غموض في النظام السياسي.. وتمهيد لولادة وزارة إعلام في ثوب جديد أثارت المسودة النهائية للدستور موجة كبيرة من الانتقادات بالنظر إلى انه وفقا لبعض الخبراء فقد انكب "تارزية" القوانين عل تفصيل فصول تضمن في جوهرها الحرية لكن تقيدها بضوابط دينية أو أمنية وهو ما يحيل إلى أن فصول الدستور المرتقب يراد لها أن تكون على مقاس البعض لاسيما من في الحكم.. حسب ما اشار اليه عدد من الخبراء في القانون الدستوري. فمثلا وردت بالتوطئة عبارة "تأسيسا على الثوابت الإسلامية" وهي عبارة غامضة يراها البعض إحالة على تطبيق الشريعة الإسلامية.. ولكن أكثر ما يثير السخط في هذه المسودة هو تقييدها لثلاث حقوق أساسية ألا وهي حرية الرأي والتعبير والإضراب وحق النفاذ الى المعلومة. في تقييمه لهذه المسودة لم ينف جوهر بن مبارك رئيس "شبكة دستورنا" في تصريح ل"الصباح" أنها تحسنت بشكل واضح مقارنة بالمسودة السابقة خاصة على مستوى الصياغة في باب الحقوق والحريات فضلا عن انه وقع التخلي على بعض العبارات على غرارعبارة "التدافع الاجتماعي"، لكن من وجهة نظره "هناك تنصل واضح من التنصيص على المساواة بين الرجل والمرأة بشكل واضح وصريح حيث تم التطرق إلى المرأة في باب الحريات في ثلاث مناسبات تم فيه مجانبة مبدأ المساواة." وأوضح بن مبارك أن التوطئة تتضمن مسالة خطيرة جدا تتمثل في الاعتماد على المرجعية الدينية من خلال الفقرة الثانية التي تضمنت عبارة "وتأسيسيا عل ثوابت الإسلام ومقاصده.." كما أن اعتماد المبادئ الكونية لحقوق الإنسان يكتنفه الغموض خاصة أن الفصل اقترن بعبارة "بما ينسجم وخصوصية المجتمع التونسي". أما فيما يتعلق بالنظام السياسي فقد أشار بن مبارك إلى انه رغم التطور الايجابي الحاصل والذي يتعلق من وجهة نظره بمبدأ تقسيم الصلاحيات التنفيذية بين رئيس الحكومة والجمهورية فانه تشوبه نقطة سلبية بالنظر إلى أن حق الاعتراض الذي تم إسناده لرئيس الجمهورية لعدد من مشاريع القوانين أمام مجلس النواب للمصادقة عليه بأغلبية مطلقة بالنسبة للقوانين العادية وبأغلبية معجزة بالنسبة للقوانين الأساسية ومن الأفضل أن يصادق رئيس الجمهورية على مشاريع القوانين سواء كانت عادية أو أساسية. وذكر رئيس شبكة دستورنا أن الإشكالية الكبرى تتمثل في مدنية الدولة لاسيما فيما يتعلق بالفصل الأول والثاني والفصل 135 فالفصل الثاني يتعرض صراحة إلى الصبغة المدنية للدولة إلا أن الفصل 135 ينص على انه "لا يمكن تعديل الدستور بما يتعارض مع الإسلام كدين للدولة وهو ما يؤشر لوجود فصول متعارضة." بيع وشراء سياسي وقال بن مبارك:"هذه المسودة لاروح ذكية فيها وإنما هي نتيجة عملية بيع وشراء سياسي" مشيرا إلى أن مسالة البحث عن توافقات ضرورية حتى لا يفقد الدستور روحه ويصبح مجرد ترضية بين الطرفين". وأكد المتحدث في نفس السياق على وجود صعوبات خاصة على مستوى النظام السياسي فضلا عن وجود فصول وسيناريوهات مؤسساتية غير واضحة على غرار تركيبة المحكمة الدستورية. ووصف بن