بعد الثورة , تناسلت وسائل الإعلام بسرعة الضوء وتكاثرت التلفزات والإذاعات ...وبعد أن عدّل الجمهور ساعته على برمجة الشاشة أو الاذاعة التي تناسب أهواءه وتوافق ميولاته ... جاء قرار «الهايكا» ليفصل في الموضوع ويُحدد أحقية البقاء لعدد منها ويحذر البقية من الحضور «اللا قانوني» داعيا المؤسسات «المخالفة» إلى التوقف عن البث قبل يوم 28 سبتمبر الجاري (غدا) . فهل سترمي القنوات والإذاعات المعنية بقرار «الهايكا» المنديل وتركن ل«التقاعد المبكر» تمتثل ؟ أم أنها ستشق عصا الطاعة وتعلن «العصيان» وتدافع عن حقها في «الحياة» ؟. الإذاعات: الرخصة «حقّ موش مزية» ازدان «فراش» الإعلام المسموع في السنوات الأخيرة بعدد من «المواليد» الجدد لتنضاف إلى المشهد قائمة إضافية من الإذاعات مختلفة التوجهات والتسميات ...وإن تقدمت 36 إذاعة بمطلب الحصول على رخصة فإن 3 إذاعات خاصة و8 إذاعات جمعياتية فقط حازت على الإجازة أما البقية فأسقطها غربال «الهايكا» من «الامتحان». ولكن الكثير من هذه الإذاعات رفضت الرضوخ إلى قرار الهيئة وطعنت في «شرعيته» ودخلت في جملة من التحركات الاحتجاجية وأعلنت «العصيان» و«رابطت» أمام مقر «الهايكا» في إعتصام مفتوح على غرار إذاعات «الديوان» و«أم أف أم» و«مساكن» ... تحت شعار «الرخصة حق موش مزية» . وفي هذا السياق احتج مدير إذاعة «الديوان» بصفاقس «عباس مسدي» على قرار «الهايكا» قائلا :«دفاعا عن حرية الإعلام لن نستجيب لقرار «الهايكا» , وسنواصل الاعتصام والاحتجاج ...خصوصا أن أسباب رفض منحها الرخصة هي مجرد تعلات واهية وغير صحيحة ... لذلك سنلجأ إلى المحكمة الإدارية للطعن في قرار «الهايكا» ,ولو أدى بنا الأمر إلى التظلم إلى الهيئات الإعلامية الدولية فلن نصمت عن حقنا في الدفاع عن مكسب الحرية». وبخصوص مصير الصحفيين والتقنيين والإداريين العاملين بهذه المؤسسات الإعلامية تساءل مدير إذاعة «مساكن» كمال الشطي قائلا في إنكار:«كان يمكن التنبيه إلى الأخطاء الشكلية في عدد من الملفات ومنح فرصة لتداركها دون اتخاذ القرارات الحاسمة مباشرة وحرمان وسائل الإعلام من حق التواجد ... ألم تفكر «الهايكا» في مصير العائلات التي تقتات من هذه المؤسسات ؟ وهل تحتمل البلاد صفوفا إضافية من المعطلين عن العمل»؟ التلفزات : معركة حياة أو موت «التونسية» «نسمة» «تونسنا» «حنبعل» «الجنوبية» «الزيتونة»... كلّها قنوات مهدّدة بالغلق حسب قرار «الهايكا» القاضي بإيقاف البث قبل منتصف ليلة يوم غد, فهل سيكون مصير هذه التلفزات التلاشي والاضمحلال ؟ أم أنها ستصارع بسلاح أو بآخر من أجل البقاء؟ وإن جاء موقف الإعلام المسموع من قرار إيقاف البث صريحا وواضحا, حيث أعلن عدد من الإذاعات, أول أمس في ندوة صحفية , عدم الخضوع إلى قرار« الهايكا» والإصرار على مواصلة البث , فإن الإعلام المرئي لازم الصمت ولم يفصح عن رأيه في الموضوع ,كما لم يصدر عن التلفزات المهددة بالغلق موقف وقد اتصلت «التونسية» ببعض القائمين عليها فجاءت الأجوبة في أغلب الأحيان حائرة ومبهمة حتى أن أحدهم قال :«موش عارف ,مازلنا ما نعرفوش» في حين أجاب مصدر من قناة «تونسنا» قائلا في لامبالاة: «من هي «الهايكا» حتى تهدّد بغلق وسائل الإعلام ...