عاجل/ ليبيا: اشتباكات عنيفة في الزاوية.. وهذه حصيلة الضحايا    ذهاب نهائي ابطال افريقيا.. التشكيلة الاساسية للترجي والاهلي    منوبة: الاحتفاظ بصاحب كشك ومزوّده من أجل بيع حلوى تسبّبت في تسمم 11 تلميذا    قريبا: اقتناء 18 عربة قطار جديدة لشبكة تونس البحرية    مديرو بنوك تونسية يعربون عن استعدادهم للمساهمة في تمويل المبادرات التعليمية في تونس    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس تدعو إلى عقد مجلس وطني للمنظمة خلال سبتمبر القادم    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    قابس: نقل 15 من تلاميذ المدرسة الاعدادية ابن رشد بغنوش بعد شعورهم بالاختناق والإغماء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    عاجل/ القصرين: توقف الدروس بهذا المعهد بعد طعن موظّف بسكّين امام المؤسسة    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور "المنصف بن عبد الجليل" (عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة ) ل"التونسية": القرآن بين دفّتي كتاب لا ينطق بل ينطق به الرجال...
نشر في التونسية يوم 10 - 04 - 2012

* *الإسلاميون كيان واحد، لا فرق بين النهضة والتحرير والسلفيين...
*"البشير بن حسن" أحد شيوخ السلفية عندنا كان دهّانا في فرنسا ...
شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة في 5 اكتوبر 2011 أولى "غزوات" السلفيين للجامعة التونسية ، وتكرر المشهد الأسود يوم 8 أكتوبر بالاعتداء على كاتب عام الكلية الأستاذ محمد الناجي مطير من طرف مجموعة منفلتة من عقالها تحلم بأن تحوّل الجامعة إلى جامع.
وعلى الرغم من موقف وزارة التعليم العالي الرخو، فإن كلية الآداب بسوسة لم تسقط في فخ "الفاتحين" الجدد الذين أكدوا شهرتهم في رحاب كلية منوبة .
التونسية زارت كلية الآداب بسوسة وحاورت عميدها الدكتور المنصف بن عبد الجليل، وهو بالمناسبة أستاذي درست عليه في ذات الكلية سنة 1994 مسألة الكفر والإٌيمان وكان وراء دعوة المفكر المصري المثير للجدل نصر حامد أبو زيد لمحاورته، والدكتور بن عبد الجليل أصيل مدينة مساكن، تخرّج في دار المعلّمين العليا بسوسة، درّس لسنوات في الكويت ثم عاد إلى تونس ليحصل على شهادة التبريز ثم درّس بدار المعلمين العليا .
واصل دراساته العليا في الأنثروبولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية وتخصص في الإسلاميات وأنجز بحثه عن الفرق الهامشية في شهادة الدكتوراه بإشراف الأستاذ عبد المجيد الشرفي .
عمل المنصف بن عبد الجليل مستشارا للوزيرين الراحلين محمد الشرفي ثم للدالي الجازي ، كما عمل مستشارا لمؤسسة آغاخان ببريطانيا .
في ما يلي تفاصيل لقائنا مع الدكتور المنصف بن عبد الجليل ...
*ما تعليقك على استبشار عدة أطراف في المشهد السياسي بقرار الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التمسّك بالفصل الأول من دستور 1959؟
هذا الاستبشار مؤسس على مسلّمة مفادها أن لحزب النهضة تصورا آخر واستئثارا بما يسمّى الهوية الإسلامية، والسيد راشد الغنوشي المعتبر اليوم مفكرا بين أتباعه وكأنه السلطة المعرفية التي تقرر ما يؤخذ وما لا يؤخذ والحال أن من بديهيات الأمور أن يعتبر الفصل الأول من الثوابت لأنه دخل في الضمير التونسي، وتقديري الخاص أن كل ما حدث من جدل ونقاش حول هذا الموضوع مضيعة للوقت
*هل كان مقصود ا ام عفويا؟
كان مقصودا لمحاولة بلبلة الوضع وإدخالنا في جزئيات، والمجتمع التونسي الذي قام بالثورة كان ينتظر من الحزب الذي منحه ثقته في الانتخابات لأسباب تاريخية أن يهتم بما هو أساسي لا بالجزئيات، فالثورة لم تقم بسبب ديني ولا لإثارة نعرات محسومة ، والمؤسف أننا أصبحنا- بما في ذلك فئة من النخب- نفتح أبوابا مشرّعة ونفوت على أنفسنا الاهتمام بما هو أساسي .
