يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تشهد إذاعة صفاقس انطلاق أوّل قناة تلفزية جهوية؟!
بعد قرار الفصل بين الإذاعة و التلفزة: كتب صابر فريحة
نشر في الشعب يوم 06 - 10 - 2007

مثل الإعلان عن الهيكلة الجديدة لمؤسسات الإذاعة والتلفزة التونسية (ERTT) تحولا نوعيّا في اتجاه تطوير المرفق العام السمعي البصري مع مقتضيات التحولات الذي شهدها هذا المجال و طنيّا و دوليا في ظل ظاهرة العولمة، وواقع التدفق الرأسي للمعلومة، و حاضر التطورات التكنواتصالية المتسارعة على غرار «السوتلة» و»الرقمنة» في البث والالتقاط. كما أن التوجّهات الجديدة تعتبر انسجاما موضوعيا مع التوجّهات نحو الاختصاص والتخصص في مجال او غرض إعلامي ما ، فكانت المحطات الاذاعية و القنوات التلفزية المتخصصة أو الملتزمة بمجال وحدات مثل القنوات و المحطات الثقافية والاخبارية و الرياضية والغنائية والاعلانية ... و لم تنأ المقاربة التونسية عن هذه الأهداف فكان الفصل بين مؤسستي التلفزة والإذاعة استكمالا لأغراض التخصص و استجابة لنقلة الفضاء السمعي البصري من نظريّة الاحتكار إلى واقع التعدد و التّخصص، وتحقيقا لمكاسب تحرّريّة، وقطعا نهائيا مع مفاهيم الاحتكار العمومي و الانغلاق...
وطنيّا و جهويّا مثلت تجربة إذاعة صفاقس باعتبارها أولى الإذاعات الجهويّة وفي ظلّ واقع البرمجة و البثّ الحالي- انحرافا تتناقض مفرداته مع التوجّهات الرّسميّة التعدّديّة والتّحرّريّة في هذا الصدد فيما يرى فيه الملاحظون تراجعا وتقزيما لتجربة عريقة في التميز و التفوق الاعلامي، فقد شرعت منذ مدّة إذاعة صفاقس في خطوة غير مسبوقة في اعتماد أسلوب تنشيطي جديد يقوم على المراوحة بين الأغنية العربيّة والأغنية الغربية على مساحات برامجيّة مختلفة و فترات زمنية متعددة بشكل لافت للانتباه على حدّ ما تابعناه و ما لمسناه لدى فئات و شرائح من جمهور هذه الإذاعة، و ذلك في توجه يعتبره بعض الأخصائيين استنساخا لتجربة بعض الإذاعات الخارجية المسبوقة والموجهة الى الوطن العربي على شاكلة الإذاعة الأمريكية الناطقة بلسان عربي «راديو سوار»، هذه المحطة المراوحة بين الغناء والأخبار، و المداولة بين الأغنية العربية والغربية و العارضة لموجز أو نشرة إخبارية كل ربع ساعة وفق رؤية و خلفية من يقف وراءها فهل هذه الاذاعة و ما شابهها جديرة بالاحتذاء وبالتالي بالاستنساخ بلا وعي ؟ و هل هي ناجحة الى حد العجز عن عرض البدائل سوى النسج على منوالها ؟!
هذا التوجه الجديد لإذاعة صفاقس برره بعض المطلعين على شؤون الدار بتسرب انباء عن تراجع مستوى الاستماع و تحول جمهور إذاعة صفاقس الى إذاعات اخرى، و يقال ان الشأن ذاته تعانيه باقي الإذاعات الجهوية و الوطنية بعد انطلاق تجربة البث الإذاعي الخاص لأول مرّة في تونس.
الخيار البرمجي المذكور لم تجنح اليه إذاعة الشباب رغم خصوصية الجمهور المستهدف وان كانت مختلف برامجها تستهوي كل الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية و النخب الفكرية رغم المنافسة الحادة و غير المتكافئة رسالة و مضمونا و اسلوبا، و التي تجابهها تلك المحطة من قبل راديو موزاييك FM منذ سنة2003 .
