لأول مرة منذ 16 عاما ، سجلت احتياطيات تونس من العملة الصعبة انخفاضا إلى ما يغطي واردات 82 يوما فقط ، وهو ما يضع محافظ البنك المركزي الجديد، مروان العباسي، في مأزق في أول اختبار له سيما وقد تعهد هذا الشهر باتخاذ "إجراءات استثنائية لمعالجة مؤشرات اقتصادية مخيفة". و قد كشفت بيانات رسمية محيّنة للبنك المركزيأن احتياطي تونس من النقد الأجنبي واصل تراجعه حتى وصل إلى مستوى حرج حيث بات يغطي 82 يوما فقط من الواردات، وذلك للمرة الأولى منذ العام 2003. وأوضح البنك المركزي أن احتياطي تونس من النقد الأجنبي بلغ 11570 مليون دينار، أي ما يُغطي واردات 82 يوما، مُقابل حوالي 101 يوم خلال نفس الفترة من العام الماضي. وكان مجلس نواب الشعب، قد وافق على خطة للبنك المركزي لبيع سندات بقيمة مليار دولار، في النصف الثاني من شهر مارس المقبل، للمساعدة على تمويل ميزانية 2018. ويحذر محللون من أن هذا المستوى الحرج للاحتياطي يهدد قدرة البلاد على تسديد ديونها واستيراد بعض المواد مثل الطاقة والأدوية والغذاء. وفي تعليق على هذا اعتبر الخبير الإقتصادي عز الدين سعيدان أن هذا المستوى يعتبر متدنيا وحرجا إلى حد بعيد، لأن كل بلدان العالم تعتبر أن مستوى 90 يوما من الإحتياطي هو أقل مستوى لا يمكن النزول تحته. هذا وأشار أن السوق المالية الدولية ستعتبر أننا غير قادرون على تسديد ديوننا الأجنبية لأننا سنعطي الأولوية المطلقة لتوريد المواد الغذائية والدواء والمحروقات. كما أضاف أن هذا النزول سيزيد من تعميق الوضع الصعب مع صندوق النقد الدولي لأنه لم يصرف لنا القسط الثالث من القرض بعد. وبين كذلك أن خروج تونس للسوق المالية الدولية قصد اقتراض مبلغ مليار دولار في النصف الثاني من شهر مارس أصبح شبه مستحيل نظرا للظروف الصعبة التي تمر بها. هذا وأفاد سعيدان أنه من المنتظر أن ينزل احتياطي تونس من النقد الأجنبي إلى أقل من 80 يوم توريد. كما أشار أننا في حاجة اليوم إلى استنباط إستراتيجية واضحة على غرار برنامج الإصلاح الهيكلي لإصلاح الإقتصاد. ومن جهته، قال الخبير الاقتصادي رضا شكندالي، إن الحكومة قد تضطر لخروج غير مبرمج للاقتراض من السوق العالمية لردم فجوات جديدة في الموازنة فرضتها التطورات في منطقة الحوض المنجمي، مؤكدا أن الخروج سيكون محفوفا بالمخاطر بسبب التصنيفات الأخيرة لتونس على القوائم السوداء للبلدان المتهمة بالتهرب الضريبي وغسل الأموال. وتوقع الخبير الاقتصادي أن تواجه الحكومة صعوبات كبيرة في التصرف في موارد الموازنة بسبب هشاشة الفرضيات التي بنت عليها ميزانية 2018 والتي كشفت عن عيوبها في وقت مبكر من السنة، بحسب قوله. وتعاني تونس من مشكلات اقتصادية مختلفة ارتفعت حدتها العام الماضي، تتمثل بالأساس في ارتفاع العجز التجاري بنسبة 23 بالمئة مقارنة مع 2016، وهبوط أسعار صرف الدينار مقابل الدولار واليورو، بنسبة بلغت 9 بالمئة. وتراهن الحكومة على "الإجراءات الاستثنائية" التي تعهد بها محافظ البنك المركزي الجديد الذي نال ثقة البرلمان ليكون خلفا للشاذلي العياري الأسبوع الماضي، لمواجهة المؤشرات الاقتصادية المزعجة. وتعهد مروان العباسي، محافظ البنك المركزي الجديد، هذا الشهر في جلسة لنيل الثقة أمام البرلمان، باتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة مؤشرات اقتصادية وصفها بأنها "مخيفة". وشدد العباسي في كلمة أمام البرلمان على أن الوقت قد حان للقطع نهائيا مع الاستراتيجيات التقليدية مثل الاعتماد على قطاع النسيج، والاتجاه نحو اقتصاد المعرفة من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتحقيق استدامة الاقتصاد. وأظهرت أرقام رسمية أن حجم تداول السيولة خارج القطاع المصرفي ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 12.5 مليار دينار، من بينها مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية. وفي هذا الصدد، قال المحلل المالي حاتم زعرة إن أولويات المحافظ الجديد يجب أن تتضمن الحد من تداول هذه المبالغ الكبيرة من السيولة والعملة الأجنبية في السوق السوداء. وتشير تقديرات الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة إلى أن التجارة الموازية بالبلاد أصبحت تمثل نحو 50 بالمئة من إجمالي رقم معاملات القطاع التجاري. وأضاف زعرة "أعتقد أنه آن الأوان لتحرير كل الحسابات البنكية بالعملة الأجنبية وإقرار عفو عن جرائم الصرف لاستقطاب المزيد من الأموال من السوق السوداء". وأشار إلى أن البنك المركزي يملك الأدوات اللازمة لوقف هذا النزيف أيضا من خلال سحب بعض الأوراق المالية والتركيز على العمليات المصرفية عبر الهواتف المحمولة، إضافة إلى وضع سقف محدد للتعامل بالسيولة. وتضرر الاقتصاد التونسي بشدة منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي قبل سبع سنوات وزادت معاناته مع هجمات إرهابية في 2015 تسببت في طرد السياح والمستثمرين.