• مقابل حضور عدد من طلبتك في الفضاء العمومي (نائلة السليني على سبيل المثال) وأساتذتك(عبد المجيد الشرفي) تبدو وكأنك اكتفيت بجبّة العمادة وكأنك تنأى بنفسك عن مطبّات السياسة؟
"موش صحيح" لأنه كلما أثارتني مسألة إلا وناقشت فيها وأدليت بدلوي وأذكرك بما طرأ على الجامعة التونسية، لم أنزو في جبة العمادة لأنني لا أعتبر نفسي إلى اليوم عميدا إداريا ، أنا عميد انتخبت انتخابا شرعيا ، أمارس العمادة برؤية جماعية من صلب اهتماماتي الأكاديمية أنسق بين الأكاديميين وأقترح تصورات لتطوير الجامعة التونسية والعلوم الإنسانية بها بوجه خاص مع ثلة من زملائي. أما عن ظهور عبد المجيد الشرفي الإعلامي فهو قليل ليس كالظهور البراق وعندما يدعى في مرات قليلة كان لزاما أن يقول رأيه لكنه لم يكن منساقا لتوظيف الأكاديمي في السياسة، وربما كان غيره يبحث عن الظهور.
*هل غيره هو من ذكرت في سؤالي؟
ربّما، شخصيتي لا تبحث عن هذا الظهور، أنا- كما تعلم وكما يعلم غيرك - من الذين يبحثون عن التأسيس وعن المساهمة مع غيره في تكوين نمط تفكير حداثي ولا يكون ذلك إلا من الجانب الأكاديمي لأنه هو يمثل التأثير الحقيقي في تكوين الناشئة .
*حرمتك السياسة من خدمات نائبك عدنان منصر(الناطق بإسم رئاسة الجمهورية) فهل ترك رحيله عن الكلية فراغا؟
ترك غيابه فراغا إداريا وهذا الفراغ سدّ بمؤرخ ذكي وشاب وكفء قادر على ملء الخطة بإبداع هو الأستاذ كمال جفال .
*ارتفعت عدة أصوات – ومازالت- تطالب بإدراج الشريعة مصدرا للتشريع في الدستور الجديد فكيف يفهم هؤلاء الشريعة؟ وما هو رأيك في هذا الفهم؟
عند الرجوع إلى التعريفات لا يقف الإنسان – تقريبا - إلا على معنيين وهميين لمفهوم الشريعة، المعنى الأول هو النهج العام والطريق العام الذي يفهم من النصوص التأسيسية
*(مقاطعا) هذا كلام خطير فأنت تجرد الشريعة من كل شحنة إيمانية؟
طبعا، هذا الذي حدث وهذا الذي حمله الضمير الإسلامي وحملته التجربة الإسلامية، أنا مؤرخ لا يمكنني أن أفترض افتراضات على أساس بعد إيماني، أنا أتابع الظاهرة وأتابع الفهم والتطبيقات وأتابع خاصة تجارب المسلمين الذين كانوا صادقين فيها
*ماهو المعنى الثاني للشريعة؟
هو زيغ عن المعنى الأول، وهو ترجمة هذه الرؤى إلى ضوابط فقهية واجتهادات وتطبيقات وقياسات وكل ذلك يسمى بالتراث الفقهي وقد وجد ضمن أكثر من مدرسة أقلها أربع سنية ومدرسة شيعية ومدرسة إباضية ومدرسة آغاخانية تدعي أنها جزء من المدرسة الجعفرية دون أن ننسى المدارس التي اندثرت ومنها مدرسة سفيان الثوري ومدرسة الطبري وربما الحاصل من كل ذلك أن هذه المدارس الناشئة والآفلة والمستمرة هي مدارس بشرية اجتهادية لا تقوم إلا بمن يحملها ولا تستمر إلا بمن يدافع عنها ، فهي إذن مسألة عمرانية ولا يوجد شيء اسمه وحي داخلها