نحن بصدد الإعداد لبرمجتنا الجديدة وتطوير منتوجنا الإعلامي وهذا ما يعنينا». وإن اعتذر بعض المسؤولين عن الخوض في الموضوع ,فإن جلّهم كانوا شبه واثقين من مواصلة قنواتهم البث بطريقة أو بأخرى ... نقابة الإعلام : توقيت مشبوه اصطفت النقابة العامة للإعلام المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل إلى جانب المؤسسات المحتجة وساندت صمودها في الدفاع عن حقها في الحصول على رخصة بث , حيث طالبت النقابة الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري ب«منح الرخص للإذاعات والتلفزات ولكل من تقدموا بمطالب رخص بلا استثناء ولا محاباة».كما أعلنت النقابة رفضها لأي غلق ممكن للمؤسسات الإعلامية لما سيتسبب فيه من تسريح وطرد ومسّ بالحقوق الاجتماعية لكل العاملين بهذه المؤسسات. ودعت النقابة الهيئة إلى تقديم التوضيحات اللازمة حول أسباب رفض منح الرخص لبعض القنوات دون غيرها رغم استجابة كل مطالبها لكراسات الشروط. كما استنكرت نقابة الإعلام التجاوزات التي حصلت من طرف الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري في ما يخص المرسوم 116 في فصله السابع والذي يقضي بضرورة تعويض كل عضو مستقيل خلال 15 يوما مشيرة إلى أن ذلك لم يحصل رغم استقالة عضوين من الهيئة إلى حد الآن. من جانبه اعتبر الكاتب العام لنقابة الإعلام «محمد السعيدي««أن مهمة «الهايكا» الأصلية هي مهمة تعديلية وأنه يجوز لها التحول إلى وكالة منح التراخيص» على حد قوله . وأضاف في استفهام استنكاري :«لماذا جاء قرار الهايكا الآن وفي توقيت مشبوه,أي قبل انتهاء مهامها ببضع أسابيع ؟أليس من الأجدى والأحق أن تتولى مراقبة المضمون الإعلامي والبلاد على أبواب انتخابات ؟ ثم لماذا لم يصدر حتى الآن تقرير الهيئة في مجال متابعة عمل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ؟» «الهايكا» : تدرّج في تطبيق القانون بمجرد إعلان الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري عشية يوم 2 سبتمبر عن قائمة الإذاعات والتلفزات التي حازت على «مباركة» لجنة الهيئة وحصلت على الرخصة ,أعربت المؤسسات «الراسبة» في «امتحان» منح «الاجازة» عن استيائها واحتجاجها وتشكيكها في مشروعية قرار «الهايكا». وفي غمرة تنفيذ عدد من الإذاعات لوقفات احتجاجية ضد هذا القرار أعلنت «الهايكا» قرارا جديدا دعت من خلاله جميع الإذاعات والتلفزات التي لم يتم منحها الترخيص والتي تبث بطريقة غير قانونية إلى التوقف تلقائيا عن البث قبل تاريخ 28 سبتمبر الجاري...ومن جديد كان موقف هذه الوسائل الإعلامية هو إعلان «العصيان» على قرار «الهايكا» وورفض الانقطاع عن البث ... وردا على هذا الموقف , أفاد مصدر من «الهايكا» أن قرار الهيئة كان «قانونيا بالاحتكام إلى كراس الشروط وتطبيق القانون على الجميع للتمكن من الحد من الفوضى التي عمت المشهد الإعلامي قبل فوات الآوان ...» وأضاف عضو «الهايكا» أن «الهيئة ستعتمد سياسة التدرج في تطبيق القانون على التلفزات والإذاعات التي لن تمتثل لقرار إيقاف البث مؤكدا أنه بداية من 28 سبتمبر الجاري ستشرع الهيئة في تدارس تنفيذ الفصل 31 من المرسوم 116 حيث سيتم الاتفاق على فرض خطايا ماليّة تتراوح بين 20 و50 ألف دينار كخطوة أولى ليتم إثر ذلك حجز المعدّات قصد إيقاف البث...مشيرا إلى أن قرار إيقاف البث الذي يتهدّد عددا من القنوات التلفزية و الإذاعات سيكون بعد استيفاء «الهايكا» لكل العقوبات الردعيّة في مرحلة أولى ...»