أعلن المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت أن الحكومة المؤقتة والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد العام التونسي للشغل سيوقعون، يوم 14 جانفي 2013 على العقد الاجتماعي "الذي دعت إليه رئاسة الجمهورية منذ مدة". وبيّن المرزوقي أنّه من خلال التعاون مع منظمة العمل الدولية وبدعم من الحكومة البلجيكية وفي إطار ندوة ثلاثية انتظمت بتونس يومي 24 و25 ماي الفارط اطلاق مشروع النهوض بالحوار الاجتماعي والتوصل إلى وفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية على إرساء عقد اجتماعي يترجم التزام الأطراف الاجتماعية الثلاثة بضمان السلم والاستقرار الاجتماعيين بما من شأنه توفير الظروف الملائمة لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تستجيب لأهداف الثورة وتطلّعات الشعب التونسي. وأكّد بمناسبة حلوله يوم أمس الجمعة كضيف شرف على الدورة 101 لمؤتمر العمل الدولي بجينيف، أن دعوته للجلسة الافتتاحية للمؤتمر تعتبر "تكريما يتجاوز شخصه ليشمل الشعب التونسي الذي شكلت انتفاضته انطلاقة الربيع العربي" حسب ما جاء في نصّ خطاب المرزوقي الذي تمّ نشره على الموقع الاجتماعي "فايسبوك" لرئاسة الجمهورية. كما أبرز أن علاقة تونس بمنظمة العمل الدولية علاقة عريقة جداً حيث انضمت اليها منذ استقلالها في سنة 1956. وحيا المرزوقي بهذه المناسبة منظمة العمل الدولية التي قال إنها "كانت من المنظمات الاولى التي عبرت عن تضامنها ودعمها لتونس ما بعد الثورة" وبادرت بفتح مكتب اتصال لها بتونس وشاركت عبر مكتب العمل الدولي في مبادرات مثل الحوار الاجتماعي وتشغيل المرأة والنهوض بالمناطق ذات الأولوية. وأشار، أيضا إلى انخراط تونس في المبادئ والقيم التي تعمل المنظمة على تكريسها وفي مقدّمتها العدالة الاجتماعية ويتجلّى ذلك من خلال مصادقتها على 58 اتفاقية عمل دولية من بينها الاتفاقيات الثمانية المتعلقة بالحقوق الأساسية في العمل. وأضاف قائلا: "ونحن على أتمّ الثقة أن التعاون المثمر هو الآن في بدايته وقد اصبحنا نتشارك قولا وفعلا في نفس القيم ونفس الأحلام ونفس المشاريع , لقد حملت الثورة المباركة عبر انتخابات حرة وشفافة لأول مرة منذ اكثر من نصف قرن للمسؤولية أبناء وبنات الشعب الذين ناضلوا عقودا طويلة من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية وهم اليوم على أتم الاستعداد للتعاون بكل روح إيجابية مع كل المخلصين من داخل تونس وخارجها حيث لا مطمح لهم غير خدمة البلاد ومواطنيها". ومن جهة أخرى، تطرّق المرزوقي إلى العمل الجادّ للحكومة بهدف وضع أسس متينة للدولة الديمقراطية، مبيّنا أنّه بعد أول انتخابات نزيهة وحرة في تاريخ تونس الحديث يوم 23 أكتوبر الفارط والتي أتت بالمجلس التأسيسي وبالحكومة الحالية فإنّ مختلف الأطراف في الحكومة تسعى اليوم لكتابة دستور يضمن للتونسيين دولة مدنية ومساواة تامة بين كل المواطنين خاصة بين الرجل والمرأة ويكرّس جملة الحقوق والحريات كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وستكون للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مكانة متميزة في الدستور الجديد . وقال :"نحن سنكمل بعون الله في روح توافقية عالية صياغة هذا الدستور قبل نهاية العام ثم سنمرّ في ربيع 2013 إلى انتخابات تفرز النظام السياسي الديمقراطي الجديد الذي نريده صلبا يتواصل جيلا بعد جيل يضمن للتونسيين العيش في كنف نظام سياسي واجتماعي يضمن العدالة والحرية". وفي هذا الإطار، أبرز أنّ مجمل هذه الاصلاحات السياسية الجذرية ضرورية لضمان مستقبل واعد لكنها ليست كافية باعتبار أنّ الهدف الأساسي لثورة الشعب كان ولا يزال العمل اللائق الذي يحفظ الكرامة ويجعل المواطن يمارس مواطنته الكريمة في كل ما يأتيه من نشاط وعمل، ففي ما