*سي المنصف أنت تذهب بعيدا بكلامك ، ببساطة الشريعة هي القرآن والسنة وإجماع علماء الأمة والقياس وهذه مصادر لا يتناطح عليها عنزان؟
لو كان الأمر بهذه البساطة التي تضمنها سؤالك فلماذا ظهرت كل المذاهب التي أشرت إليها سابقا ولماذا إختلف الناس اختلافهم من أندونيسيا إلى موريتانيا ؟ أجبني؟ كل المسائل مستنبتة داخل أوضاع ثقافية وأطر فكرية واتجاهات تأويلية وهو ما عبرت عنه التجارب المختلفة للمسلمين منذ أربعة عشر قرنا إلى اليوم من أقصى اليمين – بالتسميات المعاصرة – إلى أقصى اليسار ، وتعلم أن بعض الفرق الإسلامية وبعض الذين يقولون إنهم مسلمون وعلينا أن نقبل منهم ذلك يرون أن كل النص القرآني يجب أن يتأول على وجوه كثيرة ويوجد أكثر من خبر منسوب إلى علماء الأمة أن القرآن خط مسطور بين دفتي كتاب لا ينطق بل ينطق به الرجال أي بمعنى يقرؤه الرجال تفسيرا وتأويلا في ضوء الحاجيات العمرانية لكل جيل
*إشتغلت على الفرق الهامشية في الإسلام فهل تعتبر هؤلاء الذين ظهروا بعد 14 جانفي رافعين الأعلام السوداء على أنها رايات التوحيد فرقة هامشية معاصرة؟
أنا لم أفاجأ بهم ولا أعتبرهم طارئين على البلاد .
*ما معنى أنك لم تفاجأ بظهور السلفيين ومن جاورهم بعد 14 جانفي؟
كانوا في طور الاستتار والتخفي والكمون لا في طور التقيّة وهو الفرق بينهم وبين التشيع لأن الاستبداد السياسي لبن علي لم يكن يسمح لهؤلاء بل لم يكن يسمح للشبان بالصلاة علنا في المساجد وكانوا يصلون في بيوتهم .
هذه الظاهرة لم تفاجئني، ربما تشكّلاتها الرمزية قد تكون فاجأت البعض مثل حمل الراية السوداء وغيرها، هذه المبالغة رد دقيق على الاستبداد الذي سلّط على هذه الجماعة
*ولكن استبداد بن علي زال؟
مازالت للاستبداد توابع ولذلك مازالت الردود مثل الردود العنيفة التي تهدأ بعد شيء من الزمن بعد أن تكون السنن أخذت دورتها في الحراك الإجتماعي لست متنبئا ولكني اعتقد أن الضمير الأخلاقي في المجتمع التونسي لا يمكن أن يقبل هذه الظواهر الرمزية التي تنأى عن الحدود التي عليها إجماع الناس
*هل كل الإسلاميين جسد واحد؟
نعم، كلهم كيان واحد نهضة وتحريرا وسلفية، كلهم عندي شيء واحد إنما هو تقاسم للأدوار عن إدراك مسبق وتخطيط مسبق وعن ضبط دقيق.
