%70 معاملات في السوق الموازية.. قانون جديد لتنظيم التجارة الالكترونية    اليوم..انطلاق عملية تحيين السجل الانتخابي بالنسبة للتونسيين المقيمين بالخارج    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    أريانة : انطلاق بناء قاعتي تدريس ومدرج بمدرسة النصر1 بتمويل من "فاعل خير"    اليوم انطلاق عملية تحيين السجل الانتخابي    المرصد الوطني للفلاحة: انخفاض اسعار الدجاج والبيض    سمير ماجول: القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد ويجب الاهتمام به لتحقيق السيادة والأمن الغذائيين    اندونيسيا تعرب عن الاستعداد لتطوير التعاون مع تونس في مجال الاستمطار والتحول التكنولوجي للطقس    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    قادة العالم يعربون عن تعازيهم بمصرع الرئيس الإيراني ومرافقيه    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    في رحلة "الموت" .. السيراليوني "حاجي" مهاجر كألف وألف في البحر (بورتريه)    مجلس صيانة الدستور في إيران يعلن عن إجراءات جديدة عقب مصرع رئيسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ربع النهائي    كاس تونس لكرة اليد - الترجي الرياضي والنادي الافريقي في النهائي    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    هبوب رياح قوية غدا الاثنين وانخفاض مدى الرؤية الافقية الى اقل من 1000 م بالجنوب    الفيلم التونسي المغربي "كواليس" يحصد جائزتين في المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    المحلل السياسي حسان القبي يتحدث عن لغز طائرة الرئيس الإيراني    "دبور الجحيم"..ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران؟    الحرس الثوري الإيراني: تلقينا إشارة من طائرة الرئيس المفقودة    أولا وأخيرا .. «صف الياجور»    الزمالك المصري يتوج بكأس "الكاف"    الزارات -قابس: وفاة طفل غرقا بشاطئ المعمورة    جندوبة: تحت شعار "طفل ومتحف" أطفالنا بين روائع مدينة شمتو    البنين تعتزم إجلاء 165 من مواطنيها بصفة طوعية من تونس    تراجع توقعات الإنتاج العالمي من الحبوب مقابل ارتفاع في الاستهلاك العالمي    أنصار قيس سعيد اليوم : ''تونس حرة حرة والعميل على برة''    القيروان: الملتقي الجهوي السادس للابداع الطفولي في الكورال والموسيقى ببوحجلة (فيديو)    بعد "دخلة" جماهير الترجي…الهيئة العامة لاستاد القاهرة تفرض قرارات صارمة على مشجعي الأهلي و الزمالك في إياب نهائي رابطة الأبطال الإفريقية و كأس الكاف    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    محلل مالي : البنوك اصبحت تفرض شروطا صعبة في اسناد مختلف أنواع القروض    السيارات الإدارية : ارتفاع في المخالفات و هذه التفاصيل    نابل: اختتام شهر التراث بقرية القرشين تحت شعار "القرشين تاريخ وهوية" (صور+فيديو)    روعة التليلي تحصد الذهب في اليابان    نابل: تضرّر ما يقارب 1500 هكتار : «الترستيزا» مرض خفي يهدّد قطاع القوارص    طقس اليوم ...امطار مع تساقط البرد    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    المنستير: القبض على 5 أشخاص اقتحموا متحف الحبيب بورقيبة بسقانص    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منظمة حرية وإنصاف : حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

نظرا لتواصل الحصار الأمني المضروب على النشاط الحقوقي والسياسي والإعلامي في تونس وانتشار حالة الخوف بين المواطنين فان التقرير لا يمكنه الإحاطة الشاملة بكل ما يحصل من انتهاكات لحقوق الإنسان في مختلف المجالات والقطاعات والجهات ونحن نجتهد في تقديم صورة على ما أمكن لنا رصده من انتهاكات ومدى خطورتها واتساعها وتكرارها وتنوعها كما نقترح خطوات ضرورية لتطوير واقع الحريات وحقوق الإنسان في البلاد وتجدر الإشارة إلى أن مصادر التقرير وإن كانت بالدرجة الأولى من مجمل البيانات التي أصدرتها المنظمة خلال شهر فإننا نأخذ بعين الاعتبار كل ما تصدره المنظمات الحقوقية المستقلة داخل البلاد و خارجها وما ترصده من انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات العامة في تونس.[/COLOR]
أصدرت 30 بيانا في شهر مقابل 31 بيانا في شهر أوت 2010، ورصدت 78 انتهاكا للحريات الفردية والعامة ولحقوق الإنسان في تونس مسجلة نسبة ارتفاع في حجم الانتهاكات المرصودة بلغت 42 % ويعود ذلك بالأساس إلى انطلاق السنة القضائية وبالتالي ارتفاع نسق المحاكمات السياسية ومحاكمات الرأي إلى جانب تزايد عدد الانتهاكات المسجلة ضد المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين المستقلين بعد نهاية العطلة الصيفية وتنامي النشاط السياسي والإعلامي والحقوقي والنقابي في البلاد.