عدا ذلك تتحول الديمقراطية الى ممارسة جوفاء لا تطعم جائعا ولا تلبس عاريا. وفي سياق آخر، أشار المرزوقي إلى الإمكانيات المحدودة ووضعية الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس والتي اعتبر أنّها لا يمكن ان تكون مطلقا عائقا امام مؤسسات الدولة الناشئة من اجل ان تضع هدف التشغيل في اعلى سلم أولوياتها. وأكّد المرزوقي ان عدد العاطلين عن العمل تضاعف تقريبا منذ اندلاع الثورة حيث ان راس المال الذي يحتاج الى حد أدنى من الاستقرار قد تعرض الى صعوبات جمة نسعى شيئا فشيئا الى رفعها بتركيز المؤسسات الجديدة وفرض الأمن. وفي هذا الإطار أبرز نجاح الحكومة بالتعاون مع المنظمة النقابية الأساسية، الاتحاد العام التونسي للشغل، في مكافحة الشغل الهش الذي كان يسمى مناولة والذي كانت ترتكب تحت غطائه الكثير من التجاوزات في حق العمال. كما أبرز ان الهدف الاساسي هو تحقيق تنمية لا تنكر مبدا العدالة الاجتماعية وليس نموا يرفع في الأرقام والمؤشرات ويسحق البشر. وعرض المرزوقي بهذه المناسبة الاجراءات التي اتخذتها الحكومة بعد الثورة في الغرض: - اتخاذ جملة من الإجراءات الظرفية في مجال تحسين ظروف العمال بالرغم من صعوبات الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد مثل مساندة المؤسسات المتضررة من احداث الثورة او الفلاحين المتضررين من الجوائح الطبيعية، وأخرى بعيدة المدى - المصادقة على ثلاث اتفاقيات عمل دولية في ميادين معايير العمل وعلاقات العمل في الوظيفة العمومية والنهوض بالمفاوضات الاجتماعية. - إقرار برنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي يتضمّن جملة من الإجراءات الهادفة إلى الترفيع في نسق التشغيل وكذلك استحثاث نسق الاستثمار الخاص مع التركيز على التنمية الجهوية داخل المناطق التي تعرف نقصا واضحا في المرافق والبنية الأساسية. - إقرار زيادات بعنوان سنة 2011 شملت الخالصين بالأجر الأدنى الصناعي والأجر الأدنى الفلاحي المضمون وأعوان القطاع العام بفرعية الوظيفة العمومية والمؤسسات والمنشآت العمومية والعاملين بالقطاعات الخاضعة لاتفاقيات قطاعية مشتركة. - الترفيع في مبلغ المنحة المسندة للعائلات المعوزة وكذلك في عدد هذه العائلات ليبلغ عددها 235 ألف عائلة معوزة. - أعلنت الحكو مة بمناسبة غرة ماي 2012 بعد التشاور مع النقابة على التنظير التام بين الأجر الأدنى الصناعي والفلاحي مع الترفيع في مقدارهما. ومن جهة أخرى، أكّد المرزوقي ان ما تم انجازه الى حد الان هو اقل مما يطلبه العمال وبقية الأطراف الإجتماعية، ولكنه كبير مقارنة بعمر الثورة التونسية، وهو إنجاز لا يرضي ولكن يجب أن يبنى عليه لتواصل اثراءه بمزيد من المكتسبات الاخرى في اطار من التوافق الاجتماعي، مبرزا ان الهدف الاساسي يتمثّل في تحقيق اكبر قدر من العدالة الاجتماعية وبناء نموذج تنمية يجد فيه الجميع ضمانا لكرامتهم وصونا فمواطنتهم الفاعلة. كما أكّد أنّ الحكومة الحالية تحث حاليا وتفكّر بجدية في طرق اخرى للتقدم الاجتماعي وضمان حق العمل لأكبر عدد ممكن من المواطنين خارج طرق التفكير التقليدية الليبرالية الكلاسيكية . ودعا أيضا إلى ضرورة مراجعة نموذج التنمية الذي انساقت فيه بلادنا والذي زاد من عدد المهمشين والعاطلين وجعلنا نرزح تحت وطأة الدين الخارجي. مبيّنا ضرورة الاستئناس بتجارب الامم الأخرى التي استطاعت ان تبني اقتصادياتها على إمكانياتها الذاتية، داعيا المنظمات الدولية مثل منظمة العمل الدولية إلى مساعدة تونس. كما أبرز أنّ هذا العمل الطويل المدى سيستغرق وقتا و جهدا، مطالبا الحكومة والنقابات ورؤوس الأموال للتكاتف فيه جميعا. وبيّن ان ما تجتازه الحكومة اليوم من صعوبات لا يمكن إلا أن يشكل حافزا على التوافق على الأهداف التي يجب تحقيقها جميعا، عبر عقد اجتماعي جديد يكون اكبر.