*هذا اتهام صريح للنهضة بازدواجية الخطاب؟
وهل هذا جديد؟ النهضة مزدوجة الخطاب، هذا معروف للجميع
*الحركة راجعت مقولاتها منذ سنة 1995 واستقر ضميرها على تبني مشروع دولة مدنية تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
لم نجد مواقف دقيقة لحركة النهضة تتميز بها عن الجناح المبالغ في الرؤية الدينية وممارستها، كما أن المساجد مازالت توظف التوظيف الأسوأ من طرف النهضة ومازال البعض يقولون في التلفزيون والإذاعة بأنهم سيفتحون البلاد التونسية وبأن بشرى بلحاج حميدة كافرة يمكنها التوبة والنهضة لا تقول شيئا
*حتى أنت اعتبرك أحد كبار النهضة أيام المهجر البريطاني كافرا؟
فليكفّر من يكفّر، المهم أنني عندما أتحدث، أتحدث مؤرخا وباحثا وناقدا ومحللا، أما التبعات السياسية فيفهمها السائس. سألتني عن ظاهرة نزّلتها في إطارها ، تحدثت عن قياسها التاريخي وأعطيتك ما أرى بحكم هذا القياس
*هل التيار الديني المتشدد فرقة هامشية؟
هي فرقة غالية (أي متشددة)
*هل ستندثر بحكم غلوّها؟
أعتقد أنها ستندثر
*مادامت كذلك فلماذا إنتخب التونسيون النهضة انتخابا حرا مباشرا؟
آه(مفكّرا) يمكن للتونسيين أن ينتخبوا كل من كان مناهضا لما سبق.
*نجيب الشابي كان مناهضا لما سبق ولم يفز حزبه؟
لا، نجيب الشابي لم يكن معوّلا على الظاهرة الدينية في التجييش الإجتماعي والسياسي لحزبه أثناء الحملة الانتخابية والتونسيون قد تم تجييشهم بالعاطفة الدينية والهوية
*إلى هذه الدرجة التوانسة شعب متدين؟
يمكن للتونسي أن يكون على قدر كبير من الانفتاح ولكن حين تعود إلى قاع الضمير تجده متدينا، لا بمعنى أنه يواظب على الصلاة وأداء الزكاة بل بمعنى الانتساب الروحي إلى الديانة لذلك لا يمكن لأي أحد أن يزايد في مسألة الهوية هذه الهوية تمثل الجينات الأساسية الفكرية للمجتمع التونسي من الشمال إلى الجنوب
*هل هو عادي أن تنجب مدينة مساكن المنصف بن عبد الجليل الباحث في الإسلاميات والبشير بن حسن أحد شيوخ السلفية (الذي تجمع صفحته على الفايسبوك أكثر من ثمانين ألف عضو )؟
مدينة مساكن كالبلاد التونسية يمكن أن تنجب هذا وذاك ، سي البشير بن حسن مع احترامي له ، امتهن في الأصل مهنة الطلاء والدهن واشتغل في فرنسا دهّانا ثم تم تكوينه كما تم تكوين الكثيرين ...
*من كوّنه؟
الجماعات هناك ، وأفهم لماذا إنتخب التونسيون في مساكن بنسبة فاقت الخمسين بالمائة لأنه لا توجد عائلة واحدة في مساكن لم يطلها تهجير أحد أفرادها أو سجنه من طرف النظام السابق
*بمن فيها عائلتك؟
نعم ، بمن فيها عائلتي
*كيف ذلك؟
عندي أخوان احدهما منتسب للنهضة
*هل صوّتت للنهضة؟
هو صوّت للنهضة
*أنا أسأل عنك؟
أنا لا يمكن أن أصوت للنهضة لا في تقديري الفكري و لا في اهتمامي
* يقال إنك لم تكن بعيدا عن التيار الإسلامي سنوات الشباب؟
يقال ...ولكن الإنسان بكتاباته وبدروسه وبمواقفه لا بما يقال عنه، أنا إسلامي من باب الذي يدرس الظاهرة الإسلامية، أنا مهتم بعلم الإسلاميات أما اعتقادي فلا يهم أحدا
*إشتغلت سنوات طويلة مع محمد الشرفي وورثك عنه الدالي الجازي وساهمت في نظر البعض في ضرب الثقافة الإسلامية في تونس؟
هذه تهمة كغيرها، ومن المؤسف أن من يتقوّل ذلك وكتب على الانترنات وقيل ما قيل من أني استخدمت لتجفيف المنابع، ما إقوله أني كنت موافقا على خطة مستشار للأستاذ محمد الشرفي مكلفا بإصلاح الدراسات الإسلامية في البلاد التونسية.
