خلال أشهر الثورة ناضل الجيش من أجل حماية الحدود من تسسل عناصر تنظيم القاعدة ومن أجل حماية المؤسسات السيادية للدولة والمنشآت العامة ووفر للتونسيين مناخا ساعدهم على النأي بالبلاد عن مزالق الفوضى أعربت القوى السياسية والديمقراطية التونسية بمناسبة احتفال الجيش بالذكرى 56 لانبعاثه عن تقديرها الكبير للجهود التي بذلتها المؤسسة العسكرية منذ قيام الثورة في حماية العملية السياسيةمنوهة بإعتزازها بحياد المؤسسة العسكرية تجاه العملية السياسية ووقوفها عل نفس المسافة بين الفاعلين السياسيين. ويعترف السياسيون التونسيون ان الجيش تحمّل الكثير من الصبر خلال أشهر الثورة ونجح في تأمين حق المواطنين في الاحتجاج والإعتصام مضيفين أن الأزمات التي مرت بها البلاد كان بإمكان الجيش أن يستغلها للارتقاء للحكم إلا أن الروح الوطنية العالية وإيمان القيادات العسكرية بمدنية الدولة وبحق المجتمع في الديمقراطية جعلت من المؤسسة العسكرية عنصر توازن وضمان للعملية الديمقراطية رافضة الزج بالبلاد في الحكم العسكري. وكان الدور الذي اضطلع به الجيش التونسي في المرحلة التي أعقبت ثورة 14 جانفي 2011 تجسيدا لانتصار هذه المؤسسة العسكرية لإرادة الشعب التونسي في الحرية والكرامة والديمقراطية. ومنذ اندلاع الشرارة الأولى لثورة الحرية الكرامة استبسل الجيش في حماية المسار الثوري وحافظ على خيط رفيع من المهنية والوطنية بين دوره في حفظ أمن البلاد واستقرارها من جهة وتمكين التونسيين من حق الاحتجاج والنضال من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة. من يلقي نظرة على تسلسل الأحداث التي شهدتها تونس طيلة سنة ونصف بإمكانه أن يلاحظ أن الجيش تحمل الكثير من الصبر والعناء والضغط الاجتماعي نتيجة حالات الانفلات الأمني والاحتقان وكذلك خطر تسلل المجموعات المسلحة إلى التراب التونسي، فغالب صعاب دقة المرحلة وكان حصنا منيعا في الدفاع عن قيم الثورة من خلال روح التسامح التي تحلى بها في تعاطيه مع الأحداث. قد يعتبر البعض أن هذا الدور هو طبيعي باعتباره من مهام المؤسسة العسكرية، لكن الأمر أهم من ذلك بكثير فقد نأى الجيشالتونسي بنفسه عن العملية السياسية دون أن يستهدفها أو يتخلى عنها، وبقدر ما رسم مسافة بينه وبين المشهد السياسي ووقف على نفس المسافة بين جميع الفاعلين السياسيين بقدر ما ناضل من أجل حماية المسار السياسي وكان حاضرا بكل مهنية في إنجاح المحطات وفي مقدمتها انتخابات المجلس التأسيسي. في كثير من الدول التي سقطت أنظمتها السياسية سارعت الجيوش لتسرق ثورة الشعوب ونصبت نفسها منقذا للبلاد وأعلنت "البيان الأول" تحت مسميات عديدة وفي مقدمتها حماية الدولة وفرض الأمن وتحولت أنظمة تلك البلدان من أنظمة سياسية مدنية إلى أنظمة عسكرية تئن تحت وطأة مؤسسة عسكرية حرمت الشعوب من الحق في الديمقراطية. لكن المراقبين يلاحظون أن الجيش التونسي تسلح برؤية وطنية عميقة في تعاطيه مع دقة المرحلة التي تمر بها تونس ، رؤية نعتقد أنها تعكس اقتناعا لدى قيادتها وفي مقدمتها رشيد عمار بأن تونس ذات المؤسسات المدنية العريقة ليست في حاجة إلى تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي ولا إلى نظام عسكري بقدر ما هي في حاجة إلى دولة مدنية قوية ونظام سياسي يعمل على وضع برامج تنموية تستجيب لتطلعات مختلف الفئات الاجتماعية. خلال أشهر الثورة ناضل الجيش من أجل حماية الحدود من تسسل عناصر تنظيم القاعدة ومن أجل حماية المؤسسات السيادية للدولة والمنشآت العامة ووفر للتونسيين مناخا ساعدهم على النأي بالبلاد عن مزالق الفوضى والفتنة رغم حالات التشنج السياسي والاحتقان الاجتماعي وتمكنت تونس من أن تخطو رغم الصعوبات خطوات نحو الديمقراطية. وعلى الرغم من الفترات الحرجة التي مرت بها تونس وما رافقها من انفلات أمني وإعتصامات وعصيان مدني كانت يمكن أن تكون مدخلال ليتولى الجيش الحكم إلا أن القيادة العسكرية التي نأت بنفسها عن التجاذبات السياسية حرصت على تعبيد الطريق أمام التونسيين لينحتوا بأنفسهم مستقبل عملية الانتقال الديمقراطي. وواصل الجيش منذ بروز أول مؤشرات تدهور الأوضاع الأمنيةبليبيا القيام بتركيز النواة الأولى لمخيم الشوشة بالجنوب التونسيفي شهر فبراير كانون الثاني 2011 الذي لا يزال يحتضن حوالي2500 لاجئ ينتظرون ترحيلهم الى بلدان أخرى غير أوطانهم من قبل المنظمات والهيئات الدولية الإنسانية. ووفق معطيات من وزارة الدفاع ، نجح الجيش فى التعامل معمليون و700 ألف لاجئ من 140 جنسية على مستوى الاستقبالوالإيواء والإحاطة الشاملة بالرغم من صعوبة المرحلة وبعضالإشكاليات المتعلقة بالتنسيق وبالترحيل مع المنظمات الأمميةوالإنسانية. ومواكبة لمتطلبات الديمقراطية الناشئة انضمت تونس بعد الثورة إلى مركز المراقبة الديمقراطية للقوات المسلحة بجنيف لتكون بذلك ثانى بلد عربى بعد لبنان ينضم إلى هذا المركز المهتم بالتنمية والتسيير الرشيد لقطاعى الدفاع والأمن. وستستفيد المؤسسة العسكرية في إطار هذا المركز من تجارب عدة دول فى مجال التسيير الديمقراطي بما يساهم فى تطوير أداءالجيش والقيام بمهامه ليكون فى خدمة الشعب والنظام الدستوريفى نطاق ما يقتضيه القانون المنظم له. 23 جوان 2012