ما أحوجنا ونحن نعيش أفضل شهور السنة، شهر رمضان المعظَّم، أن نبدأ بالرجوع إلى الله تعالى والإنابة إليه فإذا استشعرنا حاجتنا إلى رحمات الله ومغفرته ورضوانه، أغدق الله علينا الفضل وجاد علينا بالكرم، فالعطايا الإلهية تستمطر بافتقار القلوب إلى الله تعالى والشعور بالخضوع له سبحانه، كما قال موسى : ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: 24]. وكما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15]، فافتقار الإنسان إلى الله سببٌ للاستغناء به عما سواه. وقد أمر الله عباده بالإنابة إليه، ووصف بذلك أنبياءه وعِباده الصالحين، فأضاف الإنابة إلى حبيبه المصطفى ونبيه المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشُّورى: 10]، ووصف بها إبراهيم ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: 75]، وداود وسليمان عليهما السلام ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ [ص: 24]، ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص: 34]، وشعيبًا {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88]. وجاء الأمر الإلهي باتباع طريق المنيبين في قوله سبحانه: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ [لقمان: 15]، ووعد الله تعالى صاحب القلب المنيب بالجنة فقال: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: 32، 33]. والمسلم مأمور بالإمعان في تدبر آيات القرآن، والتعامل مع كلام الله كلمة كلمة، والوقوف عندها تفكرًا ونظرًا، وعليه أن يتفاعل مع الأوامر الإلهية بعمل برامج لتنفيذها، فإذا قرأ قوله: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزُّمر: 54]، فعليه أن يقف مع نفسه ومع ربِّه ليضع برنامجًا لكيفية الإنابة إلى الله تعالى. ولذلك كما كانت الإنابة إلى الله تعالى حالة ينبغي للعبد أن يكون عليها مع ربه، فإنها أيضًا عند أهل الله تعالى مرحلة من مراحل الطريق إلى الله سبحانه، وهذه المرحلة تأتي بعد اليقظة، والتوبة، والمحاسبة. وأصل الإنابة في اللغة يدل على الرجوع، وهي تدور في كلام أهل الله على أربعة معان: المحبة، والخضوع، والإقبال على الله، والإدبار عمّا سوى الله.