إذاعة المنستير أيضا حافظت وتحافظ على خصوصيتها ومازال جمهورها ملتفا حولها و مصغ لبرامجها و مشارك مراسلة ومهاتفة و رغم استهداف قطاع واسع من جمهورها بمختلف الاغراءات من قبل راديو جوهرة FM الخاص و الذي يبث من سوسة منذ 2005 .
و فيما نعلم لم تشتك الإذاعات الجهوية الأخرى و لم تتخذ التبريرات المتقدمة ذريعة لاي تغيير او تحوير او تبديل.
أم الاذاعات
ان تحول إذاعة صفاقس الى محطة للإعلام المحلي بما تحيل إليه الكلمة من معنى في ظل المتغيرات الحاصلة محليا و دوليا يطرح أكثر من تساؤل لدى عموم جماهير الاستماع و الأخصائيين، و الملاحظين بعد أن أصبحت هذه الإذاعة تبث على موجة التضمين الترددي (FM) و على شعاع ضيق فضلا عن التغيرات الجذرية في المضامين البرمجية في قطيعة بينة تتعارض مع ماضي هذه الإذاعة كأوّل إذاعة جهوية تحقيقا لأهداف اللامركزية و دعما للتنمية الجهوية و المحلية الّتي لا تتحقق الا في ظلّ قطاع إعلامي وطني و تقدّمي هادف و مواكب للقرارات و التصوّرات..
تعتبر إذاعة صفاقس اولى المحطات الإذاعيّة الجهوية الراجعة بالنظر الى مؤسسة الإذاعة و التلفزة التونسية بعد الاستقلال اذ تمّ احداثها منذ 8 ديسمبر1961 تأكيدا للسيادة الوطنية و لمواجهة التشويش و البث الإذاعي الأجنبي، و ان كان التاريخ يحتفظ لصفاقس و بنزرت بأوّل محطّتين إذاعيتين تحصّلتا على ترخيص قانوني للإرسال الإذاعي قبل الاستقلال في 17 جوان 1935 أي قبل سنتين من الانطلاق الرسمي لمحطّتي تونس و سوسة العاملتين آنذاك (1937) .
أين الاساطين
هذا الرصيد التاريخي للإعلام الإذاعي بصفاقس بؤاها مكانة أفضلية و دورا محوريا في انجاب نخبة من خيرة وجوه الفعل في الثقافة و الإعلام فمازالت رفوف مخازن الوثائق السمعية بإذاعة صفاقس تحتفظ بالتسجيل الصوتي المعلن عن انطلاق « إذاعة الجمهورية التونسية من صفاقس... على الموجة المتوسطة (AM+MW) بصوت الإذاعي الشهير احمد العموري، لتتالي أفضال هذه المحطة الإذاعيّة الجهوية في سطوع نجوم فعلية في الغناء و التمثيل و الاخبار أمثال محمد الجموسي، حسيبة رشدي، عبد السلام البش، عامر التونسي، المختار الحشيشة، احمد حمزة، قاسم كافي، محمد التريكي، علي الجراية ، قاسم المسدّي... وغير هؤلاء كثير ممن ساهموا في تأثيث الرصيد السمعي البصري الوطني و تنشيط المجال الثقافي وطنيا و جهويا، كل هؤلاء مرّوا من إذاعة صفاقس و عبّدوا طريق الشهرة و النجاح بفضل العطاء و الفاعلية و الجدية.. و لكن هل جفّت ينابيع أم الإذاعات عن مزيد العطاء؟
النهر الخالد
«زيتونة الأثير» كما أطلق عليها يوما ما أو زيتونة الFM كما يطلق عليها اليوم استظلها خلال حقبة الثمانينات و السبعينات إذاعيون استفادوا من إشعاعها على الجنوب التونسي و بعض دول الجوار، هذه النخبة أخذت المشعل عن جيل الكبار و استنارت بمشكاة دربهم فانجبت عبد الكريم قطاطة، «من البريد الى الاثير» في مساحة اذاعية حرّة و جماهيرية و لتتكرر التجربة خلال التسعينات و من روائها، «إذاعة بالالوان» و بنفس النجاح الجماهيري أيضا.