*هل صلح حالها؟
البرنامج وقع تنفيذه
*أساتذة الزيتونة اعترضوا عليه؟
لابد من توضيح بعض الأمور، لا بد من التمييز بين المرحلة الثانوية والابتدائية من ناحية والمرحلة الجامعية من ناحية أخرى ، بالنسبة إلى المرحلة الأولى لا يمكن لأي مستشار في ديوان وزير أن يعمل بمفرده أو ضد النخب والأساتذة والجهاز البيداغوجي الذي يعمل مترجما لهذا المشروع والشرفي ليس مختصا في الإسلاميات ولا في الدراسات الدينية .
*ولذلك كنت أنت الفاتق الناطق؟
لا لم أكن الفاتق الناطق، والمختص كان شخصي والمجموعة التي كانت مهتمة بذات الموضوع فمستشار الوزير يمكن أن يضع مشروعا وفق الإصلاح التربوي الذي أرادته الدولة يؤسس لفلسفة الحداثة ويأخذ منها ولهذا السبب كل ما وضع من رؤية داخل التربية الإسلامية كان يرمي إلى غايتين الأولى توعية الناشئة توعية دقيقة وعميقة بأن كل ما يتعلق بالدراسات الإسلامية متمحّض لأن يكون قيما أخلاقية فنحن لا نؤسس التأسيس العقدي الذي يفرق الناس وإنما نجعل من الدراسات العقدية قيما أخلاقية تنبني عليها حضارة المسلمين والرؤى المتنوعة التي نجدها في تاريخهم، وهي غاية واضحة في كل الكتب التي وضعناها .
أما الغاية الثانية فمحاولة توعية الناشئة بالفكر النقدي بحيث تدرس الظاهرة الإسلامية في مساقها التاريخي
*الظاهرة الدينية لا تحتاج إلى فكر نقدي، نحن مؤمنون بالوراثة(إيمان العجائز)؟
توجد ظواهر كثيرة تدرس في سياقاتها من قبيل لماذا إختلف المسلمون في عقائدهم؟ ما الفرق بين النهضة وحزب التحرير؟ لماذا يكفّر حزب التحرير غيره ويعتبر سائر المسلمين غير مقبولين داخل حضيرة ما يعتقد أنه الإسلام الحق والإسلام الصحيح ؟ أليس لأن هذا التوحيد الذي ننشده كلنا إنما هو توحيد بكيفية في مقالة البعض وتوحيد بكيفية أخرى في مقالات البعض الآخر؟
إذن لا يجب أن نبقى في دائرة الإجمال بحيث لا ندخل إلى التفاصيل بما أن الأمر كله مؤسس على التأويل ومؤسس على فهم هذه الأصول العامة فهما تاريخيا ونقديا فلا بد من تأسيس هذا المنهج عند الناشئة حتى تفهم أن هذه الظاهرة لا يمكن أن تكون خارج التاريخ ولا مطلقة وإنما كانت داخل محاضنها ومسبباتها بحيث تتشكل حقائق لا حقيقة واحدة
*بعض أساتذة الزيتونة اعترضوا على ما تسميه أنت إصلاحا ويرونه تجفيفا للمنابع بمعاول من أتيت بهم من خارج جامعة الزيتونة؟
لا يفاجئني هذا الكلام فقد سمعته أكثر من مرّة، ولكن يعرف الكثير من الزيتونيين أني لم أعمل مفردا وأني اخترت من استأنست فيه الكفاءة العلمية لا الولاء ولا أظن أن الزيتونيين اليوم يذهبون ضد بعض الشيوخ الذين كانوا أعضاء في اللجنة القطاعية المكلفة بالنظر في برامج التربية الإسلامية