مبارك أن النص الذي يهم حق الإضراب "بالكارثي" فيه تقييد غير مقبول كما أن هنالك تقييد اعتباطي لحق الوصول إلى المعلومة وخاصة حرية التعبير والرأي التي تم تقييدها بعدم الإخلال بالأمن العام علما ان الفصل121 الذي يهم هيئة الاعلام فان صيغته الحالية قد تخلق تجاذبات عديدة استنادا الى انه يؤشر لوزارة اعلام جديدة.. مشروع أم مسودة من جهة أخرى تساءل أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ عن طبيعة هذا النص المقدم هل هو مشروع أم مجرد نص مجهول الهوية ام هو فعلا يمثل المسودة النهائية. وأضاف محفوظ أن هذا النص قدم للجنة من الخبراء وطلب منهم أن يدلوا بملاحظاتهم في ظرف 5 أيام وهو ما يحيل إلى تساءل مهم: أي دور لهذه اللجنة؟ هل ستدخل تحسينات لغوية على المضمون أم ستتدخل في الصياغة؟ مشيرا في هذا السياق انه قد يتفهم انسحاب بعض الخبراء من هذه اللجنة بالنظر إلى أنهم لا يريدوا أن يكونوا شهود على نص يعطي مشروعية على عمل اللجان لاسيما في ظل تعالي بعض الأصوات تؤكد أن لجنة التنسيق والصياغة قد غيرت المضامين المتفق عليها. تلاعب كبير أما على مستوى المضمون بين محفوظ أنه رغم التحسينات التي تبقى دون المأمول فانه لمس تلاعبا كبيرا، وقال إن المسودة النهائية "لا تعكس محاولة الوفاق وإنما التلفيق" على حد تعبيره. وهو ما ينص عليه الفصل المتعلق بالحقوق الكونية وبمدنية الدولة مشيرا إلى أن بعض الفصول لم تتنصل من مبدأ تهديد الحريات وهو ما يحيل الى الفصل 5 الذي ينص على ان الدولة حامية للمقدسات كما أن إمكانية التصادم موجودة استنادا الى انه لم يحسم بعد في نظام الحكم. تدمير للوفاق وعلاوة على العبارات التي تهدد الحريات والتي تولى محفوظ ذكرها على غرار ثوابت الاسلام والدولة حامية للمقدسات فان اخطر فصل وفقا لمحفوظ هو الفصل 148 الذي يمثل تدميرا للوفاق على حد تعبيره إذ ينص الفصل على انه "لا يمكن لأي تعديل دستوري أن ينال من الإسلام باعتباره دين الدولة." واعتبر أستاذ القانون الدستوري في هذا الصدد أن إرادة كبيرة خاصة لدى حركة النهضة التي لا تريد إنهاء هذه المسالة وتعمل على إطالتها قدر المستطاع وهو ما يحيل إلى إمكانية وجود مخططات على حد قوله. وكشف من جانب آخر عضو المجلس الوطني التأسيسي هشام حسني إلى أن هيئة التنسيق والصياغة التي تجاوزت صلاحياتها وتدخلت في المضمون رغم أنها قانونيا ليست مخولة لذلك, عمدت إلى حذف هيئتين دستوريتين دون أن تعود بالنظر إلى اللجان وهما :هيئة التنمية المستدامة وهيئة مقاومة الفسادلا كما قامت بتجاوزات اخرى تتمثل في تدخلها في مضامين الفصول. واعتبر حسني ان المسودة النهائية بعض فصولها خطيرة على غرار التوطئة التي تحيل إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فضلا عن الفصول المقيدة للحريات لاسيما حق الإضراب الذي قيد بعدم إخلاله للأمن مشيرا الى ان المسودة النهائية من الصعب ان تحظى في قراءتها الأولى باغلبية الثلثين وبالتالي فان الاستفتاء يبقى آلية واردة.