في الوقت الذي كان فيه التونسيّون منشغلون بمتابعة مآلات الصراع القائم بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحزبه نداء تونس وكذا بينه وبين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في ظلّ رفض واسع لاقته دعوة نداء تونس لإقالة الشاهد من منصبه أو لتشكيل إئتلاف حكومي بدون النهضة، عقدت الجبهة الشعبية ندوة صحفيّة كشفت فيها عن ما قالت إنّها معطيات جديدة في ملفّ الإغتيالات السياسيّة. عود على بدء: لمدّة أربع سنوات ظلّ ملفّ الإغتيالات السياسيّة في الرفوف وتواترت التهم من لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومن الجبهة الشعبية لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ب"خيانة" وعده الإنتخابي بعد التوافق مع النهضة، فجأة تحوّل إلى موضوع الساعة وفي ظرف قياسي تمكّن من صرف النظر عن الصراع القائم سياسيا بين رأسي السلطة التنفيذية وكذا عن الأزمة السياسية في المشهد برمّته. رغم أنّ سؤال السياق العام الذي تزامنت معه ندوة لجنة الدفاع والخلفيات من وراء ذلك ظلّ بلا إجابة من طرف الجبهة ولجنة الدفاع إلاّ أنّ الإعلامي المقرّب من رئيس الجمهوريّة والذي إنتقل إلى جبهة يوسف الشاهد نزار بهلول قد كشف بعد أقل من أسبوع عن "كواليس أروقة القصر" بشأن توقيت إثارة هذا الجدل مجدّدا. في إفتتاحيّته المنشورة على موقعه الإلكتروني بتاريخ 8 أكتوبر (أقلّ من أسبوع بعد الندوة الصحفية للجنة الدفاع) كتب بهلول يتحدّث عن كواليس لقاء جمع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بنائب الجبهة الشعبية المقرّب من الرئيس منجي الرحوي الذي أطلعه على تفاصيل الوثائق التي عرضتها لجنة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي وإتّفق معه على خطّة "إعلامية" لصرف النظر عن الأزمة السياسية التي لم تكن قد حسمت حينها وتحويل سهام الإنتقادات والهجمة الكاسحة برمتها نحو حركة النهضة. http://www.businessnews.com.tn/ennahdha-un-masque-a-oxygene… ربّما لأنّ إفتتاحية بهلول قد كتبت باللغة الفرنسيّة أو لأسباب أخرى فإنّ ما ورد فيها من كواليس قد مرّ عليه الجميع مرور الكرام وصولا إلى تاريخ 13 نوفمبر 2018 أي بعد أكثر من شهر عن عقد الندوة الصحفية حيث صرّح عضو لجنة الدفاع عبد الناصر العويني بأنّ الملفّ ليس جديدا وأنه كان بحوزة لجنة الدفاع منذ مدّة خلال إستضافته في برنامج إذاعي. بصرف النظر عن ما أورده نزار بهلول من كواليس عن ما يدور في القصر لتحويل وجهة الصراع نحو حركة النهضة فإنّ أكثر من مؤشّر يدلّ على أن الملفّ سياسي وأنّ المحاولات تجري بتواتر لتغليب مسار سياسي إقصائي على آخر قضائي ينشد الحقيقة. بشكل واضح، لم يكن المراد من وراء الندوة الصحفيّة التي عقدتها الجبهة الشعبيّة مطلع شهر أكتوبر الفارط البحث عن الحقيقة في ملف الإغتيالات السياسية التي هزت البلاد في سنة 2013 ولا حتّى إحراج الجانب القضائي أو وزارة الداخليّة ب"الغرفة السوداء" فقد شدّد عضو لجنة الدفاع رضا الردّاوي بصريح العبارة في تصريح تلفزي تلى الندوة مباشرة على أنّهم "يساعدون وزارة الداخليّة على إيجاد مخرج مشرّف" رغم كل ما وجّهوها لها ولوزير الداخلية من تهم. https://www.youtube.com/watch?v=HQQ7d558_aE الغاية كشفها أحد وجوه الجبهة الشعبيّة الذين نصبت لهم الطاولات والكراسي على وسائل الإعلام الإماراتية والمصرية للتهجّم وكيل الإتهامات لحركة النهضة، الجبهاوي مصطفى القلعي كان على الأقل أكثر وضوحا من غيره وأعلن بوضوح على شاشة قناة "سكاي نيوز" أن "الملف سياسي بامتياز" وأضاف أنه "من المهم جدّا وضع حركة النهضة في الزاوية في هذا الملف" معتبرا أن ما تمّ كشفه خلال الندوة الصحفية للجنة الدفاع فيه "إنتصار للجنة الدفاع وإنكسار لحركة النهضة وهزيمة إنتخابيّة منتظرة". https://www.youtube.com/watch?v=_ibKaEh3Cqs بعد شهرين إلى إثارة الجدل باتت الغايات واضحة ومعلنة الآن فمباشرة إثر نقل الملف إلى مجلس الأمن القومي بعد النجاح في تحريض رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي للقيام بتلك الخطوة أفصحت لجنة الدفاع وقياديون في الجبهة الشعبية عن المطلب الرئيسي وهو حلّ حركة النهضة، غاية وردت على لسان أكثر من قيادي تكشف الغايات والخلفيات السياسية والإنتخابية لإثارة الملفّ بعيدا عن الغاية الأهم متمثّلة في كشف الحقيقة. وجبة دسمة للإعلام الإماراتي والمصري: الإعلام المصري والإماراتي المعروف بعداءه للديمقراطية في الوطن العربي وبانخراطه في دعم الثورات المضادة والدعوة إلى الإنقلابات العسكرية وإقصاء أطراف بعينها من السلطة والمشهد برمّته وجد في الإتهامات الموجهة لحركة النهضة هدية من السماء لينطلق مباشرة في نصب المحاكمات للحزب وقياداته. على شاشات قنوات تلفزية مصرية وأخرى إماراتية تدور برمتها في فلك محمد دحلان وتدور عجلاتها بهباته وأمواله التي يتلقاها من سلطات الإمارات الرسمية بضيوف واتهامات ومحاكمات كشفت في مجملها الغايات والأهداف الحقيقيّة لإثارة مثل هذه الملفات إعلاميا وسياسيا. “جناح مسلح للإخوان المسلمين في تونس”، “تنظيم عسكري”، “إرهاب” وغيرها من العبارات والجمل وجدت طريقها إلى الشاشات مجددا لتشتغل الأركسترا مجددا بشكل ممنهج على إلصاق تهمة الإغتيال بحركة النهضة بعد فشلها ومهندسيها طيلة أكثر من سبع سنوات في الإيقاع بالتجربة الديموقراطية في البلاد في أتن الفوضى. وسائل الإعلام الإماراتية والمصرية صاحبة سوابق كثيرة مشابهة في السنوات الأخيرة وقد ربح زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي كلّ قضاياه التي رفعها ضدّ هذه الشيطنات والحملات المغرضة ومن بينها قضايا رفعت أمام القضاء البريطاني ضدّ بعض من هذه القنوات غير أنها كانت قد أغلقت كل مكاتبها في الخاج خاصة في لندن كما فعلت قناة “العربية” وإكتفت بالتعامل مع منتجين ومتعاونين لتفادي دفع خطايا وغرامات مالية وتحمل تبعات حملاتها. القنوات المصرية والإماراتية لا تعادي فقط الثورات والديمقراطية في الوطن العربي وخصوصا مشاركة الإسلاميين في المشهد السياسي بل وتعمل بشكل ممنهج على استغلال مثل هذه الفرص للإنتقام من خصوم دولة أبناء زايد والنظم المتحالفة معها دون الوقوع تحت طائلة القانون فهي في كل الأحوال وسائل بروباغندا وتطبيل لا أكثر. https://www.youtube.com/watch?v=hFAMD-1CDFY https://www.youtube.com/watch?v=Ow6GbXDzVyQ https://www.youtube.com/watch… تهمة من الزمن البائد: الإجابة عن سؤال ما تبقى من كل الكم الهائل من المعطيات التي كشفت خلال الندة الصحفية للجنة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبرلهمي باتت واضحة أمام أعين الجميع فقد تحول النقاش بشكل كامل نحو ما تم تسميته "الجهاز السري" لحركة النهضة الذي بلغ الأمر بلجنة الدفاع حدّ الحديث عن إكتشافها لمخطط كان يعده هذا "الجهاز" لإغتيال رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهي مخّطات تمكنت اللجنة من كشفها ولم تستطع ذلك أجهزة الأمن والإستعلامات في البلاد. رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي لم يحرّك ساكنا عندما تهاطلت التصريحات التي تكشف كواليس الإعداد لإنقلاب دموي في إعتصام الرحيل صائفة 2013 الذي كان حزبه نداء تونس أبرز طرف من المشاركين فيه، إستقبل لجنة الدفاع وأدرج الملف على برنامج عمل المجلس الأعلى للأمن القومي. تهمة التنظيمات السرية ليست جديدة في التاريخ التونسي فقد كان النظام السابق الذي قامت ضده الثورة يستعملها لإدانة كل معارضيه الممنوعين من التنظّم أو حتى من الذين منحهم النظام نفسه تأشيرات للعمل الحزبي حتى أنه من الراسخ في الذاكرة للناشطين السياسيين أن "السرية" كانت مفر الشيوعيين واليساريين. قضيّة "الجهاز السري لحركة النهضة" التي أصبحت العنوان الرئيسي للنقاش أثيرت تهمة في سنة 1987 وأصدر القضاء حكمه حينها بحفظ التهمة بعد محاكمة شهيرة غير أنّ ما لا يتذكره كثيرون أنّ القضاء التونسي كان قد وجه نفس التهمة قبل ذلك سنة 1983 تحديدا لعناصر من الحزب الشيوعي وأدانهم بعشر سنوات سجنا.