اما عبد الجليل بن عبد الله فقد انتج «نادي المستمعين» في نسختين و السمعة المميزة في البرنامج اشعاع وطني و مراسلات من خارج الوطن و من الداخل وتاثيث لمكتبات خيرية و صداقات و توفيق و تقارب و تبادل للآراء و التجارب في منتدى ثقافي متميّز. عبد الرحمان اللحياني «ابو الاذاعيين الشبان» وهو اللقب الذي يصح ان يطلق عليه لكل معترف بجميل تكوين جيل اذاعي تدرب على تجاوز رهبة المصدح و فسحت له فرصة الانتاج الخاص في برنامج من بنات الأفكار الصغار واستفاد منه بذات القدر الكبار، برنامج ضاهى في مستواه وتفوق على ما كانت تقدّمه السيدة عليا ببّو على امواج الإذاعة الوطنية و في نفس المساحة الزمنية ذات صباح، ذات أحد...
جمال الدين خليف تجاوزت مواهبه الانتاجية للدراما الإذاعيّة لينتج كما انتج للإذاعة مسلسلات تلفزية كتب نصوصها ونسخ سيناريوهاتها و حواراتها ليتقمصها الجميع من قسم الاخبار الى قسم البرامج الثقافية و قسم التمثيل. انه تعدد المواهب و لاشك رغم التخصص و الاختصاص..
الأسماء اكثر من ان تحصى و تستحق اكثر من تنويه، زكية بن عياد، عبد الرزاق بو ستة، المختار اللواتي ، الصحفي المختار اللواتي في أخبار السينما و كذلك بانورما كمال بوخذير ذات سبت ، عبد المجيد الحاج قاسم ، الشيخ السلامي محمد الحبيب أبو سهيل ، كمال بوخذير، جميل بن عبد الله، علي سليم، احمد العش، احمد جبير، عبد المجيد الحاج قاسم، زهير بن احمد، عادل شبشوب، الحبيب الهدار، توفيق المزيو، جميلة بالي، السيدة قايد، نجيبة دربال، ثريا المصمودي، رياض يعيش...
لكل مرحلة رجالها، و داعي التجديد و التشبيب دافع للابداع و الابتكار و لكن لكل عمل إعلامي ارضية ينطلق منها و الانتاج الصحفي بمختلف اشكاله و انماطه ينطلق من خلفية و الا فلا هدف فيه!
الخلفية أوّلا
لكن ماهي خلفية و مرجعية النخبة الرافعة للواء التجديد و التحديث العاملة حاليا بإذاعة صفاقس وجوه شبابية متحمسة للعمل الإعلامي متحفزة للابتكار و التجديد والتنويع و التلوين البرامجي أمثال نوري الشعري و عائشة بيار، مهدي قاسم، نجيب البادري وأسماء أخرى...
غير ان المستمع الوفي لإذاعة الجميع يجد نفسه يجتر مادة متشابهة تنقصها حافزية الدفاع عن مواقف و دافعية الايمان بالفكرة، كيف لا و اغلب البرامج لايسعى اليها مقدموها بجهد البحث و التنقيب و التحري المطلوبة لكل من يقدم على تجربة العمل الإعلامي المضنية و الممتعة في آن ؟ كيف لنا أن نطلب من مذيع او مقدم برامج او ما يسمى بمنشط ان يتّقد حيويةً و نشاطا و حركية و هو يقدم برنامجا لا صلة له به و لا ينبع من فكره و لا ينتمي الى تصوراته؟ فهو يقدم اليوم ما يقدم اليه جاهزا من قسم البرمجة فكرة و تصورا أو انجاز أسماء كثيرة تكرر نفسها او تكر بعضها ...