وقد تميز شهر بتصدر المحاكمات السياسية بنسبة 24 % من جملة الانتهاكات المرصودة مسجلة ارتفاعا مقارنة بشهر أوت 2010 بلغ نسبة 375 % بحكم الانتقال من العطلة القضائية إلى موسم المحاكمات السياسية ومحاكمات الرأي، بنسق مرتفع على امتداد 7 سنوات بموجب "قانون الإرهاب" اللا دستوري، وقد شملت هذه المحاكمات إلى جانب الشباب المتدين (12 محاكمة) محاكمة كلا من الصحفي المولدي الزوابي والمعارض السياسي عضو جامعة الحزب الديمقراطي التقدمي الشاذلي القايدي بمدينة جندوبة، ومجموعة من الطلبة الناشطين في إطار الاتحاد العام لطلبة تونس على خلفية نشاطهم النقابي في كلية التصرف بالمهدية. ويعكس استمرار مسلسل المحاكمات السياسية ومحاكمات الرأي بنفس النسق المرتفع على امتداد سنوات طويلة مراهنة السلطة على الوسائل الأمنية والقضائية لإسكات الرأي المخالف ومحاصرة النشاط السياسية والحقوقي والإعلامي والنقابي الخارج عن دائرة سيطرتها وغياب الحوار الحقيقي مع الشباب بما يساعده على أداء دور طلائعي في تقدم المجتمع والابتعاد عن مسالك الاستقالة والانحلال والجريمة والبحث عن الحلول اليائسة داخل البلاد وخارجها.
كما يتميز شهر بعودة الاعتداءات على المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الانسان الى الارتفاع لتبلغ المرتبة الثانية بنسبة 18 %من جملة الانتهاكات وبارتفاع بنسبة 100 % مقارنة بشهر أوت 2010 وقد شملت هذه الاعتداءات المتكررة المراقبة اللصيقة لعدد من الحقوقيين والصحفيين والنقابيين وبلغ الأمر حد الاعتداء بالعنف اللفظي والمادي ضد آخرين ومنع البعض من حضور تظاهرات تنظمها جمعية مستقلة أو حزب سياسي معارض، كما يجد أحدهم نفسه ضحية محاكمة سياسية بتهمة حق عام ملفقة. وهي مؤشرات جديدة على أن سياسة السلطة في معاملة أصحاب الرأي المخالف لم تتطور باتجاه احترام حرية التعبير والتنظم والتنقل والاجتماع والتظاهر السلمي.
ولا تزال الانتهاكات المتعلقة بالحريات النقابية تحتل موقعا متقدما في ترتيب الانتهاكات حيث تحتل المرتبة الثالثة بنسبة 13 % بعد أن تصدرت الانتهاكات المرصودة في شهر أوت 2010 لأول مرة، وتتعلق هذه الانتهاكات بالحق النقابي وما يتعرض له عدد من النقابيين من مضايقات تصل حد الطرد التعسفي كما تشمل الطرد من الشغل بدون مبرر قانوني وتدهور ظروف العمل في عديد المؤسسات العمومية والخاصة مما أدى في كثير من الحالات إلى لجوء الشغالين إلى تحركات احتجاجية متنوعة مثل الإضراب عن العمل والاعتصام بالمؤسسة أو أمام المعتمدية أو الولاية وحتى قطع الطريق أمام حركة المرور والإضراب عن الطعام لوضع حد لمماطلة الإدارة أو رفضها الاستجابة لمطالبهم الاجتماعية المشروعة.
