مع الابتسامة المفروضة همهم كعادته اليومية: صباح الخير، إستدارت زوجته،ثم صرخت هاربة من الغرفة. لم ينم جيداً تلك الليلة. فلهاث زوجته وتنفسها، كان يرتفع عالياً، ليمنع عنه النوم. وفكرة كفكائية تصرخ عالياً داخله، أو من ضيقه المتسع، أو من بحثه المستمر، عن شيء لا يعرفه. أي شيء يجدد به أيامه البطيئة، فكرته الغريبة التي تجتاحه «إنني أتحول إلى حصان خاسر» كان طوال الليل يحاول أن يلين هذه الفكرة، أن يسخر منها بتخيله يقفز بين مرابع العشب، كحصان تماماً. يالطرافة ذلك هكذا أقنع نفسه حصان يصهل ويشارك في الإحتفالات التي لم تعد تحتاج لخيول. الحقيقة، أنه بات حصاناً خاسراً. حين صرخت زوجته في الصباح وفرت هاربة. ظن أن وجهه أرهقه الأرق. عندما تحرك من السرير، أحس ببطء وثقل لم يتعوده. كان يستيقظ دائماً بنشاط وإستعداد للإبتسام المفاجئ أو الزيارات المفاجئة. لكن هذا الصباح لم يكن مؤهلاً للإبتسام بثقله وبطء حركته. رغم ذلك حاول الخروج من غرفة نومه الرمادية، محاولاً الإبتسام وأعلن تحيته بمنتهى السعادة المفترضة. لكنه فجأة لمح وجه حصان في المرآة الوحيدة. وجه حصان عجوز. لم يكن يفهم بالخيول رغم أحلامه الحصانية إستدار فإستدار، كان حصاناً عجوزاً، هكذا بدا له، إبتسم كما كأنه يبتسم. حدق به بجدية.فلمح وجهه يحدق بنفس الجدية. خرج من الغرفة ليحاول أن يشرح لزوجته سبب وجود حصان في غرفة النوم. سأشرح لك... إعتقد أنه قال ذلك.لكن عندما قفزت زوجته مسرعة على الدرجات الحجرية. بدا له أنه لم يصدر صوتاً يشبه الكلام، بل همهمة ما. هل يركض خلفها، سيكون المنظر طريفاً، الرجل أو حصان غرفة النوم يلاحق زوجة هاربة بدد طرافة الفكرة صوت باب البيت الخارجي ينغلق بقوة، معلناً هرب زوجته. «ستعود» قال لنفسه. حاول أن يدندن أغنية ما، لم يكن ذلك الصوت الذي يعرفه،هل كان صهيلاً؟ قرر أن يصهل، لا يهم، لكن الصوت كان مزعجاً. سيتعلم الصهيل، لا بد أن هناك نواد للتعليم. هذه المرة أكد في المرآة. إحتل وجه الحصان وجهه تماماً. تألم قليلاً، لم يجد نفسه حصاناً وسيماً بعيون لماعة. وأنف شامخ. كانت عيونه حزينة ومتعبة. أكثر من حزنها وتعبها عندما يصيبه الأرق. لا بد أن زوجته ستعود حالاً. فهي خرجت بملابس النوم. ستستوعب الحالة ولا بد. وربما أصبحت رجلاً هاماً بهذا الوجه. أو غير إعتيادي على أقل تقدير. هبط درج المنزل الحجري ببطء تنفس من صدره كما يتنفس الحصان. فتح الباب وخرج بثقة. ببساطة هو رجل سليم العقل بوجه حصان. لاحظ أن طفلاً ًيتبعه. لا بد من الوقار وعدم الإستجابة لصرخاته أو لإستغراب رفاقه الذين مشوا معه خلفه. كذلك فعدلت تلك المرأة التي يعرفها والتي عادة ترتدي رداء طويلاً ولا تخفي على الإطلاق نظرات ليست أبداً فاضلة. «لابأس» قال لنفسه عندما بدأ المطر بالهبوط مع أن الصيف لم ينته بعد. كان عليه أن يحتاط ويحمل مظلة. سيكون شكله جميلاً. سيشتري صحيفته اليومية ليكون شكله جميلاً أكثر. لكن البائع رفض بعنف، أو بخوف. مستديراً ومعلناً أن لا جرائد للأحصنة. ربما لأن الأحصنة لا تقرأ. هل هذه قضية بالفعل. الأحصنة لا تقرأ بل تقفز بحيوية. سيقفز إذن متجنباً فكرة الوقار. كان ذلك في الصباح. والآن عليه أن يعود، فهو لا يدري ماذا سيفعل، والوقت يمضي سريعاً، وسريعاً جداً. وهو متعب ونسي مفتاح الباب الخارجي. دق الجرس وطرق الباب طويلاً، ونادى زوجته بصوت لا يعرف ما هو.لكن أحداً لم يفتح. تأخر الليل ولم يفتح أحد. كان رجلاً يتقلب في الليل الذي مضى مفكراً بأنه يتحول إلى حصان خاسر. وها هو لا يملك مفتاحاً ويحاول أن يفتح الباب دون فائدة. إسترخى مرهقاً. مرت أعين دهشة. فكر رغم وجودها أنه يريد أن ينام. وحاول أن يحاول... حدث ذلك منذ زمان، هل تذكرون ذلك الحصان الأعجف الذي يروون أنه نام عند طرف المدينة الشمالي؟ هل تعرفون ذلك الوجه الساهم الذي يفكر كيف يفتح الباب؟ هل تذكرون تلك الطلقة التي كسرت صمت الليل؟ وقتها حين سقط الحصان أعجف منهكاً ينزف دماً؟ لم يكن قد غاب عن الوعي تماماً، عندما سمع صوت شرطي البلدية، الذي بادره بالرصاصة دون أن يطلب منه أوراقه الشخصية. قبل أن يفهمه يهمهم. حين سمع صوته آمراً من معه: إرموا الجثة في المزبلة الشمالية... تلك التي كانت غير بعيدة كثيراً عن بيته مغلق الأبواب والنوافذ، والذي لم يفتح إلى اليوم.