استنساخا لبرامج تتشابه في التصور و التقديم بل ان بعضها منقول عن بعض المحطات الإذاعيّة الاخرى مع فارق في الاسم و الزمن و المكان ، فهل هذه العوامل قادرة على تحقيق التجديد و التطوير فعلا ؟ بل هل يمكنها تحقيق التواصل مع ماض تليد لإذاعة الجميع ؟
إذاعة الجميع في زمن العولمة
إذاعة الجميع شعار كانت ترفعه إذاعة صفاقس في مرحلة مضت و لا نظنها اليوم قادرة على تحقيقها أو أن الظروف الموضوعية اليوم تحول دونها و تحقيق البعد الجماهيري للإذاعة التي هي احدى اهم وسائل الإعلام الجماهيري ذات الرسائل السامية فبعد التخلي عن الإرسال على الموجة المتوسطة(AM/MW) التي التقطت في فرنسا و في إيطاليا والسعودية و مصر و العراق و ان بصعوبة فانها دون شك حققت انتشارا و بثّا وطنيا أيضا و في ليبيا بمستوى 5/5 في الالتقاط و الاستماع و الاستقبال.
إذاعة صفاقس تطرق باب العولمة بالانكماش الثقافي و الانطواء على الذات فلا البرمجة قادرة على شدّ أذن المستمع في زمن ابهار الصورة، و لا البث حقّق ابعاد الانتشار و التوسع الإعلامي و الثقافي دفاعا عن الهوية و الذاتية و الخصوصية و مرادفاتها بل ان الأمر استحال إلى تأثر لا تأثير، او تفاعل لا إرادي مع الثقافات الغازية المتدفقة عبر الأقمار الصناعية. أليس في الأمر تعزيزا للفجوة الرقمية بين عالم متقدم تكنولوجيا و عالم مستهلك لتلك المنتجات بنهم، غير قادر على تشخيص الواقع و الإخطار المحدقة به و الناجمة عن تلك الفجوة؟
ان تحول إذاعة صفاقس للبث على موجة (FM) في الحقيقة هو تكريس لتلك الأخطار متقدمة الذكر، ثم ان هذا البث الذي خنق مجال الالتقاط والإرسال بدعوى تحسين و تجويد النوعية في الاستماع لا يتطلب في نظرنا تلك الإمكانيات المادية و البشرية مبنى ضخم و شاسع و حوالي 300 عامل بمحطة صفاقس الإذاعيّة بين مهندس و تقني و موظف ومنتج و مقدم و سائق و مسؤول... هذه الإمكانات البشريّة الضخمة تفتقر إليها كبرى القنوات التلفزية الإخبارية العالمية و الثقافية و غيرها دونما إشهار!!! على أن إذاعات (الFM ) تتطلب على حد العلم نفر من 5 أشخاص في المستوى الأدنى كما تبينه تجارب راديوهات الأحياء و الإذاعات المحلية في الدول الغربية..
راديو»FM» أم إذاعة محلية؟
ان التخلي عن البث على الموجة المتوسطة الحق أضرارا جمّة بالمستمعين معنويّا و ماديّا، فبعد الاستئناس بالاستماع إلى هذه لإذاعة المتميزة تخلّت عن تفوقها الإعلامي لفائدة بعض المحطّات الأخرى برمجيا، إذ ما معنى ان تحاكي إذاعة صفاقس بعض الإذاعات الدولية مفضوحة الأهداف ذات البث الغنائي على مدار الساعة و و التي تستبطن رسائل إعلامية تحاول تغيير الأنماط السلوكية و نظام الأفكار و القيم الأخلاقية للجمهور المستهدف؟ لماذا يعمد بعض» المنشطين» إلى بث أغان شعبية في ساعة صباحية مبكرة بعد أن كانت محسوبة على الفن المبرقع بل وأيضا وأغان اجنبية في ذات المساحة و غيرها بدعوى تراجع مستوى الاستماع!!! انّ هذه التعلّة مرفوضة تماما لان «زيتونة الاثير» ظلت تستأثر بإصغاء مستمعي مناطق الجنوب التونسي حتى بعد انبعاث إذاعات تطاوين و قفصة و الكاف و حتّى الإذاعة الثقافية حسب دراسة مجراة من قبل اتحاد إذاعات الدول العربية.