أما الانتهاكات ضد المساجين والمسرحين والتي بلغت نسبة 10 % لكل منهما فقد عرفت ارتفاعا مقارنة بشهر أوت 2010 بنسبة 60 % و 75 % مما يعني تواصل تدهور معاملة الإدارة للمساجين السياسيين ومعاناة المسرحين في مخالفة صريحة للقوانين والمعاهدات الدولية ولقواعد المعاملة الإنسانية المتحضرة، وفي هذا الإطار سجلنا حالات من الاعتداء بالعنف على السجين والحرمان من الزيارة والإهمال الصحي ومضايقة أفراد العائلة وقد لجا عدد من مساجين الرأي في سجن برج الرومي إلى الإضراب الجماعي عن الطعام للمطالبة بوضع حد لسوء المعاملة وتحسين ظروف الإقامة في انتظار إطلاق سراحهم، وفي نفس السياق يتعرض عدد من المسرحين لمضايقات متعددة بدعوى وجود منشور تفتيش يعود تاريخه إلى مطلع التسعينات (حالة السيد أحمد العماري) أو المراقبة الإدارية أو رفض تمكينهم من حقهم في استخراج وثائق تساعد على إدماجهم في الحياة الاجتماعية مثل جواز السفر وحتى بطاقة العلاج بالإضافة إلى المراقبة الأمنية اللصيقة للبعض منهم للحد من حريتهم في التنقل والمشاركة في الحياة العامة.
أما على مستوى الحريات الإعلامية أو الحريات الشخصية أو الحريات الشخصية أو ملف المهاجرين والمهجرين فإن النسب المحدودة التي لم تتجاوز 6 % من جملة الانتهاكات المرصودة لا تعكس تطورا حقيقيا بل تؤكد استمرار نفس الممارسات في محاصرة الإعلام المعارض والمستقل إلى حد تدخل الإدارة لتعطيل صدور صحيفة "الموقف" أو توظيف القضاء لاستجواب مدير جريدة "الطريق الجديد" والمتابعة الأمنية اللصيقة لبعض الصحفيين المستقلين مع تواصل التضييق الواسع على استعمال شبكة الانترنت، ومن ناحية أخرى نسجل حالات تعدد الشكايات حول الحرمان من الحق الدستوري في الحصول على جواز السفر دون مبرر قانوني في الداخل والخارج، ومن ناحية أخرى تسجل منظمتنا من حين لآخر حوادث مؤكدة تتعلق بمحاولات عديد الشبان التونسيين للهجرة السرية وتعريض حياتهم للخطر.
الحدث الأبرز
رغم نفي السلطة المتكرر لممارسة التعذيب، ورغم مصادقة الدولة التونسية على المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب، ورغم ظن المتورطين في ممارسة التعذيب بأنهم قد أفلتوا من العقاب، فإن الحكم الاستئنافي الغيابي الصادر يوم 24 ضد المدعو خالد بن سعيد (المسؤول الأمني ونائب القنصل السابق) والقاضي بسجنه مدة 12 عاما يؤكد ثبوت الإدانة ضد المتهم، ويدين السلطة التونسية بانتهاجها لسياسة التعذيب وحمايتها للمتورطين فيه.
وقد فشلت كل محاولات تبرئة المتهم من خلال طلب الاستئناف الذي تقدت به الفرنسية للحكم الابتدائي الغيابي الصادر عن محكمة ستراسبورغ ضد المدعو خالد بن سعيد والقاضي بسجنه مدة 8 أعوام غير أن محكمة الاستئناف ازدادت اقتناعا بثبوت الإدانة وشددت في الحكم بالترفيع فيه إلى 12 عاما.
