أثارت مسألة إصدار بطاقة جلب في حق الجامعية رجاء بن سلامة، على خلفية نقد كانت وجهته لأحد نواب حزب حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي والمقرر العام للدستور الحبيب خضر، ردود أفعال واسعة في مختلف الأوساط على مستويين وطني ودولي خاصة منها الأوساط الثقافية والفكرية والحقوقية. وقد تمثلت في صدور بيانات تستنكر مثل هذه الممارسات ضد أهل الفكر والثقافة وتندد بها فضلا عن رسائل الدعم والمساندة للجامعية التونسية. وذلك من منطلق فرضية أن خيار اللجوء إلى القضاء لحل مسألة خلافية متصلة بالحياة العامة، ومن ازدواجية المعايير في إثارة الدعوى العمومية من قبل النيابة العمومية فيه ضرب للحريات ويؤشر لعودة القمع. مع العلم وأنها ليست المرة الأولى في فترة حكم أول حكومة منبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر، يجد فيه جامعيون ومثقفون ومفكرون أنفسهم عرضة للتتبعات القضائية. وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذة رجاء بن سلامة كانت أدلت مؤخرا بتصريح في برنامج "بلا مجاملة" على قناة حنبعل مفاده أن النائب الحبيب خضر، المقرّر العام للدستور بالمجلس الوطني التأسيسي، قد قام بتحوير محتوى الفصل 26 من مسودّة مشروع الدستور والمتعلق بحرية الرأي والتعبير والإبداع، وذلك مقارنة بصياغته الأولى التي اتفقت عليها اللجنة التأسيسية للحقوق والحريات. وشبّهت ما أتاه النائب المذكور مجازا، بخيانة مؤتمن وقد استندت في تصريحاتها، إلى مقارنة بين مضموني الصياغة الأولى للفصل 26 محل اتفاق اللجنة المذكورة من جهة، والصياغة الثانية التي تمّ اعتمادها في مسودّة مشروع الدستور. فتقدم النائب بالمجلس الوطني التأسيسي بشكاية ضدّها لدى المحكمة الابتدائية بتونس. وتمّت إحالتها أمام مكتب التحقيق 3 بتهمة "نسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي متعلقة بوظيفته عن طريق وسيلة إشهارية دون الإدلاء بما يثبت ذلك. ولدى اتصالنا بها حول الموضوع أفادتنا الأستاذة رجاء بن سلامة قائلة "طبعا كان بإمكان السيد الحبيب خضر الرّد والتّوضيح بدل تقديم الدّعاوى، لكنّه في ما يبدو ضيّق الصّدر بالنّقد. فهو يتغاضى على الشتائم التي تكيلها له بعض الشّخصيات المعروفة في الوسط الإعلامي والسياسيّ، لكنّه لا يقبل فيما يبدو أن تكون امرأة مثلي خصما سياسيّا، ولعلّه اكتشف حديثا أنّ "المرأة إنسان" كما قال. وهو كذلك لا يفصل بين شخصه ووظيفته، ولذلك لم يفهم المراد من كلامي عندما تحدّثت عن وجود مشكل أخلاقيّ في آليّات أخذ القرار بالمجلس التأسيسيّ، فأوّل كلامي على أنّني أطعن في أخلاقه هو كشخص، وعلى هذا الأساس أقام الدّعوى ضدّي" واضافت " لا علاقة لي بالحبيب خضر الشخص، ولا أعرفه، ولا تهمّني "أخلاقه"، بل يهمّني مدى احترامه لقرارات اللجان وللقيم الدّيمقراطيّة". في المقابل رفض النائب الحبيب خضر الإدلاء بتصريح لدى اتصالنا به معتبرا أنه طرف في القضية ويلتزم بعدم التصريح في الموضوع. غير أنه متمسك بحقه في تتبع خصمه قضائيا. مساندة واستنكار وقد أعربت عديد الأفراد وخاصة من جامعيين ومثقفين وطلبة ومجتمع مدني فضلا عن منظمات انسانية وحقوقية داخل تونس وخارجها عن مساندتها للجامعية التونسية رجاء بن سلامة على اعتبار أنها تمثل أحد رموز الفكر والثقافة والفكر الإنساني في بلادنا، معتبرين مسألة مثول جامعية على خلفية إبداء رأي يعد على غاية من الخطورة على اعتبارا أن حرية الرأي والتعبير من أوكد الحقوق الكونية للإنسان، وإلى أنها من أهم مكاسب ثورة 14 جانفي2011، وأن حرية الرأي والتعبير تشمل أيضا حرية النظر والنقد. إضافة إلى اعتبار أنه من أبرز مقتضيات المواطنة المشاركة في الشأن العام بإبداء رأي نقدي في السياسات العمومية وفي النصوص القانونية وفي مشاريعها، وكذلك في السلوك العمومي الخارجي للقائمين على شؤون الحكم. كما نددت هذه الجهات بما "تعرضت له المناضلة المثقفة رجاء بن سلامة من حملات تشويه وتكفير وتدخل في حياتها الخاصة خلال الفترة الأخيرة، دون تتبع قضائي" وعبرت عن تضامنها التام واللامشروط مع رجاء بن سلامة في محنتها؟ اضراب بالجامعة واحتجاج من جهة أخرى أكد الحبيب الكزدغلي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة أن الأساتذة الجامعيين بالكلية سيدخلون اليوم في إضراب عن العمل لنصف يوم، إضافة إلى تنظيم وقفة احتجاجية سلمية أمام المحكمة الابتدائية بتونس لمساندة زميلتهم. وبيّن أن أكثر من أربعة آلاف من نشطاء المجتمع المدني في تونس والخارج قد أمضوا على بيان المساندة لرجاء بن سلامة. كما عبر عن استنكاره لما وصفه بتكرر مثل هذه الممارسات ضد الجامعيين والمثقفين في ظرف وجيز مازال فيه البعض يتلقى التهاني من جهات أجنبية بالنجاح في إزاحة نظام ديكتاتوري لتفاجئهم ما اسماه "بالاعتداءات" المتكررة على المثقفين والمفكرين والمبدعين وسط استغراب وتخوف الجميع من عودة آلية القمع والتهميش للنخب الوطنية. واعتبرها بمثابة نقاط سوداء تسجل في تونسالجديدة وتحجب الرؤية عن المسار الديمقراطي المنشود الذي يفسح مجال أرحب للحريات في الفكر والرأي والإبداع دون تضييقات أو تنغيصات. علما أن الحلقة السادسة من مسلسل مثول هذا العميد أما القضاء سيكون يوم 28 من مارس المقبل.