لو بدأنا الحكاية من شارع الحبيب بورقيبة فسنعرف أن المشهد العام ينبئ بعكس ما ينتظره مهرجان قرطاج من توافد على سهراته و الأمر لا يدعو للاستغراب. فما مرت به البلاد من أحداث يوم أمس يزرع في نفس المواطن التونسي بعض الخوف و كما يقال "الوقاية خير من العلاج". المسرح البلدي,أبواب مفتوحة لاحتضان الجماهير و دعوتهم لملئ مدارج القاعة لتأثيث "قصر الشوك", المسرحية التي تروي واقعا أليما يلمسه كلّ من عاش ليلة من ليالي أروقة المستشفيات .المسرحية من إخراج الفنان "نعمان حمدي" و تمثيل كل من "عبد المنعم شويات" و "غازي الزغباني" و "نور الدين بوسالمي" و "جميلة الشيحي" و "أمينة دشراوي" . الصمت ميز قاعة المسرح البلدي ليكون سيد الموقف و الجمهورسجل حضوره في اعداد قليلة اختارت الانتشار هنا و هناك في انتظار ما ستجود بها خشبة المسرح في ظل هذا الديكور الذي يذكرنا بأجواء المستشفيات ,طاولات التمريض و أكياس "السيروم" و الستائر و ملابس طب الجراحة... صمت المسرح يتكلم و زخارفه تكاد تنطق بحثا و سؤالا عن الجمهور "اعتقد أن أحداث القصبة أثنت الجمهور عن الحضور خوفا من تدهور الأمور و انتقال العدوى إلى شارع الحبيب بورقيبة " .حدثنا السيد عمر الذي اختار تحدي هذه الأوضاع و الحضور للتمتع بمشاهد مسرحية ينتظرها منذ حصوله على برمجة ليالي قرطاج لهذه السنة فقال"اعرف أن الأمور ستكون بخير فالأمن محكم في شارع الحبيب بورقيبة و ما حصل اليوم في القصبة لن يقيد حريتي في التحرك و الاستمتاع بهذا المهرجان". أما السيدة إيناس فتعتبر أن ما حصل في القصبة يمثل عائقا و يبث الرعب في النفوس لكن المهم أن لا ننساق وراء الصور التي شاهدناها "ويجب أن نستثمر و نستغل كل لحظة في تونس خاصة أنني أقيم في باريس و انتظر بفارغ الصبر موسم الصيف للعودة و الاستمتاع بليالي وطني" بهذه الكلمات دقت شارة مهرجان قرطاج لينتشر هدوء بين الحاضرين ثم يغلب على الخشبة المسرحية صوت موسيقى صاخبة و حركات الممثلين ليتعرف الجمهور على مسرحيّة تروي الآلام الدفينة لامرأة تبحث عن حبّها الضائع في سنوات العمل بين قاعة العمليات و غرف الإنعاش ...و آلام المريض المنسيّ منذ مدة طويلة وآلام الممرض الذي علموه الصمت منذ كان صغيرا و آلام الأخت التي فقدت نفسها بموت أختها التوأم لتمتزج عندها حدود الحياة و الموت ومشاعر أخرى متناقضة و آلام الرجل الطبيب الذي تجمّد حبّه لزوجته بين المشرط و المقص لتلف أيامه النسيان . كلّ هذا داخل دوامة من الأحاسيس تنتزع من عينيك قطرات من الدمع تشك في وجودها في ظل غرور الأيام التي نعيشها و تواتر لحظات العمر. انتهى العرض المسرحي ليتواصل الصمت داخل القاعة تأثرا بما مر في فترة تلك المشاهد الدرامية و ليعلو التصفيق و يقف الجمهور تحية لهذا الفريق و هذا العمل. ثم ينسحب من المسرح في انتظار ليلة الغد السابع عشر من جويلية موعد لقائه مع "عبدو درياسة" و" مهدي امين"و" نادية خالص" في سهرة مغاربية يتوقع لها حضور محترم.