دعا رئيس الجمهورية المؤقت محمد منصف المرزوقي التونسيين إلى هدنة سياسية واجتماعية لمدة ستة أشهر من أجل الخروج بتونس من الوضع الصعب الذي تعيشه مؤكدا أن الوطن يستصرخ اليوم الجميع لتحقيق هذه الهدنة التي قال إنها //مدة نعطيها لتونس// حتى تنطلق نحو أفق جديد. وأكد رئيس الجمهورية في حديث مباشر أدلى به مساء يوم الاربعاء للقناة التلفزية "الوطنية 1" أن هذه الهدنة السياسية والاجتماعية تعد السبيل لرجوع الاستقرار وعودة دواليب الاقتصاد الوطني إلى حركيتها الطبيعية مؤكدا أنه //يربأ بالتونسيين أن يكونوا ممن يخربون بلدهم بأيديهم// لأن الاضطرابات والاحتجاجات في مثل هذه المرحلة الصعبة تعد بمثابة //انتحار جماعي//. وقال إن الضرورة تملي اليوم الكف عن الاحتجاجات وإنه هنالك برنامج إجراءات عاجلة وسريعة ستعلن عنها الحكومة قريبا لمعالجة الأوضاع الصعبة لعديد الفئات والجهات مثلما سيتم معالجة ملف الشهداء والجرحى الذي يحظى بالأولوية. وحول الانتقادات التي أثارتها بعض الأطراف السياسية بشأن محدودية الصلاحيات المسندة لرئيس الجمهورية قال المرزوقي إن الوقت حان كي يقطع الجميع مع عقلية الديكتاتورية التي يملك فيها الرئيس كل السلطات لأن البلاد دخلت في مرحلة جديدة من الديمقراطية. من جهة أخرى أكد المرزوقي أن البلاد لا تعيش راهنا مرحلة انتقالية وإنما مرحلة تأسيسية أولى موضحا بشأن فترة عمل المجلس التأسيسي وما أثارته من جدل، أنه سيتم العمل على أن تكون هذه الفترة أقصر ما يمكن وفي حدود العام ونصف العام. وقال //إن معركة المدة هي معركة مفتعلة وإنه هنالك تعهد سياسي وأخلاقي أولا وأساسا بحل مشاكل المواطن التونسي//. على صعيد آخر أوضح المرزوقي أنه هناك ثلاثة ملفات كبرى وعاجلة أولها الملف السياسي الذي قال إنه حسم مع إجراء انتخابات المجلس التأسيسي وانتخاب رئيس المجلس ورئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة في الأيام القادمة بما مكن البلاد من حكومة شرعية للبدء في العمل من أجل المستقبل. أما الملفان الآخران فهما ملفا الأمن والوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي اعتبر أنه يمثل الملف الأخطر والأهم مبينا أنه يتوجب الوعي بأن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وفي طليعتها قضية البطالة ليس بمتاح دون توفير عنصر الأمن ومعالجة الملف السياسي. وبعد أن أكد أن حماية حرية الرأي والتعبير والإعلام قضية محورية، دعا إلى إحداث هيكل مستقل مهمته تنظيم قطاع الإعلام حتى يؤدي هذا القطاع وظيفته على الوجه المطلوب. وأوضح المرزوقي في هذا الحديث التلفزي أن عدم اتيانه على ذكر المؤسسة الأمنية في كلمته لدى آدائه اليمين الدستورية كان من باب السهو ليس إلا قائلا إن المؤسسة الأمنية في عهد المخلوع //ظلمت وظلمت// وكانت أكبر متضرر إذ استعملت للقمع والظلم وتغطية الفساد مما جعلها تقف على طرف نقيض من الشعب. وأكد أن المؤسسة الأمنية ستكون أكبر رابح من بناء الديمقراطية في تونس. ودعا منتسبي السلك الأمني إلى عدم التضامن الآلي مع أقلية قليلة /فاسدة/ أساءت للسلك موضحا أن جزءا من هذه الأقلية يجب أن يحاكم ويتعين على الجزء الآخر أن يكشف الحقائق ويطلب الصفح من الشعب وهو من معاني تجسيد العدالة الانتقالية والطريق لبناء علاقة جديدة مع الشعب قوامها الاحترام المتبادل. وفي تناوله لصعوبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي أكد المرزوقي وعيه بحجم المعاناة والمآسي التي تشمل عديد الفئات والجهات وأن الواجب يقتضي من الحكومة ومن جميع القوى مضافرة جهودها لمواجهة التحديات القائمة ومنها ارتفاع عدد السكان تحت عتبة الفقر وتفاقم البطالة. كما شدد على أن معالجة الاختلال بين الجهات يمثل أولوية مطلقة لأن الثورة انطلقت من تلك الجهات وبتضحيات أبنائها. من جهة أخرى وبشأن الفساد الذي أضر بصورة تونس في الخارج أوضح المرزوقي إن وزارة الشؤون الخارجية في العهد البائد كانت بمثابة "وزارة الداخلية في الخارج" موضحا أنه في إطار الصلاحيات الموكولة إليه سيعمل على معالجة ملف الفساد في التمثيليات التونسية بالخارج. وأعلن أن التسميات التي أعلنت خلال الفترة الأخيرة في السفارات والقنصليات أمر //غير مقبول// وأنه سيتم مراجعة هذه التسميات. وقال إنه مع صعوبة الوضع، وبمنآى عن منطق التسويف والوعود فإن تونس بقدر ما تعاني من أوضاع صعبة فإنه لديها الإمكانيات والفرص لتجاوز هذه الوضعية وأن الأمل قائم في أوضاع أفضل ذلك أن تونس ينظر إليها الآن كبلد نموذجي في الانتقال الديمقراطي وهناك عدة بلدان شقيقة وعديد الأطراف الدولية مستعدة لتقديم الدعم والسند لها.