وللتذكير فإن منطلق هذه القضية يعود إلى سنة 1996 عندما تعرضت السيدة زليخة الغربي زوجة اللاجئ السياسي السيد عبد العزيز الغربي للتعذيب بمنطقة الشرطة بجندوبة على يد عدد من أعوان البوليس السياسي تحت إشراف المدعو خالد بن سعيد، وعند اكتشافها لوجوده بفرنسا بصفته نائب قنصل ستراسبورغ سارعت برفع دعوى قضائية ضده سنة 2001.
القضية الأخطر
في محاولة جديدة للتضييق على صحف المعارضة، وبالتحديد صحيفة "الموقف" لسان الحزب الديمقراطي التقدمي تم تعطيل صدور العدد 561 على خلفية تضمنه لمقالين أحدهما حول سرقة أغراض الصحفي العامل بقناة الجزيرة أحمد منصور في نزل بباريس بعد تسجيله لحلقات لفائدة برنامجه "شاهد على العصر" مع اللاجئ السياسي السيد أحمد بالنور كاتب الدولة للأمن السابق، والمقال الثاني حول الإقالة الفجائية للرئيس المنتخب لبلدية المرسى. وذلك بدعوى وجود خلل فني في المطبعة، مما اضطر المدير المسؤول عن الصحيفة الأستاذ أحمد نجيب الشابي إلى الدخول في إضراب عن الطعام رغم وضعيته الصحية التي لا تحتمل تبعات الإضراب، متهما السلطة بالوقوف وراء هذا التعطيل ومطالبا بطباعة وتوزيع العدد المصادر.
وقد لقي هذا الاعتداء استياء واسعا في الداخل والخارج بما مثله من انتهاك صارخ لحرية التعبير والإعلام والصحافة والتضييق على نشاط حزب سياسي معارض معترف به.
والمظلمة الأطول:
إن محاكمة الدكتور الصادق شورو الرئيس السابق لحركة النهضة بتهمة ملفقة تتعلق بالاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها والحكم عليه بالسجن مدة عام كامل يضاف إليه عام آخر بسبب التراجع عن السراح الشرطي كل ذلك بعد قضائه 18 سنة سجنا منها 14 في عزلة انفرادية تامة تعد مظلمة هي الأطول والأشد في حق سجين سياسي من أجل آرائه، وإن النضال من أجل إطلاق سراحه مطلب وطني وقضية عادلة ندعو كل الأحرار في البلاد وفي العالم من شخصيات ومنظمات وأحزاب للعمل على وضع حد لها دون تأجيل.
والمطلب الأوكد:
سن العفو التشريعي العام بعد 20 سنة من العفو العام السابق (25 جويلية 1989) الذي لم يعد الحقوق إلى أهلها ولم يساعد البلاد على دخول مرحلة جديدة من الحريات الحقيقية واحترام حقوق الإنسان وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والتنظم و التنقل والاجتماع والتظاهر السلمي لتغرق البلاد من جديد في مستنقع المحاكمات السياسية والحلول الأمنية. إن سن العفو التشريعي العام مطلب وطني ملح لا غنى عنه وهو المخرج الوحيد لما بلغته البلاد من حالة الانغلاق والاحتقان.