*من مثلا؟
الشيخ محي الدين قادي (عضو المجلس الإسلامي الأعلى وعضو مجمع الفقه الإسلامي) كان معنا فهل هو صديقي؟ وهل هو منتسب لكلية الآداب؟ وهل هو غير متخصص ؟ والمرحوم التهامي نقرة ألم يكن شيخ الزيتونة؟ ألم يكن رئيس المجلس الإسلامي الأعلى؟ هل كان من اليسير إقناعه بما نقدمه إن لم يكن فيه شيء مما يقبله الإسلام الوسطي؟
أعتقد أن ما يقال الآن من باب المهاترات والمزايدات لا قراءة تاريخية أو حضارية توضع في إطارها على المحكّ ، أنا أتعجّب من البعض الذين لا يخجلون من أنفسهم مثل بعض الناس من أبناء مدينتك (يقصد مدينة الوردانين) شاركوا في الإصلاح مشاركة فعّالة وباتوا اليوم يشتمونه ويلعنونه...
*(مقاطعا) هل تعني الدكتور محمد الشتيوي مدير المعهد العالي لأصول الدين؟
نعم ، قرّبته...
*(مقاطعا) بحكم الكفاءة لا الولاء؟
نعم، ومازلت أعتقد أن محمد الشتيوي من الكفاءات النادرة التي أنتجتها الزيتونة المعاصرة كما أعتقد أن حميدة النيفر من أهم الشخصيات الزيتونية اليوم
*هل إنقلب عليك محمّد الشتيوي؟
ليست لي الحجة، ولكني أعرف أنه وراء الكثير مما يقال اليوم سلبا عن مشروع الإصلاح الذي شارك فيه بشكل فعال فقد ألف الكتاب الأول والكتاب الثاني وكان مكلفا بالتوجيه (مرشد بيداغوجي لأساتذة التفكير الإسلامي) ومع الأسف يصوّر نفسه اليوم على أنه كان في حلّ من كلّ هذا ...وهذا السلوك ضرب من الانتهازية أما أنا فلن أغير موقفي مادمت مؤمنا .
*هل تشعر بأنك أخطأت بالعمل في منظومة بن علي؟
أنا لم أكن مقرّبا من بن علي حتى أنه لم يستقبلني مرّة واحدة ولم يثن عليّ مرة واحدة ولم يذكرني لا في اليقظة ولا في المنام ، حتى في الاحتفال بمرور 13 قرنا على تأسيس الزيتونة كنت الوحيد المبعد رغم أني كنت المنظم الحقيقي لكل التظاهرات التي انتظمت وقتها.
*من كان الوزير آنذاك؟
الأستاذ الدالي الجازي رحمه الله
*لماذا تم استثناؤك؟
لأنه كان من الأصلح وقتها تبجيل غيري ممن هم على أبواب "الإستوزار" وهم أقرب إلى بن علي وقتها
*من تقصد؟
جلول الجريبي (عيّن لاحقا وزيرا للشؤون الدينية وكان عينا رقيبا على كثير من أساتذة الزيتونة من بينهم الأستاذ أحمد المشرقي الذي توفي بعد أزمة قلبية مفاجئة وهو يستعد لمناقشة الدكتوراه)
*ألم تكن أنت على مشارف الإستوزار؟
لم أفكر في ذلك البتّة ولم يخامرني ظن أنني سأكون وزيرا أبدا.