لماذا إذن تتحول إذاعة صفاقس للبث على موجة التضمين الترددي (FM) دافعة بذلك كل من استطاع إلى تغيير مذياعه المفتقر إلى هذه الموجة و متخلية عن جمهور آخر لم يجد بدا من تغيير جهازه ليبقى وفيا إلى الموجة المتوسطة و يلتقط إذاعات أخرى أو ربما إذاعة ظلت منذ انبعاث إذاعة صفاقس مصدر تشويش و تداخل و قلق في البث!!ألم يتدخل المجلس الأعلى للاتصال الفرنسي ليفرض على القنوات الفرنسية إلزامية الحفاظ على بثّها التماثلي analogique و لفترة انتقالية مدّتها 5 سنوات بعد تحوّل تلك القنوات إلى البث الرقميnumérique و ذلك فاحترام للجمهور حتّى لا يضطر فجأة إلى تغيير أجهزة التقاطه؟!
التحديث و التطوير من هنا
أليست لغة الصفر و الواحد الرقمية في زمن التدفق الرأسي للمعلومة أكثر جودة و نقاء و اقل تكلفة و ابعد من ان توقعنا في ما عددنا من مشاكل تتخبط فيها اليوم «زيتونة الأثير» إذاعة صفاقس «إذاعة الجميع»؟ هذا بالنسبة لدواعي الجودة في البث أما دواعى الجدوى المضمونة و البرمجة فان الوثائق السمعية التي يكتنزها «الفنوتاك» (خزينة البرامج) كفيلة بتعليم و إعلام من جهل او تقمص من شاء التمثل و التقمّص و التأسى أو حتى التأثر و من ثم التجاوز. فمن شاء ان يتكلم او يخاطب الناس و يتسلل إلى خلواتهم و بيوتهم ان يحذق آداب التسلل و ان يتقن الاستماع قبل التفوه و ان يهذب ذوقه قبل أن يصدىء أذواق الناشئة و يزعج السامعين و يفسد عليهم قرائحهم و أشياء أخرى، لكل من شاءوا أن ينفخوا في صور النكرات من وراء البحار في مئويات أخرى أن تكون أربعينيات! بأسلوب تنشيطي يقوم على الجمالية و الملاطفة و المحاذات و الأخذ بالخاطر في غياب آداب الحوار ولغة الإحراج و منطق الإقناع... نذكرهم أن الإذاعة مرفق عام و حتى تكون إذاعة صفاقس في زمن توسع الفضاء السمعي البصري التونسي و بإرادة سياسة سامية إذاعة الجميع لا تضيعوا الجميع و حتى تبقى إذاعتنا «زيتونة الأثير» لا تجتثوها من جذورها الضاربة تلك.
إن الإرادة السياسية للرئيس العابدين بن علي تدفع إلى مزيد تحرير المبادرة الإعلامية و التمسك بأخلاقيات المهنة و الالتزام بميثاق شرفها و تعدد و تنوع المحافل الإعلامية و فسح المجال للمبادرة الفردية و الخاصة لبعث مؤسسات إعلامية إذاعية بقصد تنويع المشهد الإعلامي السمعي البصري و في هذا السياق و تندرج مبادرة الترخيص بإنشاء القنوات الإذاعيّة و التلفزية الخاصة، هذه المناسبة استعدت لها مؤسسة الإذاعة و التلفزة التونسية فيما نعلم بدعم رصيدها البشري بالكفاءات من خرّيجي معهد الصحافة و علوم الأخبار و إدماج المتعاقدين و التعاقد مع المتعاونين في اتجاه ادماجهم أيضا تعزيزيا لمواردها البشرية بمبادرة رئاسية رائدة و لا يقل قرار اقتناء جهاز البث الرقمي الجديد و القادر على حمل عدد معتبر من القنوات الإذاعيّة و التلفزية في تناسق واضح مع مساعي توسيع الفضاء السمعي البصري و تنويع المشهد الإعلامي و تجويده شكلا و مضمونا بنية و نوعية، فلماذا لا تستفيد إذاعة صفاقس أم الإذاعات هذه المبادرة ان كان الحرص على تجويد البث و الالتقاط على ما سبق ذكره؟!
