ما تزال "المبادرة" التي أعلن عنها الوزير الأول السابق، الباجي قائد السبسي، تثير الكثير من الجدل وردود الفعل في الأوساط السياسية والحزبية، بين مؤيد ورافض ومتحفظ. لكن الشيء المؤكد أن هذه المبادرة، ورغم الكثير من التساؤلات التي تطرحها، حول توقيتها والغاية منها والمعنيين بها، قد حركت المشهد السياسي على نحو غير مسبوق، وطفقت الأحزاب، خصوصا التي توصف ب "الصغيرة"، أو تلك المحسوبة على "الدستوريين"، أو ما يعرف ب"الأحزاب الوسطية"، تبحث عن صيغ تحالفية للخروج من الشتات الذي تعيشه، والعزلة المجتمعية والسياسية التي تعاني منها منذ انتخابات أكتوبر الماضية. ربما لا نبالغ إذا ما قلنا إن مبادرة "سي الباجي"، قد أحيت أحزابا مواتا، ونفخت الروح في البعض الآخر ممن يئس من العمل السياسي خلال الفترة الماضية، لكنها أزعجت بالتأكيد أحزابا فاعلة في الساحة السياسية، كانت تعتقد أنها ستقود مثل هذا التيار الذي بشر به الباجي قائد السبسي، لذلك جاء تأييدها للمبادرة من باب يد الله مع الجماعة، فيما هي تنظر إليها بعيون وجلة، وقلوب متوجسة, يقينا منها أن "إعلان الباجي" سيهز كيانها الهش أصلا، وقد يجعلها في ذيل قائمة الأحزاب التي سيكون لها وزن في مشهد سياسي لم يتشكل بصورة نهائية بعد.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في ضوء التحالفات الجديدة والسريعة التي بدأت تظهر بعد سويعات قليلة من إعلان المبادرة هو: إلى أي مدى ستجسد هذه الأحزاب، "البديل" الذي تحدث عنه الباجي قائد السبسي؟ بعبارة أخرى، هل يمكن أن تكون هذه التحالفات بين أحزاب غير ممثلة شعبيا، بل حديثة عهد بالعمل السياسي، بديلا للحكم الراهن الذي تقوده أحزاب النهضة والمؤتمر والتكتل؟ وهل يكفي حمل شعار "الوسطية"، لكي تتمثّل بعض الأحزاب "البديل" المنتظر؟ بقدر ما تبدو الساحة السياسية بحاجة ماسة إلى تحالفات على اليسار واليمين، لجعل الحضور الحزبي ذا فاعلية في المشهد السياسي ببلادنا، وليس مجرد ديكور، أو ظاهرة إعلامية، تحتاج البلاد إلى توازن سياسي حقيقي بين الحكم والمعارضة، من شأنه تجنيب الحكم مزالق الاستبداد والانفراد بالرأي، من ناحية، وتقوية المعارضة، التي يفترض أن تكون العين الساهرة على حماية "الموديل" الديمقراطي التونسي، من ناحية أخرى، بعيدا عن أية مزايدات من شأنها تقويض التجربة التونسية الوليدة، أو النكوص بمطالب الثورة على عقبيها..