تونس (الشروق) إيمان بن عزيزة عادت مسألة حصانة المحامي لتطفو من جديد على المشهد القضائي ولتكون محور الصراع بين القضاة والمحامين وتراشق بالتهم والتهديد والوعيد. يستند الخلاف في أساسه القانوني لما قرره المرسوم عدد 79 لسنة 2011 المنظم لمهنة المحاماة في الفصل 47 منه، الذي نص على أنه «لا تترتب عن الأعمال والمرافعات والتقارير المنجزة من المحامي أثناء مباشرته لمهنته أوبمناسبتها أية دعوى ضده ولا يتعرض المحامي تجاه المؤسسات التي يمارس مهنته أمامها إلا للمساءلة التأديبية من هياكله المهنية». هذا الخلاف أثير من جديد إثر ما جد بين أحد قضاة التحقيق وعدد من المحامين بالمحكمة الابتدائية بتونس مؤخرا. ثم تلته حادثة إيقاف محام بإذن من مساعد وكيل الجمهورية دون احترام الإجراءات المعمول بها وفق ما أكده المحامون. هياكل المحاماة تصر على التمسك بحصانة المحامي أثناء أدائه لعمله في المحاكم. وتصرح بأن المحامين مازالوا يتعرضون لتجاوزات من قبل بعض القضاة. وفي المقابل، ينظر القضاة بريبة الى مبدإ حصانة المحامي. ويتمسكون بأن تلك الحصانة «غير مطلقة» فضلا على أن المرسوم غير نافذ طالما لم يعرض للمصادقة . صراع قديم متجدد: الى أين؟ لوحت نقابة القضاة الى إمكانية تعليق العودة القضائية ومقاطعة افتتاح السنة القضائية الى حين معالجة « ظاهرة» الاعتداء على القضاة. ونبهت الى خطورة بقاء الفصلين 46 و47 من مرسوم المحاماة على حالته لسوء توظيفه ولخلق حصانة مطلقة ولتشجيع سياسة الانفلات والافلات من العقاب حسب وصفها. وطالبت بسن نص تشريعي لزجر كل اعتداء على القضاء ويضمن حرمة السلطة القضائية. وحملت هياكل المحاماة المسؤولية ازاء ما يصدر عن المحامين من تصرفات وطالبت بلقاء عاجل مع وزير العدل مستنكرة غياب أي تتبع تأديبي تجاه المحامين المعنيين بالأمر من قبل هياكلهم. موقف النقابة أثار استفزاز المحامين ورأوا فيه « عداء « لهم واعتداء على هيبتهم وأجمعوا على أنهم «سيردون الصاع صاعين». اذ تمسكت هياكل المحامين بأن المحاماة مهنة حرة مستقلة تشارك في اقامة العدل وتدافع عن الحقوق والحريات. واعتبرت أن مهنة المحاماة مسؤولة بطبعها ومضطلعة بدورها على الوجه الاكمل طبقا لما يفرضه القانون وأخلاقيات المهنة. وأكدت أن حصانة المحامي مكسب لا يمكن التنازل عنه. وهي نتيجة نضالات أجيال سابقة من المحامين . كما أنها حق وليست مِنّة من أحد. وأضاف المحامون أن حصانتهم كانت ولازالت محل رفض من بعض القضاة بلغ إلى درجة نكران القانون ورفض تطبيقه في العديد من الوضعيات والمحاكمات. وهوما يتنافى والقيم السامية للقضاء وتمسكوا بضرورة الدفاع عن تلك الحصانة باعتبارها ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة وهي التي تكفل للمحامي أن يقوم بدوره على أكمل وجه دون ضغوطات. وحذر المحامون من «التحريض» على المساس بأحكام الفصلين 46 و47 من مرسوم المحاماة لما يشكل ذلك من ضرب للسان الدفاع. غياب الأخلاقيات المشتركة يعمّق أزمة العدالة وبقطع النظر عما يحصل أحيانا بين القضاة والمحامين لازلت مصرا على هذه التسمية فإن العدالة تطلب احترام سيادة القانون واحترام الاخلاقيات المشتركة بين الطرفين» هذا ما أكده القاضي عمر الوسلاتي مضيفا أن ما يحصل كردود فعل لا يجب أن يشحذ الهمم باتجاه القطاعية المقيتة التي لا تساعد على تحقيق سيادة القانون وكل تهجم وعدم احترام القانون مدان أيا كان مأتاه. وبخصوص الفصل 46 من مرسوم المحاماة قال القاضي عمر الوسلاتي إنه خص المحامي بإجراءات معينة وبحصانة المرافعة ليس تكريسا للقطاعية أوالتفوق على القضاة وإنما حماية لحق الدفاع ويقابله الاحترام الواجب للهيئات القضائية. اذا ما يحتاجه اليوم المرفق القضائي هو ايجاد حلول كفيلة لعودة الاحترام المتبادل بين جناحي العدالة. فيقوم كل منهما بمهمته في أحسن الظروف فللمحامين كلمة الدفاع. وللقضاة كلمة الفصل. فالأجواء المشحونة لا تخدم العدالة. بل تسيء الى صورة أصحاب العباءات السود. فيجب فض الخلافات بعيدا عن التجاذبات القطاعية .