في إطار الاحتفال بشهر التراث وضمن برنامج ثري ومتنوع شهدت دار الثقافة بالوردانين يوم الجمعة 14 ماي ندوة حول الفداوي السيرة والحكايات السيرة الهلالية نموذجا وقد احتوى البرنامج تدشينا لمعرض نوافذ الأصالة للرسام علي البرقاوي ثم انطلقت الندوة العلمية وقد قدم الدكتور محمد الشتيوي مداخلة بعنوان دور الرواية في نقل المعتقدات ثم استمع الحاضرون إلى مداخلة الدكتور محمد الجويلي بعنوان البنية الذهنية والعقائدية في الحكاية الشعبية ليكون الموعد بعد ذلك مع عرض فداوي للممثل المسرحي البشير الدريسي والفنان فرحات الجديدي. يرى الدكتور محمد الشتيوي أن منقولات الرواية أكثر من أن تحصى لأنها تشمل كل مشاغل الإنسان بمختلف فروعها من البسيط العادي إلى النص الديني باعتباره من المرويات فقد كان المجتمع العربي مجتمعا شفاهيا فمثل القرآن حدثا كتابيا والنقلة لم تقع منذ عهد الرسول وإنما تمت عبر مراحل تدريجية فقد نقله السابقون تدوينا ثم رواية وهما طريقتان تتكاملان: المكتوب والمسموع والثانية أهم لصلتها بالمقروء وهو نقل صوتي يعتمد الرواية وما يزال الاحتفاء بالقراءة متواصلا إذ يحرص الناقل على الشيوخ المختصين تحقيقا متصلا بالسند. أما ثاني النقاط فهي الأحاديث النبوية باعتبارها ثاني مصدر للتشريع وقد كانت تروى واستعرض بعض كتبة الحديث ونشأت علوم منها علم الحديث وعلم الحديث دراية ولذلك كانت علوم الحديث نقدا للسند والمتن وذات أهمية بالنسبة إلى نقل الدين وقد انتشرت الرواية وأنتجت مستويات من الحديث فأثرت في تكوين كثير من المعتقدات الخاطئة وأنتجت ثلاثة نماذج ومنها الإسرائيليات والقصاص خاصة مع السيرة النبوية وعلي بن أبي طالب وأيام العرب وثالث النماذج هم أهل التصوف والزهد في علاقتهم بالكرامات والأقطاب وللرواية الدور الأكبر في ترويج هذه المعتقدات. أما الدكتور محمد الجويلي فقد انطلق من نماذج كليلة ودمنة ليتبسط في الحكايات المثلية وكونية هذه الحكاية والحكاية الشعبية تكاد تستعصي على النمذجة ومنها الحكاية النسوية والحكاية الذكورية والحكاية الملحمية والمأساوية وهناك حكايات يصعب تصنيفها ومن أهم هذه الحكايات حكايات السيرة مثل عنترة وعلي أما سيرة بني هلال فهي حكاية نسوية لأن التغريبة كتابة لتاريخ البطولة النسوية. سيرة الجازية سيرة ملحمية في نظر الدكتور محمد الجويلي وبنيتها تكشف نهايتها منذ البداية وتنتج الجازية بطولتها بجمالها وقيمها وشجاعتها مثلها مثل عنترة وعلي هي الأنوثة المذكورة والحكاية الأخلاقية تربوية شرحها اعتمادا على حكايات شعبية جنوبية وبواسطتها وقفلا على مجموعة من الشواهد النصية الدالة على ذكورية السياق الذي انتجها وصنفها ضمن موضوع الشراكة في التصنيف العالمي للحكايات ومن الشراكة تنتج قيم مثل الصداقة وميثاق الصداقة وعلاقة القوي بالضعيف ومبدأ القوة المتحكم في الحكايات. وقد أفسح المنظمون المجال للحاضرين للتساؤل وإبداء الرأي وكانت فرصة للبحث في آليات إنتاج المعرفة الاجتماعية والسلوكية بواسطة الرواية سواء ما كانت ذات بعد عقائدي أو بعد تعليمي وقد ثمن البعض اختيار موضوع الندوة على أمل أن تتجدد في مناسبات ثقافية أخرى حتى تتسنى الفرصة لمزيد فهم الحكاية الشعبية التونسية. أما ثاني الفقرات فقد أثثها الممثل المسرحي بشير الدريسي في حكاية الفداوي مع مصاحبة موسيقية للفنان فرحات الجديدي وقد نالت استحسان الحاضرين الذين استمتعوا بقدرة البشير الدريسي على تتبع الجازية ومختلف الروايات التي أنتجتها السيرة.