ريبورتاج: خولة السليتي تونس - الصباح الأسبوعي: حافلات أمام النزل تنتظر صعود السياح فيها لتنقلهم إلى احدى المناطق السياحية بالبلاد، فرقة شعبية تنشد أغاني من تراثنا التونسي بشارع الحبيب بورقيبة، سياح يرقصون ويلتقطون صورا مع عدد من التونسيين الذين يرتدون الزي التقليدي، بعضهم يتجوّل في إطار جولة سياحية منظمة والبعض الآخر يتجوّل بمفرده. بمجردّ تمعنّ النظر إلى عدد منهم، تلاحظ مدى إعجابهم بالتراث التونسي والصناعات التقليدية وتلاحظ الراحة النفسية التي عكستها ملامح وجوههم وكأنّهم يجهلون ما يحدث في تونس من أحداث عنف وغير ملمّين بكلّ ما يدور في جبال الشعانبي. اقتربنا من البعض منهم للتحاور معهم حول نظرتهم إلى السياحة في تونس؟ وكيف اختاروا تونس وجهة لهم للسياحة؟ ثمّ إن كان هناك من نصحهم بعدم زيارة تونس؟ وهل أنهم تردّدوا قبل زيارة تونس؟ ما لاحظناه بداية هو تحفظّ عدد هام من السياح خاصة الأمريكيين في الحديث إلينا، إلا أنّ الفرنسيين بدوا أكثر ترحابا. لعلّ Elene Lavas، فرنسية الجنسية من أصل تونسي وتحديدا من مواليد مدينة المرسى هي أول من تحدّثنا إليها، استقبلتنا إيلين ببشاشة، قائلة: "صحيح أني ولدت بالمرسى، لكني لم أعش في تونس وهي المرة الأولى التي أزور فيها تونس، وشخصيا لم أتردّد للحظة عندما قرّرت زيارة تونس". وعن أحداث العنف في تونس، تقول Elene Lavas: "أعلم جيدا أن هناك أطرافا تسعى إلى خلق نموذج مجتمعي معين ربما ترفضونه أنتم كتونسيين لأنكم حداثيون بالأساس، لكني لم أسمع مثلا حديثا عن عنف أو إرهاب ". وبعبارات تتخلّلها ضحكة عالية، تقول Elene: "أنا متأكدة من عدم وجود قاعدة في تونس، سررت بلقاء عدد من الفتيات الحداثيات اللاتي يمثلن فئة من التونسيين.. أنا مسرورة كثيرا بذلك خاصة أن لي علاقة روحية تجمعني بتونس". بمجردّ تنقلنا نحو منطقة باب بحر بالعاصمة، التقينا بفريق من الطالبات الفرنسيات اللاتي قدمن لتونس لقضاء أسبوع فيها، علامات الفرح بالأجواء التونسية بدت واضحة على وجوههنّ. تقول ماريان لوسيان (Marianne Lucien) ل"الصباح الأسبوعي": "جئنا لتونس عن طريق وكالة أسفار، وقد سمعنا عنها كثيرا ورغم أن وسائل الإعلام الفرنسية تداولت أخبار وجود عنف في تونس، فإننا لم نعش أي أحداث إرهابية أو عنف، وأدركنا أن وسائل إعلامنا تهوّل الأمور، ها نحن نتجوّل بين شوارع المدينة ولم يعترضنا أي احتجاج أو فوضى وبعد قدومنا لتونس بتنا أكثر اطمئنانا لأننا كنا متردّدين في البداية بسبب ما سمعناه عن تونس". مغالطة للوقائع التشكيك في مصداقية وسائل الإعلام لم نسمعه على لسان السياح الفرنسيين الذين تحدّثنا إليهم فقط وإنما سمعناه على لسان أكثر من سائح مختلف الجنسية، فطوني (سائح من سويسرا) وجدناه بصدد محاورة تاجر صناعات تقليدية، توني لم يكن بمفرده وإنما كان رفقة ثلاثة سياح سويسريين ومرافق تونس. وفي سؤالنا له عن رأيه في تونس، قال: "تونس بلد جميل لكنّ الأجمل أني وجدت شعبا متفتّحا يحبّ الحياة ويقبل الآخر". وعما إذا كان سمع بأحداث عنف في تونس، يقول توني: "ما لاحظته أن وسائل الإعلام السويسرية تتابع الشأن التونسي