لم يعد كاهل المواطن التونسي مثقلا بالزيادة في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والمحروقات والأدوية و»الفاتورات» فحسب، و إنما بالزيادة في أسعار تذاكر المهرجانات الصيفية كذلك . اذ تتراوح أسعار تذاكر الحفلات هذه الصائفة ، و أساسا في مهرجاني قرطاج و الحمامات بين 20 و 80 دينارا ! * تونس – «الشروق» –: أثار غلاء أسعار عروض الفنانين وأسعار التذاكر، ردود فعل منها الذي طالب حتى بمقاطعة هذه العروض.ويذكر أن أسعار التذاكر في المهرجانات هذه الصائفة ستتراوح بين 20 و80 دينارا. وعلى سبيل المثال تتراوح أسعار التذاكر في مهرجان الحمامات الدولي بين 25 و60 دينارا، بينما حددت أسعار تذاكر العروض الكبرى في مهرجان قرطاج الدولي بخمسين دينارا وثمانين دينارا.وهي أسعار لا يختلف عاقلان في أنها باهظة جدا، مقارنة بالمقدرة الشرائية للتونسي عموما. والأكيد أن تحديد أسعار التذاكر مرتبط بغلاء أسعار أو "كاشيات" الفنانين. والأكيد أيضا أن الهيئة المديرة لأي مهرجان هي التي تحدد أسعار التذاكر. وفي هذا الإطار تحدثنا إلى المسرحي حمادي المزي، باعتبار تجربتيه السابقتين، سواء في الهيئة المديرة لمهرجان الحمامات بإدارة الموسيقي كمال الفرجاني، أو في مهرجان قرطاج الدولي بإدارة الوزير الحالي للشؤون الثقافية محمد زين العابدين. وأكد المزي أن المدير النزيه لأي مهرجان، الذي يحركه الوازع الوطني، لا يستسهل الأمور. ويحرص على المال العام، في تحديد برمجته، ومناقشة أسعار الفنانين والأسعار بصفة عامة. وبالعودة إلى تجربته، قال محدثنا: «من خلال تجربتي في الهيئة المديرة لمهرجان قرطاج الدولي في الدورة ال52، عاينت كيف كان السيد محمد زين العابدين شرسا جدا في نقاش الأسعار، وذلك من خلال الاستنارة بالعقود السابقة. وقد قبل عديد الفنانين نصف أسعارهم في تلك الدورة...». كما اعتبر حمادي المزي، تجربته في مهرجان الحمامات من أروع التجارب، مؤكدا أن السيد كمال الفرجاني والسيد شاكر الشيخي كانا يدافعان عن ملفاتهما بمناقشات كبيرة جدا. وكان لديهما إصرار على الحفاظ على المال العام بشكل معقلن" على حد تعبيره. المعضلة في تراجع الدينار من جانبها أرجعت الوزيرة السابقة ومديرة مهرجان قرطاج السابقة سنيا مبارك، غلاء أسعار الفنانين والتذاكر، إلى تراجع الدينار التونسي، مبرزة أن ثمة فنانين عالميين، حافظوا في السنوات الأخيرة على نفس قيمة أجورهم. لكن تراجع الدينار جعل أجورهم مرتفعة هذا العام. وفسرت ذلك بالقول: «منذ سنوات عندما كان أجر الفنان العالمي 150 ألف دولار أو أورو، كان لا يتجاوز بعملتنا 200 ألف دينار، أما اليوم فنفس الفنان وبنفس السعر، تصبح قيمته بعملتنا 400 ألف دينار». ورغم ذلك شددت الفنانة سنيا مبارك على أن أسعار التذاكر باهظة، وعلى أن تراجع الدينار أثر على حياة التونسي، مشيرة إلى أن الأزمة الاقتصادية، أول مؤثر، في المجال الثقافي، الذي يبقى مهما. ويستمد أهميته في موضوعنا من خلال برمجة التظاهرات الثقافية التونسية لأسماء عالمية مما يخدم صورة تونس. وذهبت محدثتنا أن الحل في نظرها، في ظل الأزمة الاقتصادية، هو التقليص في عدد العروض ذات الأسعار الباهظة، مشيرة إلى أن الجزائر ذهبت في هذا التوجه، رغم أن إمكانياتها أفضل من إمكانياتنا. المفارقة العجيبة وعلى غرار الفنانة سنيا مبارك، ذهب المسرحي سليم الصنهاجي، إلى أن قيمة التونسي عموما تراجعت في ظل تراجع الدينار التونسي. وبالتالي أصبحنا غير قادرين على دخول أية سوق، على حد تعبيره. وباعتباره من بين فريق العمل بمهرجان قرطاج الدولي، ردّ محدثنا على الداعين إلى مقاطعة العروض والتذاكر الباهظة أو عدم برمجتها، بالقول: «كان علينا أيضا أن لا نذهب إلى كأس العالم ونصرف 50 مليارا. لكن المشكلة ليست فردية، أو تخص قطاع. بل هناك أزمة مالية واقتصادية. ومنطقيا لا يمكن أن نوقف كل شيء بتعلّة الأزمة، لأن الأزمة وقتها ستتعمق أكثر..». وبخصوص غلاء التذاكر، قال الصنهاجي إنه كمواطن تونسي غير قادر على اقتطاع ثلاث تذاكر ب150 دينارا لأسرته لحضور ثلاثة عروض في مهرجان قرطاج مثلا. لكنه شدّد على أن تونس بلد المفارقات العجيبة، حين قال: «يقولون التونسي أصبح غير قادر ماديا وهذا صحيح. لكنك عندما تذهب إلى مغازة تجد الصفوف طويلة عريضة، وعندما تذهب إلى المقاهي والمطاعم الفاخرة، تحتار من أين لهم هذا، وهؤلاء تونسيون «عياشة» وليسوا بأثرياء.. وهذا ما عجزت عن فهمه صدقا». وعلى صعيد آخر سألنا مثقفا وفيلسوفا بعيدا كل البعد عن المهرجانات الصيفية، وهو الكاتب الحرّ سليم دولة، فاختصر إجابته كالآتي: «أنا ضد المهرجانات أصلا. فما معنى أن يأتي فنان ليغني ويغني معه الجمهور. ثم يعود أدراجه. ألم يكن من الأجدى أن يسمع الجمهور فنانه ويغني معه وذلك متاح للجميع؟.. الأموال التي تصرف بالمليارات سنويا يجمعها صراصير الصيف، والسماسرة.. المشاكل بالجملة والماء أبرزها.. فليزدد الجمهور عطشا للغناء والدوران حول نفسه...».