أخبار تونس – يختتم اليوم 10 ديسمبر 2009 معرض “بحر من القوانين” الذي احتضنه منذ 25 نوفمبر الفارط المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة) في تنظيم مشترك بين وزارة الثقافة والمحافظة على التراث والمعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط وسفارة اسبانيابتونس ومكتبة المحامين في برشلونة. ويشتمل المعرض على مايقارب 30 وثيقة بين صور وخرائط ومخطوطات وكتب نادرة تتناول التراث البحري والتجاري والقانوني لشعوب حوض البحر الأبيض المتوسط من القرن السابع وحتى القرن الثامن عشر. وتركز محتويات المعرض على جوانب هامة من تاريخ التعايش والتبادل بين مختلف الممالك في منطقة حوض المتوسط وشبه الجزيرة الايبيرية والدولة الحفصية والامبراطورية العثمانية ويظهر ذلك من خلال تقسيم المعرض إلى 6 أقسام حملت العناوين التالية بحر متفرق وعالم الملاحة البحرية وعالم التجارة وبحر للقاءات: تونسوإسبانيا وأنظمة البحر وميراث متوسطي للعالم. ويكشف المعرض على أهمية تطور نظم الملاحة البحرية في فهم شبكة العلاقات بين المدن المتوسطية في حالات الحرب والسلم على السواء بالإضافة إلى تأثير الملاحة البحرية في نمو حجم المبادلات التجارية بين الممالك والسلالات المتعاقبة على سيادة المدن الكبرى المطلة على البحر المتوسط مثل تونس والجزائر وبرشلونة ومايوركا والبندقية. ولا تزال بعض المواد القانونية التي نشأت ما بين القرنين 8 و16 سارية المفعول في القوانين المعاصرة لدول حوض المتوسط خاصة تلك المواد التي أنتجها نخبة من المؤلفين ورجال القانون مثل ابن الموجي والبنتي والورنيسي ويوثق الكتاب الموسوعة “قنصلية البحر” LIBRE DEL CONSOLAT DE MAR عقود الشحن التي يستعملها أصحاب السفن المسيحيين انطلاقا من الأثر الإسلامي في هذا المجال. وسلكت الأندلس والمغرب مراحل مختلفة في هذا المجال حيث كان العلماء والقضاة المالكيون يضعون من خلال خبراتهم نصوص النظم والأعراف المدونة في بعض “أكرية السفن” إضافة إلى بعض المعاهدات المتعلقة بالتجارة والملاحة البحرية. ولقد أصاب المؤرخ الإسباني أنطوني دي كامباني في القرن 18 حينما قال بإيجاز: “لقد استطاعت المصالح والرغبة بالتجارة أن تحقق ما لم يستطع عنف الأسلحة والمعاهدات السياسية التوصل إليه.. نوعية جديدة من المجتمعات والعلاقات بين الشعوب والدول”. ويبدو ماقاله هذا المؤرخ الاسباني متطابقا إلى حد كبير مع ما قاله قبله بقرون العلامة عبد الرحمان بن خلدون في نفس المضمار “بفضل التجارة مع الأجانب وحاجات الناس ومصالح التجار تزيد البلاد إزدهارا”. كما يعكس معرض “بحر من القوانين” ملامح من الفترة الانتقالية بين القرون الوسطى والعصر الحديث عبر سرد اندفاعات الممالك المسيحية مثل فترة حكم “تاج أراغون” ومملكة هابسبورغ في إسبانيا والسلالة الحفصية وقيام حكم البايات الحسينيين في تونس. ومن بين المعروضات النفيسة في المعرض إحدى لوحات حفل استقبال إقامة حاكم تونس في القرن الثامن عشر على شرف تجار من برشلونة والرسائل التي أرسلها سلاطين تونس الى ملوك تاج أراغون خلال كل من القرن الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر ومعاهدات تتعلق بالسلام والتجارة بين ملوك أسرة بوربون والسلاطين العثمانيين في القرن الثامن عشر. ويعد هذا المعرض المشترك الأول من نوعه في تونس حيث تسجل هذه الوثائق المرجعية والنادرة التي تمثل جزءا هاما من الأرشيف الإسباني ومكتبة الأسكوريال بمدريد ومكتبة المحامين في برشلونة أول انتقال لها الى بلد من بلدان الحوض المتوسطي.