الاستخلاصات:
إن التقارب في حجم الانتهاكات التي ترصدها منظمتنا رغم كل الصعوبات والعراقيل، والتي تجاوزت المائة أكثر من مرة، وإن الاستقرار المسجل في الأرقام التي تهم كل نوعية من الانتهاكات بين شهر وآخر حيث تبقى الفروق محدودة، وإن التكرار الملحوظ لطبيعة الانتهاكات المرصودة في مختلف مجالات الحريات الفردية والعامة وحقوق الإنسان في تونس كل ذلك يعكس عدم حصول تغيير حقيقي وملموس في الوضع العام بالبلاد رغم الوعود الرسمية المتكررة وغياب إصلاحات حقيقية رغم المطالب الملحة لمكونات المجتمع المدني الحقوقية والسياسية والإعلامية والنقابية والثقافية. فإلى متى تستمر سياسة الهروب إلى الأمام والمراهنة على الحلول الأمنية والقضائية والحملات الإعلامية التشويهية لفرض الرأي الواحد في مجتمع متعدد الآراء؟وإلى متى يبقى مرتكبو هذه الانتهاكات والاعتداءات ومن يقف وراءهم دون محاسبة إدارية وقضائية؟
1) التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم
التعذيب جريمة ضد الإنسانية فمن عذب نفسا فكأنما عذب الناس جميعا ومناهضة التعذيب واجب إنساني وأخلاقي وحضاري دفاعا عن كرامة الإنسان وضمانا لحرمته الجسدية وحماية للمجتمع من تجاوز أجهزة السلطة لحدودها القانونية والأخلاقية. وسيبقى يوم 24 تاريخ صدور الحكم بالسجن 12 سنة على ضابط الشرطة ونائب القنصل في ستراسبورغ المدعو خالد بن سعيد على يد القضاء الفرنسي بعد ثبوت إدانته في جريمة التعذيب ضد السيدة زليخة الغربي زوجة اللاجئ السياسي المهجر في قضية حركة النهضة السيد عبد العزيز علامة بارزة في نضال التونسيين والتونسيات من اجل إنصاف ضحايا التعذيب في تونس ومعاقبة المتورطين فيه أمرا وتنفيذا ووضع حد لممارسة هذه الجريمة البشعة.
لقد قدمت هذه المحاكمة دليلا قاطعا على زيف ما يروجه الخطاب الرسمي من نفي لممارسة التعذيب في تونس وكشفت سعي السلطة لحماية المتورطين في التعذيب حتى يفلتوا من العقاب بل وعمدت إلى "تكريم" بعضهم بإرسالهم للخارج للعمل في البعثات الديبلوماسية لتمثيل تونس كما فتحت الطريق أمام ضحايا التعذيب للاجتهاد في المطالبة بمعاقبة جلاديهم وتعويضهم عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحقهم عبر الآليات القانونية المتاحة خاصة وأن جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم.
ومن ناحية أخرى مثلت هذه المحاكمة إحراجا شديدا للقضاء في تونس الذي لم ينظم إلى اليوم وعلى امتداد أكثر من نصف قرن محاكمة واحدة في قضية تعذيب رغم القائمة الطويلة للضحايا والعدد الكبير للشكاوى بل لا تزال هيئة المحكمة ترفض مجرد تسجيل تصريح المتهم بتعرضه للتعذيب في محضر الجلسة أو الاستجابة إلى طلب الدفاع بعرض منوبه على الفحص الطبي. فمتى يسجل التاريخ أول محاكمة في تونس في قضية تعذيب في بلد ثبتت فيه ممارسة التعذيب لا ضد الرجال فقط وإنما ضد النساء أيضا رغم الدعاية الرسمية بمناسبة وبغير مناسبة من احترام حقوق المرأة.
2) حرية التعبير شرط للتعددية الحقيقية وحرية الإعلام شرط للديمقراطية:
في الوقت الذي يتهم فيه الخطاب الرسمي المعارضة بالضعف ومحدودية الإشعاع وفقدان البرامج تسعى أجهزة السلطة الأمنية والقضائية بطرق مباشرة وغير مباشرة لمحاصرة صحف المعارضة لدفعها في الأخير إلى التوقف عن الصدور لمزيد تكريس هيمنة الحزب الواحد والرأي الواحد. وفي هذا الإطار تمثل صحيفة "الموقف" نموذجا رغم أنها لسان حزب معترف به الأمر الذي دفع مديرها المسؤول وأعضاء هيئة تحريرها في مناسبات عديدة إلى اللجوء للإضراب عن الطعام كما لجأ أخيرا للدفاع عن حقهم في الإعلام المعارض في ظل حرمان الصحيفة من التمويل العمومي والإشهار الذي يتمتع به غيرها من الصحف الرسمية وشبه الرسمية والحزبية.