إضاعة قسم الأخبار
يؤكد كلّ من عاشر إذاعة صفاقس بإدامة الاستماع و المتابعة الوفية لبرامجها ان قسم الاخبار بهذه الاذاعة مثّل بفضل كفاءة صحفييه و منتجيه و محرري نشراته و برامجه الاخبارية بمختلف الاشكال الصحفية (تحقيقات ، ريبورتاجات، أخبار، تقارير اخبارية ... ) مثل على الدوام طليعة الأقسام الاخبارية على الاطلاق في تاريخ مؤسة الاذاعة و التلفزة التونسية بفضل الاعتماد على الكفاءات البشرية المتفوقة ، رفدت التلفزة و الإذاعة الوطنيتين بأسماء لامعة أهمها الحبيب الغريبي، مختار اللواتي و كمال بوخضير ... و هذا التميز استفاد في مختلف تغطياته الصحفية من قسم الاستماع و التحاليل الصحفية بمختلف المحطات و الاذاعات الدولية على غرار BBC و واشنطن DC التي ترتبط معها اذاعة صفاقس بعقود شراكة و تعاون و تبادل برامجي لا ندري ما هو مآلها وأين انتهى بها المصير ... ؟!
الصحفيون المحترفون بحرفيتهم لا بدرجاتهم المهنية و استفادوا عمليّا بمختلف النشرات البرقية لوكالات الانباء الوطنية و الدولية و التحاليل الاخبارية للصحف الدولية و الوطنية... كل هذا الجهد جعل من موعد السابعة و النصف صباحا خاصّة و الواحدة زوالا موعدا مقدسا يحترمه الجمهور العريض لاذاعة صفاقس اينما التقط بثها بدءا من العاصمة و الذين كانوا لا يجدون صعوبة في تلقي امواجها الأثريّة في ذلك الزمن المأسوف عليه.
و إننا اليوم لتعرونا غيرة و حزنا ان يحتجب عن تأثيث تلك النشرات رجالات أمثال عبد المجيد شعبان و المختار اللواتي و عبد الجليل بن عبد الله او غيرهم ... و نحن اكثر حزنا ان يرث هؤلاء نفر بضاعتهم مزجاة في عالم الصحافة و الاعلام و ان كانوا من أدعيائه! و ان كانوا أيضا من الحازين على إجازات علمية فيه فيه و تلك مصيبة أعظم ! فهذا يتعثر نطقا ، و ذاك يلحن لغة، و الآخر هزيل الإلقاء. فلكم اعيانا ان يبلغ مسامعنا صوتا لا نعلم اهو بصدد استعراض محفوظة او انشاد قصيدة مدرسية في تلاوة لاعلاقة لها بالأخبار و لا صلة لها بالقراءة المنغمّة و المفسرة و المفصلة على ما تلقّاه خرّجي معهد الصحافة في دروس الإلقاء وورشات الانتاج الاذاعي و التلفزي! وهذا آخر لا يملك أصلا صوتا إذاعيا ليجابه المصدح و هلمّ جرّا...
فلماذا لا يستفيد هؤلاء من خبرة أولئك ، ولماذا لا يأخذ أولئك بيد أولاء... و لتستمر مسيرة التميّز و الإشعاع التي طالما غبط عليها إذاعيو و إذاعة صفاقس ...
قناة صفاقس التلفزيّة!