*والآن؟
أنا أكاديمي وخياري محسوم
*نائبك أكاديمي وهو الآن ناطق بإسم رئاسة الجمهورية والتهامي العبدولي أستاذ بكليتك وهو الآن كاتب دولة للخارجية ؟
وهذا هو الفرق بين مختلف الأكاديميين، ربما ليست لي الكفاءة السياسية التي يمتلكها غيري
• كتب أحد الصحفيين ضد النظام السوري مستشهدا بما ورد في كتابك عن الفرق الهامشية في الإسلام "لقد توقعنا أفول العلويين لشدة جرأتهم على الإنسان قيمة" فهل سينتهي نظام الأسد؟
نعم
*بكل هذه البساطة؟
لقد خصصت ما يزيد عن العشر سنوات لدراسة النصيرية (التي هي الطائفة العلوية في سوريا) والبهائية والبابية، وما قلته في العلويين وفي استبدادهم رأيته بأم عيني وأنا من الذين إهتموا بتاريخ العقائد الإسلامية في القرون الأربعة الأولى ولكني سعيت إلى الفهم المعاصر فسافرت إلى سوريا أكثر من مرة وطوّفت في جميع أرجائها ولاقيت كثيرا من العلويين المرتدين الذين أخبروني بأسرار الديانة العلوية.
*هؤلاء مسلمون مثل غيرهم؟
لا ، العلوية ديانة تختلف عن الإسلام تماما وقلت هذا في كتابي ومن أراد أن يقرأ فليقرأ.
*تتهم كل الطائفة لا الأسد وحده ؟
هذا الذي أراه ، هذه الطائفة لها أركان ، فهي تؤمن بالحلول(حلول الله في سيدنا علي) ولها ست عشرة سورة هي البديل عندهم عن القرآن ولا تلتزم بالعبادة ولا بالتشريعات، و مما لا يعرفه الناس أني عندما عملت على الوثائق العسكرية المتعلقة بالأراضي الفلاحية السورية اكتشفت أنه من الأشياء التي قام بها حافظ الأسد تمليك الأراضي السقوية للعلويين ولم يبق في أيدي السنّة إلا الأراضي البعلية التي لا يمكن أن تكون غنية بإنتاجها كما أن العلويين يتملّكون الخطط الإدارية العالية والقيادات العسكرية فسياسة حافظ الأسد وقتها إنما تتمثل في إلغاء المخالف، وركبت الفرقة العلوية بهذا الشعور على المركب السياسي وأصبحت المعارضة السياسية داخلة في المعارضة الدينية
*ولكن الأسد الأب كلف إماما سنيا بالصلاة على أمه في جنازتها؟
ذلك من باب العمل السياسي تماما مثلما صلى محمد حرمل (أمين عام سابق للحزب الشيوعي الذي أصبح لاحقا حركة التجديد) في جامع عقبة بن نافع صلاة سياسية .
ما أقوله إنه لا يمكن أن يستمر الوضع في سوريا لأن هذا الاستبداد هو المؤذن بخراب العمران
*سوريا هي دولة الممانعة الوحيدة في المنطقة؟
ذلك ما يطيل عمرها في الظاهر وذاك هو نوع الخطاب الذي سوقه بن علي للعالم ( محاربة التطرف الديني)
*هل سيسقط النظام السوري؟
سيسقط
*قريبا؟
تحديد المدة على قدر التمكن من المؤسسة العسكرية، إلى حد الآن المؤسسة العسكرية هي العمود الفقري لنظام بشار الأسد
*كيف تدير كلية الآداب بسوسة؟يبدو أنه لا مشاكل لك مع"الإخوة" السلفيين عكس زميلك في كلية منوبة؟
نحن كعمداء على تواصل مع بعضنا البعض وقد أصدرنا بيانا في فيفري الماضي تضمن موقفنا المشترك من مسألة النقاب داخل الحرم الجامعي
*تنسقون في ما بينكم باعتباركم علمانيين؟
إذا اصبحت العلمانية تهمة فمرحبا بها
*كم عدد منقبات كلية الآداب بسوسة؟
"إنت والنهار مرة يزيد ومرة ينقص ..." يصل العدد في حالات الذروة إلى عشر.