في ظل هذا الوضع المتردي لقطاع الإعلام وللحياة السياسية يصبح الأمل ضعيفا في انخراط البلاد في هذا العصر الذي يعرف ثورة هائلة في الإعلام والاتصال عبر الاستجابة لحاجة المجتمع إلى صحف وإذاعات وقنوات تلفزية وشبكة انترنت حرة ويصبح مطلبا صعب المنال في وقت قريب، ويتوقف تحقيقه على وجود إرادة قوية للقوى الفاعلة في المجتمع المدني ونضالا مستمرا مهما كانت التضحيات.
3) استمرار معاناة المسرحين:
من الأساليب غير القانونية وغير الأخلاقية للتنكيل بالمسرحين والتضييق عليهم في طلب الرزق والتنقل في البلاد رغم انتهاء فترات السجن والسراح الشرطي والمراقبة الإدارية الإبقاء على مناشير التفتيش الصادرة ضدهم قبل اعتقالهم في مطلع التسعينات لتبقى سيفا مسلطا عليهم يهددهم بالاعتقال في كل وقت وفي كل مكان وانتظار الساعات أو قضاء الليل في محلات الشرطة في ظروف مادية ومعنوية سيئة وقد بلغ الأمر في بلادنا أن يتنقل المواطن من مقر إلى مقر للمطالبة بكف التفتيش عنه مستظهرا بما يثبت بطلان التفتيش عنه دون الحصول على جواب وهي معاملة متخلفة في عصر الإعلامية تمس من حياد الإدارة واستقلال القضاء وعلوية القانون وكرامة المواطن فمتى يتم احترام حق المسرحين في كف التفتيش لضمان الحد الأدنى من الأمن في انتظار استرداد حقوق المواطنة كاملة.
إن المسرحين من المساجين السياسيين يعدون بالآلاف، ورغم انتهاء فترة سراحهم الشرطي وانقضاء مدة مراقبتهم الإدارية فإن السلطة لا تزال تصر على نهجها في التعامل معهم على أنهم مجرد ملفات أمنية يقع تحيينها من حين لآخر في تجاوز صارخ للقانون واعتداء سافر على الحرية الشخصية وتوظيف الأجهزة الأمنية لاستهداف المواطنين في حريتهم وكرامتهم وأمنهم، وهذه الملفات الأمنية انتقلت من سجن صغير إلى سجن كبير فاقدة لحقوقها مهددة في أمنها ومعاشها، والحال أن المطلوب قانونا وأخلاقا تمكين هذه الشريحة من المجتمع من حقوقها المدنية والسياسية والمساواة في معاملتهم مع باقي المواطنين في الحقوق والواجبات وفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد.
3) لا للمراهنة على الحلول الأمنية لمعالجة القضايا الاجتماعية:
إن ما حصل في بن قردان من غضب شعبي وقمع رسمي وتعتيم إعلامي يؤكد أن السلطة وأجهزتها لم تستوعب الدروس اللازمة مما حصل في الرديف بالحوض المنجمي حيث لا يزال الجرح ينزف ولا تزال الهوة تتسع بين الشعب والسلطة وبين المواطن ورجل الأمن ولا تزال الوعود غير قابلة للانجاز ولا يزال المجتمع السياسي والمدني عاجزا عن تأطير الجماهير وخاصة الشباب في حين انه كان بالإمكان تجنب هذه الأحداث وما نتج عنها من أضرار بمعالجة أسبابها الحقيقية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مناخ من احترام الأهالي والحوار مع من يمثلهم وتقديم الأجوبة المقنعة عن أسئلتهم والاستجابة لمطالبهم المشروعة في الشغل الذي يحفظ كرامتهم والعدل في توزيع الثروة الذي يضمن استقرارهم والحرية التي تحقق أمنهم وازدهارهم لقد أثبتت الحلول الأمنية قصورها في معالجة قضايا المجتمع وعجزها عن وقف النزيف الذي ينتقل من جهة إلى أخرى خاصة في المناطق الداخلية والحدودية للبلاد.
