واضح أن صراعا مريرا يدور منذ فترة في منطقة الشرق الأوسط بين أجندتين: أجندة السلام وأجندة التصعيد والحرب. وواضح في هذا الاطار أن العرب قد انحازوا بالكامل لأجندة السلام ووضعوا مبادرة السلام العربية أساسا وإطارا لصفقة سلام شاملة تعيد الحقوق لأصحابها وتنهي حالة الصراع وواضح أيضا في المقابل أن تل أبيب قد اختارت غطرسة القوة عنوانا ومنهجا لسياساتها وسبيلا لفرض أجندتها على الفلسطينيين وعلى العرب أجمعين. لذلك نجد اسرائيل تتحدث بصوت خافت عن سلام هو في واقع الأمر املاءات على العرب.. ولذلك نجدها تتحدث بصوت مرتفع عن الحرب والعدوان وتجسّد ذلك بالاغتيالات تارة وبالتصعيد تارة أخرى.. وهو ما يحدث منذ فترة على جبهة قطاع غزة وعلى جبهتي سوريا ولبنان.. فلا تكاد تختفي تعلّة واهية حتى تظهر أخرى.. ولا تكاد تدحض مزاعم حتى تعوّض بأخرى.. وآخرها تمثل في أكذوبة صواريخ «سام» السورية إلى «حزب اللّه» اللبناني.. وهي «تهمة مثالية» لجهة كونها تمكن الكيان الصهيوني من إصابة عصفورين بحجر واحد.. ولجهة كونها تشكل حسب وجهة النظر الاسرائيلية الأمريكية مساسا بالتوازن العسكري في المنطقة.. وهو ما يعطيها شيئا من المصداقية ويجعلها قابلة للتصديق أمريكيا وغربيا. وبالفعل، فإن الادارة الأمريكية سرعان ما التقطت هذه المزاعم وبدأت في ممارسة الضغوط بالتصريحات النارية بهدف واضح يتمثل في ابتزاز سوريا و«حزب اللّه» في نفس الوقت.. ويتمثل في فتح ملف سلاح المقاومة في لبنان بعد الاجماع اللبناني والتوافق الحاصلين حوله نتيجة الوفاق السياسي الحاصل والرياح الايجابية التي تهب في الفترة الأخيرة على الداخل اللبناني وعلى العلاقات الأخوية بين سوريا ولبنان. ويبدو أن هذا التصعيد الصهيوني وهذه التهديدات المتكرّرة هي سياسة مقصودة وتصب في خانة سياسة «حافة الهاوية» التي تتبعها الادارة الأمريكية.. فإن انطلى التهديد وأعطى الابتزاز ثماره تحقق الهدف المنشود وإلاّ فإن خيار الحرب والعدوان يبقى قائما.. فهل تحولت الحرب بدماراتها ومآسيها الى نزهة عند الصهاينة ويلحون بها كيفما اتفق؟ وإلى متى تسايرهم الادارة الأمريكية وتتمادى في دحرجة كرة النار من العراق الى الشرق الأوسط؟ سؤال حان وقت طرحه على الادارة الأمريكية ليدرك العرب أين يقفون.. قبل أن يدركهم طوفان الحرب والعدوان وهم يمتدحون مبادرتهم للسلام.. ولا من يصغي ولا من يستجيب.