تعتبر اذاعة صفاقس اولى الاذاعات الجهوية التي شهدت انبعاث وحدة انتاج تلفزي كانت بمثابة الرافد للانتاج السمعي البصري لمؤسسة الاذاعة و التلفزة التونسية و ذلك بفضل شراكة تاريخية مع مؤسسة الراديو والتلفزة الإيطالية «RAI». فكانت المراسلات مباشرة من ستوديوهات صفاقس، وساهمت من جهتها الوحدة التلفزية في انجاز عديد البرامج المنوعاتية والانتاجات الدرامية لمسلسلات تونسية . كما استنجد بها في تغطية الاحداث الوطنية و الجهوية ولتأثيث جوانب من نشرات الاخبار الرئيسة و الجهوية وغيرها ... و لكن لسائل آن يتساءل : ما هو مصير هذه الوحدة في ظل الركود الحاصل في أداءها و بفعل اقتصارها على التعاون مع بعض الإحداث الرياضية أو تغطية أو تركيب جانب مباريات البطولات الوطنية و غيرها من الأحداث الجهوي هي بمثابة الفقرات المؤثثة النشرة الأولى للأنباء هذا و لا غير ؟!
فهل يعقل أن تظلّ تلك التجهيزات التلفزية أو تلك الطاقات البشرية نهبا للركود و البطالة المؤدية إلى اهتراء القدرات و تراجع الإمكانات و تقزيم الهامات وربّما حتى انقراضها ؟! و هنا يحضرنا ذكر مصير شحرور إذاعة صفاقس عبد الكريم قطاطة الذي ابعد عن المصدح ليكلّف بالاشراف على هذه الوحدة باعتبار اختصاصه كمخرج في غياب الامكانات و الحوافز، فخسر المصدح و خسرت التلفزة...ونحن الأخسرين! أليس من طبيعة الأشياء و الواقع أن تستفيد هذه الوحدة و إذاعة صفاقس عموما من التوجهات الرسمية المعلنة و الهادفة الى توسيع الفضاء السمعي البصري التونسي في اتجاه احداث أولى القنوات التلفزية الجهوية في تواصل مع تاريخ هذه المؤسسة باعتبارها أولى الاذاعات الجهوية ، و ذلك بالبحث عن صيغ تحيين أو تمتين الشراكة مع التلفزة الايطالية او غيرها فضلا عن الاستفادة من تجاريبها الراسخة في مجال التعددية التلفزية بما في ذلك القنوات الجهوية و الخاصة ...
فبعد انطلاق قناة حنبعل الخاصة للبث عبر الاقمار الصناعية سنة 2005 ثم لتبث بعد ذلك على الشبكة التونسية الارضية الى حدود الاقاليم الوسطى للبلاد التونسية ، و بعد القرار الرئاسي الاخير بإطلاق مبادرة تلفزية فضائية عمومية ثانية و هي قناة 21 الفضائية ينطلق بثّها بداية من نوفمبر المقبل ، فإن الاطار القانوني التحرري و الواقع الإعلامي التعددي يشرّعان لإطلاق مبادرة اعلامية مشابهة و بالمبررات التي سقناها و بالمصوغات التي تتزايد احراجاتها و لا سيما بعد ان ظلّ قطاعا عريضا من الجمهور الاعلامي في تونس محروما و من دون مصوغات لخدمات اعلامية لوسائل سمعية و بصرية ذات طابع جماهيري، و اخصّ بالذكر جمهور الجنوب التونسي انطلاقا من حدود صفاقس و الذي لا يلتقط البث الأرضي لقناة حنبعل الخاصة ، كما ان نوعية التقاط قناة 21 يشوبه تشويش شبه مزمن، فيما يبدو الحرمان شبه كلي من خدمات إذاعتي موزييك و جوهرة FM الخاصتين و حتى تبرير ان هذه المحطات خاصة فان الحرمان من مضامين الإذاعة الثقافية يعد حيفا إعلاميا قد لا يبرره البث عبر شبكة الانترانت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.