3) لا للعودة المشروطة للمهجرين، نعم للعودة الكريمة والآمنة:
من مظاهر معاناة المهجرين رغم نجاحهم في الحصول على اللجوء السياسي في بلدان إقامتهم وجواز السفر للتنقل عبر العالم وبعد مرور عقدين على محاولات السلطة إقناع بلدان إقامتهم بعدم منحهم اللجوء السياسي وتسليمهم حتى يتم سجنهم لا تزال برقيات الاعتقال عبر البوليس الدولي قائمة ضد عدد منهم بطلب من السلطة قصد الحد من حركتهم مما يمثل عائقا إضافيا أمام توفير شروط العودة الكريمة والآمنة الأمر الذي يؤكد تعامل السلطة مع ملف المهجّرين لأسباب سياسية على انه مجرد ملف أمني.
وعلى عكس ما جاء في الخطاب الرسمي من عدم وجود قضية 'مهجّرين' لأسباب سياسية وأن حق العودة مضمون للجميع وفق دستور البلاد وقوانينها، فإن استمرار رفض السلطة تمكين المهجرين من حقهم الدستوري في الحصول على جواز السفر وحقهم في العودة الكريمة والآمنة بل وسعيها لمساومة عدد منهم على انتمائه الفكري والسياسي حيث بلغ الأمر في التعامل مع عدد منهم تقديم وعود زائفة بتمكينهم من حقهم في جواز السفر مقابل تخليهم عن اللجوء السياسي الذي يتمتعون به في بلدان إقامتهم، مما يؤكد عدم مصداقية الخطاب الرسمي واستمرار السلطة في المراهنة على المنهج الأمني في التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية. وإن تمكين عدد قليل منهم من العودة المشروطة وبصفة فردية استثناء يؤكد القاعدة.
4) من حق الرأي العام معرفة الحقيقة حول حملة 'مكافحة الإرهاب':
رغم بلوغ الحملة الأمنية التي تشنها السلطة على الشباب المتدين تحت غطاء قانون الإرهاب اللادستوري سنتها السابعة، ومع ما تخلل هذه الحملة من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في مختلف المراحل (الاعتقال، التحقيق، المحاكمة ، السجن ، المراقبة الإدارية)، فإن المتابع لمسلسل المحاكمات المتواصل والمتأمل في طبيعة التهم الرئيسية والتي تدور حول تهمتي: الدعوة إلى ارتكاب جرائم إرهابية والانضمام إلى تنظيم اتخذ من الإرهاب أسلوبا لتحقيق أغراضه، يتوقف عند مدى مصداقية هذه الحملة وغياب الشفافية التي تقتضي إنارة الرأي العام للوقوف على حقيقة ما يجري. إلا أن الرأي العام الوطني والدولي لم يقع إطلاعه على امتداد السنوات السبع الماضية على أية جرائم إرهابية وقع ارتكابها أو الدعوة إليها أو التخطيط لها وعن وسائل تنفيذها أو اعترافات المتهمين. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم تكشف السلطة للرأي العام عن وجود تنظيم أو تنظيمات إرهابية في تونس (اسمها، هيكلتها، قيادتها، ارتباطاتها..)، فمن حق الرأي أن يعرف الحقيقة.
5)الإبعاد مظلمة في حق السجين وعائلته:
تزيد مظلمة الإبعاد من معاناة المساجين السياسيين وعائلاتهم وتمتد لأشهر وسنوات في مخالفة صريحة لقانون السجون نصا وروحا الذي يمنع المعاملة القاسية والمهينة وغير الإنسانية للسجين ويشجع على المحافظة على الروابط الاجتماعية بين السجين وأفراد عائلته الموسعة من خلال تيسير الزيارة والمراسلة والقفة والحضور عند المرض أو عند وفاة أحد الأقارب.
وفي هذا الإطار وبمرور حوالي تسعة أشهر من إبعادهم بسبب اضطرارهم للإضراب عن الطعام للمطالبة بتحسين ظروف إقامتهم وإطلاق سراحهم، وبعد دخول فصل الصيف وحلول شهر رمضان المعظم لا تزال عائلات مساجين الرأي ضحايا 'قانون الإرهاب' اللادستوري تطالب بوضع حد لسياسة الإبعاد والإسراع بتقريب أبنائها وتحسين ظروف إقامتهم بالسجن في انتظار إطلاق سراحهم.
