[كتبه كاردينال ميلانو : أنجيلو سكولا] لاطلاع القراء على وجهة نظر بعض جماعات الضغط الغربي وبعض رجالات الدين في أوروبا , تنشر الوسط التونسية هذا المقال لكاردينال ميلانو أنجيلو سكولا , وذلك للاحاطة بمختلف وجهات النظر التي تلامس مسار الربيع العربي والثورة التونسية...راجية للقراء قراءة ممتعة واطلاعا واسعا على مايكتب دوليا بخصوص الشأن الوطني... الكاردينال أنجيلو سكولا -صحف-الوسط التونسية: حول هذا الموضوع تلتئم في تونس يومَي 18 و 19 حزيران لجنة الواحة الدوليّة. يقع مقرّ هذه المؤسّسة في مدينة البندقيّة الإيطاليّة، لكنّها تتواجد في جميع أنحاء العالم بفضل شبكة كثيفة من الأشخاص الذين يشاركون في مشروعها، وهي تشجِّع على اللقاء والمعرفة المتبادلة بين المسيحيّين والمسلمين بهدف بناء حياة صالحة لمجتمعاتنا التعدّديّة. سيشهد المؤتمر التونسي حضور شخصيّات إسلاميّة ومسيحيّة تتبادل آراءها من أجل فهم أفضل لمستقبل البلدان التي تعيش مرحلة الانتقال الديمقراطيّ وانعكاساتها على الغرب أيضًا. بالتزامن مع ذلك، يصدر العدد الجديد من المجلّة المتعدِّدة اللغات (باللغة العربيّة، وكذلك بالإيطالية والفرنسيّة والإنكليزيّة) المخصّص لموضوع “علامَ تستند الدول. القانون، الدساتير، الشريعة؟» يُخبر عنوان لجنة تونس وعنوان المجلّة على السواء باختصار عن اهتمامات الواحة التي يجد عملُها، ومنذ عام 2004، نواتَه المنهليّة في استكشاف كامل سعة الحياة المسيحيّة. وقد تطوّر هذا العمل وفق ثلاث دوائر متراكزة. الدائرة الأولى، وهي أقربها إلى المركز، هي دائرة الجماعات المسيحيّة في البلدان ذات الأغلبيّة الإسلاميّة. تتمثل هذه الجماعات بملايين عديدة من المؤمنين الذين يعيشون في ظروف صعبة تصل أحيانًا إلى الشهادة. فاحتياجات الأقليّات المسيحيّة هذه ليست ماديّة فحسب (من المدارس إلى المستشفيات والعمل...)، بل تتناول أيضًا التعبير الثقافيّ عن إيمانها. استطعتُ شخصيًّا أن ألمس لمس اليد هذه الحاجة في نهاية التسعينيّات خلال مأدبة غداء مع بعض الأساقفة السوريّين الذين طلبوا منّي مساعدة “ثقافيّة”، أي إذا ما كان بإمكاننا المساهمة في توفير وسائل تساعدهم - وبلغتهم - في ذاك السياق على ترجمة وعيش أسرار الحياة المسيحيّة في كلّ أبعادها، وفي كلّ تبعاتها، بما فيها الاجتماعيّة والسياسيّة والعلائقيّة مع باقي الأديان. غير أنّ الخطوة نحو دائرة اهتمام الواحة الثانية، أي شعوب الإسلام، كانت وجيزة انطلاقًا من هذه النواة الأولى. لم تغيِّر دراسة القرآن والعلاقات بين السنّة والشيعة والعلاقة ما بين الإسلام والتحوّل الديمقراطي، على سبيل المثال لا الحصر، من طبيعة الاهتمام الأصليّ نحو الأقليّات المسيحيّة، بل العكس هو الصحيح. وذلك لسبب بسيط جدًّا، إذ لا يمكن التحدّث عن المسيحيّين الذين يعيشون في هذه البلدان دون اعتبار المجتمعات الإسلاميّة التي ينخرطون فيها والتي غالبًا ما يشاركونها مصاعبها وتطلّعاتها. ففي مجال حريّة العبادة والحرية الدينيّة، التي تتضمّن حريّة التحوّل إلى دين آخر، وفي مجال الحريّات المدنيّة وحرّيّة المشاركة في إدارة الشأن العامّ، وفي توزيع الثروات ليس المطلوب معاملةٌ مميّزة للبعض، بل حقوقٌ للجميع . بهذه الطريقة يمكن للمسيحيّة أن تُظهر في هذه المجتمعات أيضًا أهميّتها الثقافيّة، مقدّمة المساهمة التي يمكن أن تقدِّمها لبناء حياة صالحة شخصيّة وجماعيّة. بالطبع، ليس هذا ممكنًا دائمًا ولا في أيّ مكان. فحيث يهيمن خطاب أصوليّ، لا بدّ من إدانته بسبب الشرّ الذي يمثِّله: ليس للأقليّات فقط، بل أيضًا للمسلمين. تبقى خطوة ثالثة يجب متابعتها، أعتبرها حاسمة بالنسبة لمستقبل الواحة، ألا وهي تبيان متزايد لكيفيّة التقاطع بين مواضيع الواحة وطموحات الشعوب الإسلاميّة والأقليّات التي تعيش بينها، بل أيضًا مع القضايا الأساسيّة للمجتمعات الغربيّة على حدٍ سواء. إنّنا على اقتناع من أنّه وراء حالة البلدان ذات الأغلبيّة الإسلاميّة الخاصّة، تكمن المسألة الأنثروبولوجيّة على نطاق عالميتها. أيَّ إنسان يريد أن يكون إنسان الألفيّة الثالثة؟ حتّى وإن كان من غير الممكن الدخول هنا في التفاصيل، إنّنا مقتنعون من أنّ وجود المسلمين يحثّ اليوم المسيحيّين (وغير المؤمنين أيضًا) الذين يعيشون في الغرب على الحديث حتّى أقصى الحدود، عن تجربتهم في كونهم رجالاً ونساء. إنّه يجبرهم على طرح الطرق التي يعيشون فيها إيمانهم بشكلٍ محسوس، وأحيانًا إعادة النظر فيها. من الضروريّ، ومن دون فقدان القدرة اللازمة على النقد، القبول بتبادل الآراء مع الأطراف المشاركة في مجتمع تعدّدي، حتّى أكثرها بُعدًا، شريطة أن تعترف بأنّ في كوننا معًا خيرًا عمليًّا يجدر صونه وتنميته. على مسار هذا الدرب تقدِّم الواحة اقتراحها للجميع من أجل الخير المشترك. *كاردينال ميلانو ورئيس مؤسسة الواحة الدولية للحوار بين المسلمين والمسيحيين المصدر : صحيفة الرأي الأردنية -الاحد 17 يونيو 2012