تمكّنت تونس و الّتي تُعتبر آخر"قلاع" الربيع العربي من تخطّي عملية الانتقال الديمقراطي و تمكنت في فترة وجيزة من تحقيق كبرى منها : إصدار الدستور الجديد و إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الحرّة و إرساء التعدُّدية الحزبية والحرِّيات السياسية ، ما جعل قادة الدّول الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وألمانيا وايطاليا يشيدون بالتجربة التوافقية والاسلام الديمقراطي والحداثي قبل أن يطلقوا رصاصة الرحمة على هذه التجربة، إذ أن هنالك من يلاحظ بأنَّ الاهتمام الدولي في مصير تونس قد انخفض او بالأحرى هناك مساع لكسر هذا المسار من خلال (التصنيفات و القائمات السوداء). و بعد أسبوع واحد فقط من زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون التي نوه فيها بالنموذج التونسي. وتعهد بمساعدة تونس باعتبارها "أخا" وليس صديقا ، يُقرّر الاتحاد الأوروبي تصنيف تونس في القائمة السوداء، لينزل هذا القرار مثل "الصاعقة" على التونسيين الذين أحسّوا بعدم تقدير أو بالأحرى عدم اعتراف بالجهود السابقة لتونس من أجل الإصلاح. و يؤكّد الخبراء في الشأن الاقتصادي أنّ تصنيف تونس الأخير ضمن لائحة الدول عالية المخاطر في تبييض الأموال وتمويل الإرهاب من قبل الاتحاد الاوروبي، ومن قبله أدرجها الاتحاد الاوروبي ضمن قائمة الدول التي تعد "جنة" للتهرب الضريبي، يأتي في إطار ضبط السياسات الحكوميّة وابتزازها لمزيد تقديم التنازلات خصوصا على صعيد التفويت في المؤسسات العمومية والانفتاح الكامل وغير المشروط على السوق الدوليّة. إذ لا ننسى انّ مجلّة الاستثمارات التونسيّة نوقشت في البرلمان الأوروبيّ قبل طرحها على مجلس نوّاب الشعب، وأنّ الحوافز الاستثماريّة كانت بضغط وتوجيه من الدول الأوروبيّة وصندوق النقد الدولي التي كانت تنتقد سابقا الإجراءات الحمائيّة والجمركيّة. كما أجمع الخبراء والجامعيون على "المنحى السياسي في تصنيف تونس ضمن هذه القائمات السوداء " الصادرة عن المنظمات الدولية ، مؤكدين على أنّها قرارات سياسية بامتياز ولا تمتّ بصلة لمسألة التهرّب الضريبيّ او التهريب او الارهاب خاصة وأنّ جميع الخطوات التي اتخذتها الحكومات التونسيّة المتعاقبة في الشأن الاقتصاديّ كانت بمباركة ودعم هذه الدول والهيئات الماليّة الدوليّة. واعتبر كريم بن كحلة الجامعي والخبير لدى المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في إطار لقاء جمع بين الخبراء و الجامعيين للتعليق على تصنيف تونس الأخير ، أنّه "موضوعيّا هناك ما يدعو إلى طرح أسئلة بخصوص هذا التصنيف خاصّة عندما يتعلّق الأمر بإدماج ثلاثة بلدان فقط ضمن هذه القائمة وكأنّه لا يوجد غير هذه البقع السوداء ضمن هذا العالم الرائع لكن، أيضا، عندما نرى بلدانا على غرار تركيا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تظهر على هذه القائمة". وانتقد بن كحلة أيضا مجموعة العمل المالي "التي لا تتوفّر على الوسائل الكفيلة بمتابعة مدى احترام الكم من التوصيات، التي تصدرها".واعتبر انه من الضروري الان التفكير في السبل الكفيلة للخروج من هذا التصنيف دون السقوط في جلد الذات أو الإنكار". وتوافقا مع بن كحلة اعتبر العضو المؤسس لحلقة الماليين التونسيين، نبيل شحدورة، أن "تصنيف تونس ضمن قائمة الدول الاكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب هو قرار عقاب" دون أن يستبعد "إمكانية أن يكون بتأثير من مجموعات ضغط تعمل لصالح عدّة بلدان".وأوصى في هذا الخصوص بإعادة تفعيل الجهود الديبلوماسية لتحييد تاثير هذه المجموعات". يشار إلى أن إدراج تونس ضمن القائمة المذكورة تبعه إعفاء الشاذلي العياري من منصبه محافظا للبنك المركزي، واعتبرت جهات من مؤسسة رئاسة الجمهورية أن التصنيف إحدى النقاط التي تسببت في إعفاء العياري، واقتراح مروان العباسي خلفا له.