أثارت تصريحات رئيس الجمهورية بخصوص تفعيل قرارات محكمة المحاسبات عبر إصدار مراسيم، انتقادات واسعة، حيث اتهمه معارضوه بالاستيلاء على صلاحيات القضاء واحكام قبضته على الحكم دون حسيب او رقيب. وكان الرئيس سعيد قد دعا الى ضرورة ترتيب الآثار القانونية على ما ورد في تقرير دائرة المحاسبات من تجاوزات، مؤكدا ضرورة اتخاذ قرارات أخرى بالمراسيم. وفي حوار له مع جريدة الشارع المغاربي نُشر بتاريخ اليوم 30 نوفمبر 2021، أكّد المحامي أحمد صواب، القاضي الإداري سابقا، أنّ المرسوم الذي ينوي إصداره الرئيس قيس سعيد في علاقة بتقرير محكمة المحاسبات حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية 2019، سيكون بمثابة إعلان موت الجمهورية الثانية. كما اعتبر أنّ الرئيس سعيد في حالة قيامه بذلك فهو سائر بالضرورة نحو الاعتداء على السلطة القضائية. وكتب القاضي محمد العفيف الجعيدي، مؤكدا أنّ تقارير محكمة المحاسبات هي مجرّد تقارير رقابية تحتمل الخطأ ولا يمكن بناء أحكام قاطعة عليها: "وجب التنبه لكون سمير بالطيب تمت ملاحقته وإيقافه بالاستناد لنتيجة تقرير حررته محكمة المحاسبات وأنه بإعادة الاختبار بواسطة هيئات رقابية أخرى تبين أن ما ورد بالتقرير الرقابي المحرر من محكمة المحاسبات تضمّن أخطاء قانونية وفنية فادحة بني عليها ادّعاء الفساد.. هذا يعني أن محكمة المحاسبات لما تحرر تقريرا رقابيا يظلّ عملها قانونا مجرد عمل رقابي يجب أن يخضع للتمحيص والتثبت الفني قبل اعتماده دليلا جزائيا جازما". وأضاف الجعيدي معلقا على الزمن القضائي: "وجب السؤال عن تاريخ توجيه نيابة محكمة المحاسبات للملفات للنيابة العمومية العدلية وهل أنها وجهت فعلا كل الملفات وهل أن الملفات التي أثارتها تتعلق فعلا بتمويل الحملة الانتخابية والحملة الانتخابية وهل أن اللوبيينق مثلا يدخل في هذا الإطار". وشدّد القاضي على أنّه من الطبيعي أن يكون للسياسي حساباته التي يبحث عنها، لكن من الخطأ أن يؤدي توظيفه لحساباته وبحثه عن مصالحه للعبث بالوعي وللمس بالثقة العامة في المؤسسات وللتأثير سلبا على إجراءات المحاكمات". وتابع: "كل حديث عن تدخل بمراسيم في قضايا جارية عبث لا يقبل ومس بالأصول الإجرائية لا يجب أن يحصل". بدوره، قال النائب سمير ديلو في تصريح لإذاعة "جوهرة اف ام" إن تلويح قيس سعيد باستعمال المراسيم في قضايا جارية هو شكل من أشكال الجنون التشريعي، على حد قوله. واعتبر ديلو أن تواصل سياسة التشفي التي ينتهجها سعيّد في حق النواب تواصل للإجرام، حسب تعبيره. في نفس السياق، اعتبر النائب بمجلس نواب الشعب مبروك كرشيد أن إصدار مراسيم بالإلغاء المباشر لبعض القائمات التشريعية ولعضوية بعض النواب تعد على اختصاص القضاء وحقوق المتقاضين، إذ لا يجوز الطعن في المراسيم، لا من حيث القانون ولا من حيث الإجراءات في ظل غياب محكمة دستورية، وفق قوله. كما اعتبر مبروك كرشيد في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك أن اقحام المراسيم في إسقاط القوائم التشريعية بصفة مباشرة "سيكون خطأ جسيما يضاف إلى أخطاء أخرى، كلها ستكون مادة لتأكيد أخطاء الرئيس الكبرى الماسّة من الحريات العامة والخاصة" . وتساءل كرشيد " هل دخلنا مرحلة الدعس والعفس على القوانين ؟". وكان قيس سعيد، استقبل مساء أمس بقصر قرطاج، العميد الصادق بلعيد، وأستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة أمين محفوظ. وتناول اللقاء قضايا ذات علاقة بالوضع الدستوري والقانوني على وجه العموم. كما تم التطرق أيضا، وبصفة معمقة، إلى تقرير دائرة المحاسبات المتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019. وقد أكد رئيس الدولة على ضرورة ترتيب الآثار القانونية على ما ورد في هذا التقرير من تجاوزات إذ من غير المقبول أن يوضع تقرير عن محكمة ويبقى دون أي أثر قانوني، مؤكدا ضرورة اتخاذ قرارات أخرى بالمراسيم. وقال قيس سعيد: ''أهم قضية اليوم هي محاولة اعتقال الثورة في القوانين التي وضعوها على المقاس''، مضيفا ''القضية يرديونها قضية قوانين، هي كذلك ونحن نعمل وفق القوانين ولكن نحن لا نعمل وفق شرعية مزعومة وهم لا يفرقون بين الشرعية والمشروعية''. وشدد رئيس الدولة، على أن ''الشرعية لابد أن تكون قائمة على المشروعية التي تعبر عن الإرادة العامة وليس عن بعض الأشخاص أو بعض النصوص التي لا تتطبق''. وأشار إلى أن تقرير محكمة المحاسبات المتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 يحتوي على الكثير من التجاوزات لكن القضاء لم ينظر إلى اليوم في هذه القضايا التي تسقط بعد 3 سنوات''. واعتبر أن ''هناك تباطؤ حتى تمر الآجال وتسقط إمكانية إسقاط القائمات أو المترشحين''، مشددا على ضرورة وضع تصور جديد. وخلص رئيس الجمهورية إلى القول: ''أليس من العدل أن نترتب الآثار القانونية اللازمة على تقرير المحكمة ونختصر الآجال... ما قيمة نص قانوني وُضع من قبل عشرات النواب في حين أن تمويلهم تمويل أجنبي.. لابد أن نتخذ إجراءات أخرى في إطار المراسيم''.