ووجدت في تناولها تهويلا للوقائع ومغالطة مقارنة بما وجدته هنا في تونس، التلفزات مثلا تتلاعب كثيرا بالصورة". وبعد بعض الدقائق من تداول أطراف الحديث، قال طوني: "المؤكدّ أني سأحدّث أصدقائي عن تونس وسأدعوهم لزيارتها وعدم تصديق ما تتداوله وسائل الإعلام". شيء مفرح أن تجد أفواجا سياحية تتجوّل في أسواق المدينة العربي، والمفرح أكثر أن تجدهم يسألون عن تراثنا ويتطلعون إلى التعرفّ على المواقع الأثرية. دانيال مثلا (Daniel) سائح إيطالي وجدناه على مقربة من جامع الزيتونة رفقة حوالي عشرين سائحا إيطاليا. يقول دانيال ل"الصباح الأسبوعي": "زرت تونس منذ ثلاث سنوات ونصف تقريبا، وأنا أعرف مختلف المناطق السياحية فيها ومع ذلك قرّرت أن أزورها مرّة أخرى خلال هذا الموسم لأني وجدت فيها أماكن رائعة وشعبا مضيافا، وأنا أعتبر بلدكم بلدا سياحيا هاما". ما جلب انتباهنا خلال حديثنا مع دانيال أنّه تطرق بصفة تلقائية لموضوع تناول وسائل الإعلام الإيطالية لما يحدث في تونس، قائلا: "وسائل الإعلام الإيطالية تهوّل الوضع في تونس وتبعث الخوف والفزع في نفوس الإيطاليين شأنها شأن وسائل الإعلام الفرنسية، ومع ذلك أنا لا أهتمّ لذلك". يسكت دانيال للحظات ثمّ يقول: "أنتم محظوظون خلال هذه الفترة لأن وسائل إعلامنا مهتمة بما يحدث في تركيا". «يجب التوقف عن تسويق صورة مفزعة لتونس» يبدو أن الجميع متفق على أنّ وسائل الإعلام هي الموجودة في قفص الاتهام، فهي التي تهوّل وهي التي تغالط بهدف إخافة الشعب وخدمة أجندة معينة. ماري بريكو (Marie Pricot)، سائحة فرنسية لها علاقة حميمية مع تونس، في شهر ماي الماضي كانت ضيفة بتونس، فلها أصدقاء في مدينة الحمامات. وعن قدومها لتونس، تقول ماري: "أول سؤال طرح عليّ عندما عدت لفرنسا في شهر ماي الماضي هو: "ماذا حدث؟ وهل هناك من اعتدى عليكم؟ ثمّ كيف تجرّأتم على زيارة بلد فيه إرهابيون؟"، وعن هذه الأسئلة، تجيب محدّثتنا والبسمة تعلو محياها: "أقول لهم إنّ كلّ شيء جيد ووجدت استقبالا رائعا وكل ما تبثه وسائل إعلامنا مغلوط". وتشاطرها في ذلك صديقتها إميلي قروجان (Emelie Grogein)، قائلة: "لاحظنا وجودا أمنيا مكثفا وذلك يطمئننا كثيرا، وأنا أرى أنّه يجب التوقف على التسويق لصورة تونس المفزعة التي تعكس وجود الفوضى والعنف في كلّ مكان". أما صديقهم ميشال قاي ( Michel Guey) ، فيقول ل"الصباح الأسبوعي": "أزور تونس بصفة مستمرة منذ سنوات أو بالأحرى منذ عقود، وأنا أعرفها جيدا وبالنسبة لأحداث العنف فلا أراها تختلف عن السابق لأنّ أحداث العنف موجودة من السابق وعادة ما يتورّط فيها سياسيونا أو المافيا". إنّ ما قاله دانيال وإميلي وإيلين وميشال وماري وغيرهم من السياح الذين تحدّثنا إليهم يبدو مؤشرا مطمئنا لإقبال السياح على بلدنا ووعيهم بالصورة التي ترغب وسائل الإعلام تسويقها عن تونس. لكنّ ذلك لا يعني أن يمكننا أن ننكر أو نقلّل من شأن ما يحدث في بلادنا من أحداث عنف وصلت إلى حد الاغتيالات السياسية والأحداث الإرهابية التي لازلنا ننتظر إلقاء القبض على المتورطين فيها.
