في خطوة لاحتواء عمليات التهريب عبر الحدود ، تكثف الحكومة التونسية مساعيها للانتهاء من بعث منطقة للتجارة الحرة ببن قردان بهدف تقنين التبادل التجاري على الحدود وغلق منافذ الارهاب المتستر بالتهريب عسى أن يكون هذا المشروع الوصفة العلاجية لداء التهريب الذي أتى على أكثر من 50 بالمائة من النشاط الاقتصادي المنظم. ويأتي إنشاء المنطقة اللوجستية الحرة في مدينة بن قردان ، التي تعد من أهم المناطق الحدودية، نظرا للحركة التجارية الكبرى، التي تعرفها المنطقة عموما، حيث تعد البوابة الاقتصادية الأولى بين تونس وليبيا. وأعلن وزير التجارة محسن حسن، مؤخرا ، أنه تم البدء بالدراسات الفنية للمشروع الذي طالما سعت إليه الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية، مشيرا إلى أن تكلفته تصل إلى 120 مليون دينار تونسي، وأن الانتهاء من الأشغال المتعلقة سيكون خلال العام المقبل 2017 . وتعوّل الحكومة على المنطقة الحرة لتوفير 2500 فرصة عمل مباشرة و6 آلاف موطن شغل بصفة غير مباشرة، إضافة إلى خلق قطب اقتصادي تنموي في بن قردان لتقليص تبعية الشباب للتجارة الموازية ومحاربة التهريب والإرهاب. ويأتي اختيار مدينة بن قردان، لإنشاء مشروع المنطقة التجارية الحرة، لخصوصية المنطقة، التي يعيش قرابة 80 ٪ من سكانها على التجارة الموازية وفق بيانات غير رسمية، إضافة إلى افتقارها إلى مشاريع صناعية أو تنموية قادرة على خلق فرص عمل للشباب المعطل. ويعتبر الناشط المدني، معز الجماعي، أن لمدينة بن قردان خصوصيات متعددة تجعل بالجهة الحرة مشروعا مميزا بالجهة في حال أحسنت الحكومة إدارته، لافتا إلى أن المدينة تحتوي حاليا على أكبر سوق للصرافة الموازية. ويشير الجماعي، إلى أن سوق الصرافة تتداول يوميا نحو 8 ملايين دينار على مرأى ومسمع من السلطات، رغم أن نشاط العملة خارج المصارف يعد من الأعمال المحظورة قانونيا. ويقول إن المصادر الأمنية تؤكد أنه من الصعب حصر العدد الحقيقي للعاملين في السوق الموازية بهذه المدينة، باعتبار أنهم غير مسجلين في دفاتر المصالح الجبائية، مضيفا أن « التقديرات تشير إلى أن عددهم يتجاوز 2500 تاجر في بن قردان فقط». وحسب الأهداف التي رسمتها الحكومة، من المنتظر أن تكون المنطقة الحرة سوقا دولية لعبور البضائع من مختلف أنحاء العالم إلى أفريقيا، مع إمكانية تطويرها إلى منطقة صناعية عالمية كبرى معدة للتصدير للبلاد الأفريقية المختلفة. غير أن تجاهل الحكومة هذه الظاهرة، التي تعود إلى عشرات السنين، جعل النشاط الموازي وفق خبراء الاقتصاد، يستفحل ويتعدى حدود الاتجار بالمحروقات والمواد الإلكترونية إلى تجارة الأسلحة والعملة حاليا. ويعتبر مراقبون للشأن الاقتصادي أن التجارة الموازية في الجنوب التونسي، باتت أشبه ما يكون بالأخطبوط، الذي يصعب السيطرة عليه، نظرا لتشعب وحسن تنظيم شبكات التهريب، إضافة إلى تواطؤ في تسهيل عمليات التهريب. وأبرزت دراسة لمركز إفريقيا للدراسات والبحوث السياسية، حول التهريب بين تونس وليبيا، أن هذه الظاهرة انعكست سلبا على الاقتصاد التونسي من ناحية تهريب السلع المدعّمة للقطر الليبي، وإيجابا من ناحية دخول المحروقات وبعض الآلات الفلاحية وغيرها من المواد والبضائع، التي تستوردها تونس من الخارج بالعملة الصعبة. وكشفت الدراسة الميدانية، التي أنجزها المركز مؤخرا، أن نسبة التوريد الموازي بلغت عام 2012 نحو 77 ٪ بقيمة 1.63 مليار دينار من إجمالي التوريد الفعلي (الرسمي والموازي). وسبق أن وصلت هذه النسبة إلى حدود 92 ٪ عام 1992، قبل أن تتراجع إلى 36 ٪ عام 2005. ويقول الخبير الاقتصادي، فتحي التوزري، إن الخصوصية التجارية لمنطقة بن قردان حتمت خلق هذه المنطقة اللوجستية والتجارية، التي ستدفع بالتنمية في هذه المنطقة، بالإضافة إلى القضاء على ظاهرة التهريب، لكنه أضاف أن تفعيل نشاط المنطقة الحرة يتطلب توقيع اتفاقيات للتبادل التجاري بين تونس وليبيا. ويشدد التوزري، على ضرورة الإعداد الجيد لمثل هذه المشاريع لضمان نجاحها، وحتى تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، باعتبار أن مناطق التبادل الحر ستوفر لخزينة الدولة عائدات جبائية مهمة. ويشير إلى أنه ليس من السهل إنشاء مثل هذه المناطق، لا سيما في ظل ما تشهده ليبيا من عدم استقرار، مؤكدا أن نجاح هذا المشروع مرتبط بالعامل الأمني، لضمان سلامة تدفق السلع والأشخاص وجلب المستثمرين. يشار الى ان خسائر الاقتصاد التونسي جراء التهريب بلغت خلال الربع الأول من العام الماضي نحو 1.8 مليار دينار وفق إحصائيات البنك الدولي، بينما تشير تقديرات وزارة التجارة التونسية إلى أن إجمالي الخسائر السنوية يصل إلى 3.6 مليارات دولار. ويتسبب التهريب والتجارة الموازية في خسائر جبائية لخزينة الدولة بنحو 1.2 مليار دينار، وهو ما يرفع من نسبة الاقتصاد الموازي إلى 54 ٪ من إجمالي السوق. ويمثل حجم التجارة الموازية مع ليبيا أكثر من نصف المعاملات النظامية، أما مع الجزائر فتبلغ المعاملات النظامية نحو 60 ٪ من تجارة المحروقات.