• هل هنّ ممنوعات من دخول الأقسام؟
هنّ ممنوعات من دخول الكلية بحكم قرار من المحكمة الإدارية فالفضاء الجامعي له مواصفاته التواصلية لذلك لا بدّ أن يكون الوجه مكشوفا من الباب إلى الباب فالطالب ننظر إليه كعقل مفكر.
*وهل قبلت المنقبات هذا؟
نعم
*بالحوار كما يدعو المنصف بن سالم وزير التعليم العالي أو بحسم القرار؟
بالحوار، وبحسم القرار حين لا يكون هناك حل، لأننا جميعا منضبطون أمام شروط الدّرس، وأنا أشكر بالمناسبة الطالبات المنقبات. وجميع الأساتذة وجل الطلبة إن لم أقل كلهم مع موقفنا بخصوص مسألة النقاب.
*ألم تكن لمنقبات كليتك نصرة من الخارج؟
جاءت النصرة من الخارج ولكنها لم تفد، فكلية الآداب بسوسة كانت أول فضاء جامعي يتعرّض لغزوة هؤلاء وتم الاعتداء على الكاتب العام للكلية وسي وسيم عثمان( طالب عابر للكليات يرأس ما يسمى بلجنة الدفاع عن المحجبات وينشط صلب منظمة حرية وإنصاف المتخصصة في ما يبدو في الدفاع عن قضايا الإسلاميين) دخل مكتبي وسبني، الفرق بين كلية سوسة وكلية منوبة أن طلبة هذه الكلية هم الذين حموها من كل الدخلاء وقاموا بإخراجهم لتتواصل الدروس بنسق عادي
*هل بارك السيد وزير التعليم العالي قراراتكم وهو المتهم بالتعاطف مع أصحاب الفكر السلفي؟
لا صلة مباشرة بيني وبينه، صلتي بالسيد الوزير عن طريق رئيس الجامعة
*هل أنت مطمئن لوعود الترويكا بخصوص آجال الانتخابات القادمة ؟
أنا مطمئن لأن الوعد لم يكن من النهضة أو من الترويكا ، هو تقريبا تعاقد مع الناس والتعاقد مع الناس شديد على كل الأطراف
*هل يمكن للنهضة الفوز مجددا؟
يبدو لي أنه حتى في صورة الفوز لن يكون بمثل فوزها في انتخابات 23 أكتوبر
*هل حضرت نداء الوطن 1 بالمنستير بإشراف الباجي قائد السبسي؟
نعم ، حضرت
*هل تساند الباجي قائد السبسي؟
أنا أساند كل المجهودات التي تتألف التونسيين لتحقيق شيء من التوازن والدعم للفكرة الحداثية
*هي عند البعض واجهة يتخفى وراءها تجمعيون فاسدون ومرتشون؟
هذا موجود
*تدرك هذا ومع ذلك حضرت الإجتماع؟
حضوري لا يعني أني ألتزم بما ورد فيه دون قيد أو شرط. أنا أستمع للجميع حضرت حتى للنهضة فهي جزء من الخارطة السياسية وعندهم إحساس وطني لا أشك فيه هو من باب الهفوة أن لا يستمع الإنسان إلى كل الأصوات النهضة جزء من المجتمع ويكفينا من التهميش ، المشكل هو هل تقبل النهضة ومن معها الديمقراطية بمعنى التداول على السلطة أو تدعو إلى أحادية التوجه
*حضورك لأحد اجتماعات النهضة فهمه البعض على أنه مغازلة منك للحزب الحاكم
لا أغازل لا النهضة ولا غيرها، عندما ترسل إليك النهضة دعوة خاصة برسول يلح عليك في القدوم، لا يمكن لك إلا الحضور. أنا لا أشك في حسهم الوطني وإن كنت اختلف معهم في الرؤية .
*هل خططت لقول شيء ما لم تتح أسئلتي المجال لك لقوله؟
أبدا، تحدثت معك بصفة عفوية "قريت عندي، تعرف لا خبيت عليك لا تخفيت وراء المقولات"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.