نبيل بنور (ناقد سينمائي فرنسا) بمجرد الإعلان عن فوز عبد اللطيف كشيش بالسعفة الذهبية لمهرجان كان بفيلم «حياة آدال» انطلقت الجموع الغفيرة في التعليق والتقييم، ولئن كانت عبارات التهنئة عادية ومطلوبة من باب اللياقة على الأقل فإن ما لفت نظري هو ما دوّنه البعض ممن يعدّون من قادة الرأي ونخبة المجتمع من صحافيين ونقاد سينمائيين ورجال سياسة على صفحاتهم الفايسبوكية دون أن يكون أي منهم قد شاهد الفيلم الذي لن يكون متاحا للجمهور في فرنسا إلا بداية من 9 أكتوبر القادم. أحد النقاد الذين إكتسبوا شرعيتهم النقدية من أيام الأبيض والأسود إنتبه إلى جزئية لم يسبقه إليها أحد من جهابذة هذا الزمان إذ لفت نظره أن المخرج الذي نوه به عبد اللطيف كشيش الفرنسي «كلود باري» يهودي الديانة، وأن رئيس لجنة التحكيم ستيفن سبيلبرغ يهودي أيضا وأن الممثلة ليا سايدو من عائلة يهودية قال إنها شهيرة جدا في فرنسا... سألت نفسي كيف كذب علينا هذا الناقد طيلة سنين وهو يوهمنا بأنه فارس لا يشق له غبار في تحليل حركة الكاميرا وأبعادها الجمالية، هل لأن المخرج عربي الأصل فرنسي الجنسية لا بد أن يكون قد باع ضميره أو أن تتويجه جاء في إطار مؤامرة أو تواطئ صهيوني لخدمة أغراض إستعمارية هدفها زعزعة أمننا وإستقرارنا؟ ثم أين هو أمننا وقد كادت بنزرت تحترق لأن أعوان الأمن طبقوا القانون بإزالة أكشاك فوضوية في قلب المدينة؟... هل يحتاج العرب أصلا لمن يتآمر عليهم؟ فقد بينت التجربة أنهم يقومون بهدم ما يبنون أو ما يبنيه أسلافهم أو يبنيه الآخرون لهم... أنظروا ماذا يحدث في مصر وسوريا وليبيا... وصدق الشاعر حين قال: ما دخل اليهود من حدودنا بل تسربوا كالنمل من عيوبنا ناقد آخر نعدّه من كبار القوم في تونس صنع إسمه في الصحافة المكتوبة وفي التلفزيون الرسمي مبجلا مكرما طيلة سنوات بيافطة الفن السابع الذي هو أحد خبرائه كما كنا نظن على حسن نيّة، لم يجد صاحبنا ما به يعلّق على فيلم لم يشاهده سوى أن يذكرنا بحادثة قال إن «فرنسوا تروفو» رواها له ومفادها ان السيد «تروفو» فاز بالجائزة الكبرى لمهرجان السينما الفرنكفونية ببيروت بفيلم «الليلة الأمريكية» ونودي لتسلم الجائزة مع عزف النشيد الوطني الفرنسي فلم يغادر المخرج مقعده وحين نودي ثانية رد دون أن يتحرك من مكانه «أنا من أخرج الفيلم وليس الجنرال ديغول». وختم ناقدنا الذي إشتعل رأسه شيبا ملحته قائلا «أترك لكم المجال لإستخلاص النتائج». ما هي الرسالة من هكذا إستشهاد من ناقد له مكانته المفترضة بين قلة تقرأ النقد السينمائي؟ ما جدوى التشكيك في نظافة الجائزة التي فاز بها عبد اللطيف كشيش؟ بأي حق يقال هذا وغيره كثير عن فيلم لم يشاهده أحد من بين التونسيين عدا بضعة أنفار واكبوا مهرجان كان السينمائي كنت واحدا منهم؟ السيد سليم الرياحي الذي يجمع بين صفة رجل الأعمال واسع الثراء ورئيس أحد أكبر الأندية التونسية (الإفريقي) الذي لا يعرف عنه انه من أحباء السينما او من رواد المسرح او من اصدقاء الكتاب، كتب على صفحته بعد ان إستفزته والكلام له تهنئة بعض السياسيين للمخرج واضاف سي سليم الرياحي بطبيعة الحال لأن لكل زمن تونسي سليمه- «إن هذا الفيلم لا يشرف تونس» ويختم حديثه قائلا «من يعتبر فوز الفيلم مكسبا يستحق التهنئة عليه ان يقبل مشاهدته في منزله مع عائلته وأطفاله». وكما ترون فإن سي سليم يتعمد مغالطة جمهور حائطه الفايسبوكي بحثا عن البركة ، لأن السينما غير التلفزيون، وليس شرطا أن يشاهد الأب الفيلم ذاته مع إبنته أو إبنه، ولذلك توجد أصناف من الأفلام متنوعة ومختلفة، ولذات السبب فإن هامش الحرية في السينما اكبر في كل بقاع الدنيا وهو هامش منظم فبعض الأفلام تمنع على من هم دون سن معينة(18 16 12 10) سواء عرضت في قاعات العرض التجارية أو في التلفزيون، فما هي مصلحة سي سليم حين يزايد على زملائه من الطبقة السياسية الذين هنؤوا عبد اللطيف كشيش بالتتويج؟ هل أراد مغازلة تيار أخلاقوي يدافع في الظاهر عن الفضيلة والطهر ويبارك الزواج بالكلمة تحت شعار الله شاهد علينا؟ ثم هل يمكن الجزم بأن المجتمع التونسي مجتمع محافظ ؟ علينا أن نتريث قبل التورط في أية إجابة حاسمة فخمسة مواقع إباحية تصنف ضمن المائة موقع الأولى من حيث عدد الزيارات في تونس، ويحتل أول موقع إباحي المرتبة 47 ضمن المائة... أترك لكم حرية التعليق والاستنتاج. لنعد إلى فيلم عبد اللطيف كشيش إذن، وعبد اللطيف، لقصيري الذاكرة غادر تونس في السادسة من عمره، نشأ في فرنسا، وفي مدارسها تعلم وبأموالها أنتج أفلامه بعد أن جرب حظه مع وطنه الأصلي بمشروعه الأول غلطة فولتير الذي ضاع في ما يبدو بين كراتين وزارة الثقافة قبل سنوات... الذين شاهدوا فيلم «حياة آدال» وقبله كل أفلام كشيش السابقة لم يذكروا المخرج التونسي المولد بكلمة خير حتى الذين اختلفوا مع عبد اللطيف ومن بينهم Jean Francois Le petit منتج فيلم غلطة فولتير الذي صرح لجريدة «لوموند» «أحب كثيرا شغل عبد اللطيف ولكني افضل الف مرة ان ادفع ثمن تذكرتي لمشاهدة افلامه على ان يكون لي دخل فيها، فانا اعمل في الإنتاج منذ ثلاثين عاما ولم اعش تجربة بالمرارة التي عرفتها مع عبد اللطيف، إنه رواية في حد ذاته، إنه مدير ممتاز للممثلين وينجح في عقد تواطئ جميل معهم ويصنع فيلمه بأسلوب اللقطة المشهد بشكل رائع ولكن النتيجة اننا وجدنا انفسنا امام فيلم بثلاث ساعات ، وحين عرضت عليه ان يختصر الفيلم رد عليّ «أنت منغمس في ثقافة الأفلام الأمريكية» أما السينمائي كلود لولوش صاحب السعفة الذهبية سنة 1966 بفيلم «رجل وإمرأة» وله في رصيده أكثر من اربعين فيلما فصرح لجريدة «لوفيغارو» الفرنسية قبل اختتام مهرجان كان «لو كنت رئيسا للجنة التحكيم لأسلمت نفسي لهذا النوع من السينما، إن «حياة آديل» فيلم المستقبل، فيلم يحرر الممثلين والسيناريو والكاميرا، إنه فيلم تنبعث منه عطور سينما المستقبل». أية ذبابة إذن عكرت صفو دعاة منع عرض الفيلم في تونس بشكل إستباقي؟ فلا أحد منهم شاهده؟ كيف حكموا عليه؟ هل كان موقفهم من قبيل هذا على الحساب قبل أن نقرأ الكتاب كما حدث للمفكر الإصلاحي الطاهر الحداد صاحب كتاب إمرأتنا في الشريعة والمجتمع مع الشيخ الزيتوني محمد الصالح بن مراد مؤلف كتاب «الحداد على امرأة الحداد»؟ ما ضر لو إنتظر الجماعة من نقاد وسياسيين ومنشطين غائبين عن الوعي يعدون برامجهم إستنادا إلى أول صفحة يدلهم عليها غوغل فيخبطون خبط عشواء لا حسيب ولا رقيب... ما ضر لو إنتظروا جميعا عرض الفيلم ليحكموا عليه؟ ثم ما الذي يحول دون عرض الفيلم في تونس مع التنصيص على أنه ممنوع على من هم دون الثامنة عشرة؟ هل مازال التونسيون قصّرا ينتظرون أبا يأخذ بأيديهم ويرشدهم إلى الصراط المستقيم... أنا شاهدت الفيلم ولا يمكن أن أخوض في مضامينه إلا مع من شاهده وإلا سيكون النقاش عقيما، أكتفي بالقول مبدئيا: إرفعوا أياديكم عن التونسيين، فهم أدرى بما ينفعهم...