تخيم الأحداث الأمنية الأخيرة التي تعيشها تونس على الوضع الاقتصادي بامتياز. ويؤكد المختصون والمحللون أن تداعيات حادثة اغتيال شكري بلعيد ستزيد من قتامة الوضع الاقتصادي على أكثر من صعيد. وأول الانعكاسات السلبية المباشرة عرفتها سوق الأوراق المالية أول أمس بعد تسجيل انخفاض بحوالي 3 بالمائة بعد موجة كبيرة من بيع الأسهم. ودفعت هذه التداعيات سوق الأوراق المالية لاتخاذ جملة من التدابير لمجابهة كل تغيير غير مبرر لأسعار أسهم الشركات في البورصة وذلك بالتشاور بين هيئة السوق المالية وبورصة تونس للاوراق المالية والمهنيين الوسطاء بالبورصة وشركات التصرف في المحافظ. وشملت هذه الإجراءات العاجلة تحديد هامش تغير اسعار الاسهم على مستوى اوامر الشراء بنسبة 6 بالمائة عوضا عن مستوى 12 بالمائة. وكل اوامر الشراء التي تسجل تغيرا يتجاوز نسبة 6 بالمائة سواء كان نحو الارتفاع او الانخفاض سيتم حذفها اليا بداية من أمس من قبل الوسطاء بالبورصة. حالة ترقب ورغم نجاح هذه الإجراءات نسبيا في تأمين عودة الارتفاع تدريجيا لمؤشر تونانداكس بداية من أمس وما ساهم به خطاب رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي بشأن تشكيل حكومة كفاءات من طمأنة للمستثمرين في البورصة إلا أن حالة الترقب وعدم اليقين ستواصل تخييمها على سوق الأوراق المالية لمعرفة ما ستفرزه الساعات القادمة من اتفاقات وتفاعلات مع مبادرة حمادي الجبالي. وربما ستزيد التصريحات الأولى الصادرة عن بعض السياسيين سواء من "الترويكا" أو المعارضة في ضبابية الرؤية بشأن مصير مبادرة الانقاذ وبالتالي تعميق حالة الخوف التي تخيم على المتعاملين في بورصة الأوراق المالية. الأمر ذاته في ما يتعلق ببقية الشركاء الاقتصاديين والمستثمرين ووكالات الترقيم الدولية وهياكل التمويل العالمية إذ يؤكد بعض المختصين في المجال الاقتصادي ممن تحدثت إليهم "الصباح" أن حادثة الاغتيال وإفرازاتها في الساعات والأيام القليلة القادمة تلقي بظلالها على المتعاملين الاقتصاديين مع تونس سواء صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي في ما يتعلق بتفعيل الاتفاقات الخاصة بالقروض والمساعدات التي سيتمّ منحها لتونس من عدمه. وكالات الترقيم بدورها ترصد وكالات الترقيم الدولية الوضع في تونس ومن المؤكد وفقا للمحللين أن الأحداث الأخيرة على الساحة السياسية ستعمق المؤشرات السلبية على الوضع الاقتصادي التونسي وبالتالي قد تعمد هذه المؤسسات إلى الحط مرة أخرى من تصنيف تونس. كما لا يجب إغفال تداعيات منعرج حادثة الاغتيال على الاستثمار الأجنبي في تونس الذي لم يسترجع نسقه العادي في تونس منذ الثورة فغادر البعض نحو وجهات استثمارية أخرى في حين ظل البعض في حالة ترقب على أمل وضوح قريب في المشهد السياسي وبوادر استقرار لمؤسسات الدولة لكن فتح باب الاغتيالات السياسية في تونس وبداية الحديث عن مخاوف من حرب أهلية وتعمق حدة الاحتقان بين الفرقاء السياسيين قد تعجل في حسم بعض رؤوس الأموال والمستثمرين المترددين موقفهم بشأن مغادرة تونس نهائيا باتجاه وجهات استثمارية أخرى. القطاع السياحي يعدّ أيضا توقيت حادثة الاغتيال وتداعياته المفتوحة على كل حل احتمالات الضربة الموجعة للقطاع السياحي حتى لا نقول الضربة القاصمة إذا ما تطورت الأحداث أكثر في الساعات القادمة. ويؤكد المهنيون في القطاع أن العديد من وكالات الأسفار الأجنبية ومنظمي الرحلات استقبلوا باستياء التطورات الأخيرة وسارعوا بالاتصال بشركائهم في تونس للاستفسار في إشارة سلبية إلى امكانية الغاء الحجوزات والعدول عن برمجة الوجهة التونسية لا سيما وأن هذه الفترة حاسمة في برمجة الرحلات للموسم الصيفي. ويتوقع المهنيون في القطاع السياحي مزيدا من القتامة لصورة تونس في الأسواق السياحية. كما يعتبرون المستجدات الأخيرة جاءت لنسف كل المجهودات التي قام بها المهنيون بالشراكة مع وزارة الإشراف لترقيع الصورة السلبية التي تركتها أحداث السفارة الأمريكية وما بثته القنوات الفرنسية عن التواجد السلفي والجهادي في تونس حيث كانت تداعياته وخيمة على مستوى تراجع عدد السياح الوافدين.