كثيرة هي الأصوات التي تتحدث عن الثورة وتدافع عنها وتجدّ في سبيل أن تحقق أهدافها.. وكثيرة هي الأصوات التي تحذّر من «ركوب الثورة» ومن محاولات إجهاضها.. وبين هذه الأصوات، أصوات كثيرة صادقة في ولائها للثورة وفي إخلاصها لدماء الشهداء وتضحياتهم.. لكن بين هذه الأصوات في المقابل بعض الأصوات المنافقة التي تركب الثورة من حيث هي تحذّر الآخرين من ركوبها.. والتي تسعى الى تحقيق أجندات خاصة وخاصة جدا فيما توهم الآخرين بأن ذلك هو الوضع الطبيعي.. ولقد برزت في هذا الاتجاه عدة أصوات وعدة تيارات استفادت من أجواء الحرية والديمقراطية التي أتاحتها الثورة وراحت تروّج لبضاعة كاسدة فاسدة ما كانت تحلم يوما بترويجها أو لنقل بالمجاهرة بالدعوة إليها والترويج لها.. ولعلّ أبلغ مثال على ما نقول هو تلك الأصوات التي باتت تعبّر عن نفسها بكل صلف والتي تدافع عن حقّ مزعوم في التطبيع مع الكيان الصهيوني أو التي تحاول أن تضع هوية تونس العربية الاسلامية موضع شكّ أو مزايدة. ولنقل منذ البداية في هذا الشأن أن مثل هذه القضايا هي قضايا محسومة بالنسبة الى الشعب التونسي.. هذا الشعب العربي المسلم المتجذّر في حضارته العربية الاسلامية.. المؤمن بقيمها والذي لا يقبل بحال أن يضعها موضع شك أو سؤال.. والذي يكرّس فوق هذا قضية الشعب الفلسطيني العادلة كقضية حقّ ومبدإ لا تقبل تنازلا أو مزايدة.. ويعتبر الكيان الصهيوني كيانا غاصبا محتلا لا مجال للحديث عن علاقات طبيعية معه قبل استرداد الشعب الفلسطيني حقوقه وأراضيه كاملة غير منقوصة. لماذا هذا الاصرار إذن على تمرير الطعم في هذه المرحلة بالذات من خلال ركوب الثورة لتحقيق مآرب تقع على طرفي نقيض مع قناعات الشعب التونسي ومع مزاجه العام الرافض للتطبيع مع الصهاينة؟ ووفق أية أجندة ترتقي هذه المسألة المحسومة بالنسبة الى الشعب التونسي الى مرتبة الأولوية القصوى ل«يناضل» البعض من أجل تضمينها في العقد الجمهوري وتكريسها بالتالي كأحد الثوابت الملزمة ولو أخلاقيا لأية حكومة شرعية قادمة؟ إنها أسئلة مستفزّة تثيرها مثل هذه الأصوات المصرّة على ركوب الثورة وعلى اللّهث وراء أجندات لا تمثل شيئا في اهتمامات الشعب التونسي.. بل أكثر من هذا هي تستفزّه وتصدمه في أعماق قناعاته وفي أعماق وجدانه.