كان الزعيم الراحل ياسر عرفات أول من أطلق عبارة "جنين غراد" في وصف المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي في 2002 والتي انتهت - حسب التقارير الأممية - الى اغتيال 58 فلسطينا دون اعتبار الدمار والخراب الذي استهدف المخيم والذي تمت تسويته بالأرض... اليوم يعود الحديث عن مخيم جنين ليعيد إلى الذاكرة وقائع تلك الجريمة بعد اغتيال أحمد جرار ابن مخيم جنين وهو أيضا ابن شهيد ارتقى في معركة جنين 2002... جنين ليس مجرد مخيم في سجل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، فجنين عقدة الاحتلال الذي لم ينس خسائره الباهظة هناك ولم يسقط من ذاكرته ما ألحق به المخيم من خسائر في صفوف قواته المدججة بأعتى انواع السلاح... مخيم جنين او "جنين غراد" هو العنوان الذي أرق الاحتلال الاسرائيلي الذي يعود بعد 17 عاما ليصب نيرانه على المخيم... جريمة جنين تأتي في إطار تصعيد خطير للاحتلال في الاراضي المحتلة وهو تصعيد يجد له في رسائل الادارة الامريكية المتكررة ضوء أخضر لمواصلة تلك الجريمة بمواصلة الاعتقالات والاغتيالات وسياسة التهويد.. اذ وبعد قرار الرئيس ترامب نقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدسالمحتلة وبعد قراره تخفيض المساعدات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين وبعد كل التسريبات عن "صفقة العصر" التي تحولت الى "صفعة"، يبدو ان سلطة الاحتلال وجدت لها في ذلك ما يدفعها الى مواصلة العبث وتكرار سيناريو جنين غراد على طريقتها.. أسطورة جنين التي كتبت بدماء شهداء المخيم اسقطت في حينها بقية من قناع عن الميثاق الاخلاقي الزائف للجيش النظامي الارهابي.. وبرغم ما ألحقته القوات الاسرائيلية من خسائر مادية وبشرية لأهالي المخيم ومن استعمال للأسلحة المحرمة، فقد سجل جنين صمودا بطوليا لأهاليه الذين صمدوا طوال اثني عشر يوما فشلت قوات الاحتلال عن اختراق أسواره والقضاء على قائمة الفدائيين المطلوبين للاحتلال.. وبعد ان سقط في المعركة 24 جنديا اسرائيليا تم تطويق المخيم جنين بأربعمائة دبابة وتم الاستعانة بأسطول من الطائرات العسكرية لاجتياحه وتحويله الى مقبرة جماعية تابع العالم أطوارها وعجزت كل الانظمة والحكومات والهيئات الحقوقية الدولية عن ايقافها.. قوات الاحتلال لم تنس ما تكبدته في هذا المخيم قبل سنوات فكانت عودتها هذا الاسبوع لاغتيال الشاب أحمد جرار بدعوى تورطه في عملية قتل حاخام إسرائيلي.. خلال مجزرة جنين شاركت طائرات ال"آف 16" الأمريكية الصنع في قصف المخيم ونشرت تقارير اسرائيلية أن المروحيات الإسرائيلية أطلقت 300 صاروخ على المخيم... وكتب احد جنود الاحتياط أنهم تلقوا أوامر بإطلاق الرصاص على كل شيء وقيل لهم بوضوح "حطموهم، وأطلقوا النار على كل شيء يتحرك في المنطقة". وقامت الجرافات الاسرائيلية بتسوية المخيم بالأرض.. كتب صحفي الماني بعد زيارته المخيم إبّان المعركة "كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا... لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز. ما فعله الجانب الإسرائيلي يحمل نفس أعمال النازيين في أوشفيتس".. سنة 2008 توفرت لي زيارة الضفة الغربية والتوقف في مخيم جنين والاستماع لشهادات الاهالي عن تلك المعركة البطولية.. صحيح انه اعيد بناء واعمار المخيم أفضل مما كان ولكن في كل شبر وفي كل ركن فيه حكاية من حكايات ابناء المخيم وصورة من صور الشهداء الذين وثقوا اطوار معركة في سلسلة معارك طويلة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.. جنين ملحمة لم تكتب بعدُ، فهي معركة في حرب وجود طويلة لم يقل الفلسطينيون بعد الكلمة الاخيرة فيها..