تجار المدينة العتيقة ل«الصباح الأسبوعي»: نعم السياح موجودون.. لكننا غير مستفيدين تونس - الصباح الأسبوعي: أفادت التصريحات الرسمية أنه من المنتظر أن تستقبل تونس حوالي 7 ملايين سائح أجنبي خلال الموسم الحالي وأنّ عدد السياح سجلّ خلال الأيام العشرة الأولى من شهر جوان ارتفاعا بنسبة 15% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية وبنسبة 2.5% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2010. المؤكدّ أنّ هذه الأرقام تعكس انتعاشة للقطاع السياحي والتي ستؤدّي بدورها إلى انتعاشة الاقتصاد الوطني عامة ووضع التجار خاصة باعتبارهم المتضرّرين الأساسين من ركود الواقع السياحي. "الصباح الأسبوعي" تنقلّت إلى الأسواق العربي بالعاصمة وتحدثّت إلى بعض التجار الذين أعربوا عن استيائهم من تدهور نشاطهم التجاري. رؤوف بالآغة شاب وجدناه واقفا أمام محلّ لبيع الزرابي والبضائع التقليدية، كان بصدد التحاور مع صديق له واقف هو الآخر بمفرده أمام محلّه، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ عن عدم تحقيقهم أرباحا. إذ يقول رؤوف: "التصريحات الرسمية التي تتداولها وسائل الإعلام تقول إنّ عدد السياح سجلّ ارتفاعا إلا أنّنا لم نلاحظ ذلك ولم نعشه، فالوضع لم يتغيّر عن الشهرين الماضيين وها أن محلي فارغ أمام مرأى أعينكم". لكنّ رضا السلامي لا يشاطره الرأي، فمهنة رضا هي النقش على النحاس، وجدنا بين يديه قطعة دائرية الشكل كان يتفنّن في نقش جمل عليها.. وباقترابنا منه، توقف رضا عن العمل، أصغى إلينا بتمعن ثمّ تنهدّ تنهيدة من الأعماق، قائلا: "ثقة السائح الأجنبي في تونس عادت إلينا من جديد، سررنا كثيرا عندما استمعنا إلى الأارقام الرسمية عن عدد السياح المقبلين على بلادنا خلال هذا الموسم، ولكن حوالي 3 رحلات بحرية أقبلت على تونس خلال الأسبوعين الماضيين ولم نستقبل منها أي سائح، فعن أي انتعاشة سياحية تتحدّث وزارة السياحة، وماذا استفدت من قدومهم". وهنا تدخلّ منصف الشابي (نقابي وتاجر)، قائلا: "السياح موجودون ولكننا لم نستفد من قدومهم، لأن منظمي الرحلات البحرية يتعاملون مع عدد البازارات والمحلات المختصة في بيع المنتوج التونسيب التقليدي، فمئات السياح يزورون العاصمة ولا تطأ أقدامهم منطقة باب بحر أو الأسواق العربي، تجدهم في القصبة ومن هناك يقع اصطحابهم إلى المحلات التي تتعامل مع منظمي الرحلات المتمتعين بنسبة من الأرباح، وهذا ليس لفائدتنا، كيف بإمكاننا أن نعيل أبناءنا في الوقت الذي يمثّل فيه نشاطنا التجاري موسم رزقنا الوحيد". إنّ موقف تجار الأسواق العربي حول مدى استفادتهم من تزايد إقبال السياح على بلدنا بدا موحدا، فمحسن بن غربال مثلا أحد التجار الذين تحدّثنا إليه والذين علمنا أنّه من بين التجار الذي تشهد محلاته إقبالا من السياح، قال لنا خلال لقائنا معه: "يا حسرة على السياح ككانوا يجوني". يسكت محدّثنا للحظات ثمّ يواصل قائلا: "أصبحت أشتغل مع ولاد بلادي، حتى العملة الصعبة لم نعد نضعها بين أيدينا.. ومع ذلك أصرح أنّ الوضع السياحي شهد تحسنا لكنه يبقى دون المأمول في ظل عدم تنظيم القطاع ووضع أرباحه على ذمة فئة من التجار دون آخرين".