد المبكر للانتخابات القادمة دون انشغال حقيقي وواضح بالمصلحة الوطنية وبحاجة البلاد الى الاستقرار والى التفاف الجميع حول الانقاذ الاقتصادي. يأتي ذلك وسط تحذيرات المتابعين من تواصل هذا «الشوط الثاني» من المعركة طويلا وهو ما سيؤدي الى مزيد تفاقم أوضاع البلاد نحو الأسوأ خاصة على الصعيد الاقتصادي. وبما انه «شوط قضائي» بامتياز فإن مهمة التعجيل بالحسم فيه وانهاء كل المخاوف والمخاطر المحدقة بالبلاد ستكون موكولة إلى القضاء، مهما كان الطرف الذي سيخرج منتصرا منه..