ونحن تعتبر أن الإبعاد عقوبة جماعية مسلطة على السجين وأفراد عائلته ومعاملة قاسية ومهينة ومخالفة لقانون السجون ونطالب بوضع حد لهذا الإجراء التعسفي احتراما لحقوق السجين وكرامة عائلته وحفاظا على الروابط الاجتماعية، كما نطالب بإنهاء مظلمة السجن والإبعاد وذلك بإطلاق سراح المساجين السياسيين ومساجين الرأي وسن العفو التشريعي العام الذي يعيد إليهم حقوقهم المدنية والسياسية ويكفل لهم الكرامة وحقوق المواطنة.
6) من يهدد أمن تونس الاقتصادي؟
رغم سبقها في إمضاء اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي منذ سنة 1995 فإن السلطة لم تتحصل إلى حد الآن على مرتبة "الشريك المتقدم" لتونس والتي سبقها إليها المغرب والأردن. ورغم تأكيد الخطاب الرسمي على النجاح الاقتصادي الباهر والسمعة الدولية المتميزة فإن السلطة لجأت مباشرة بعد محادثات 11 ماي مع الاتحاد الأوروبي حول مرتبة "الشريك المتقدم" إلى إصدار قانون جديد يجرم ويعاقب من يتصل بالأجنبي للتحريض على المصالح الحيوية للبلاد ويهدد أمنها الاقتصادي. وذلك عبر تنقيح الفصل 61 مكرر من المجلة الجزائية المتعلق بأمن الدولة. وهي خطوة تتناقض مع الخطاب الرسمي نفسه لأنها تعكس هشاشة في الوضع الاقتصادي وضعفا في العلاقة بالجهات الأجنبية التي تراهن السلطة على دعهما المالي والاقتصادي. وهي من ناحية أخرى محاولة لتحميل أصحاب الرأي المخالف من المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والإعلاميين المستقلين المسؤولية على فشل السلطة في الحصول على مرتبة الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي وتردي صورتها في الخارج رغم الدعاية المستمرة لتلميعها.
إن العقلية الأمنية التي تقف وراء خطاب التهديد والترهيب والتخوين في وجه كل من يقاوم الاستبداد والفساد في البلاد والتي تشرع للانتهاكات الخطيرة والمتكررة للحريات الفردية والعامة ولحقوق الإنسان والتي تضخم قضية "الإرهاب" وتوظفها لتبرير مسلسل الاعتقالات والمحاكمات ضد الشباب المتدين ضحايا "قانون الإرهاب" اللادستوري على امتداد سبع سنوات دون توقف، هي التي تهدد بحق المصالح الحيوية للبلاد وتضيع فرصا أمام ازدهارها الاقتصادي الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالإصلاح السياسي وإطلاق الحريات واحترام حقوق الإنسان. فالمطلوب إصلاحات دستورية وقانونية باتجاه ضمان حرية التعبير والإعلام والتنظم والاجتماع والتنقل والتظاهر السلمي لا العكس حتى تصبح تونس بحق لكل التونسيين.
ورغم ما لقيه هذا القانون منذ 19 ماي (مجلس الوزراء) من حملة احتجاج في الداخل والخارج إلا أن السلطة اختارت الهروب إلى الأمام بالمصادقة على هذا القانون في 15 جوان (مجلس النواب) مما زاد في توسيع دائرة المعارضة لهذا القانون للمطالبة بعدم إقراره وإلغائه. فهل تستجيب السلطة إلى هذا المطلب خدمة للمصالح الحيوية للبلاد؟ أم تصر على تهديد أمن تونس الاقتصادي والإساءة إلى سمعتها في الخارج؟
7) التظاهر السلمي حق واحترامه واجب:
إن من أرقى مظاهر التحضر في المجتمعات ما تبلغه من درجة احترام حرية التعبير، ومن أكثر وسائل التعبير تأثيرا في حياة الشعوب التظاهر السلمي سواء تعلق بالقضايا المحلية أو العالمية، إلا أن الوضع في تونس على مستوى احترام حق التظاهر السلمي لا يزال متخلفا حتى عن بعض البلدان المشابهة وحتى التي تعيش تحت وطأة قانون الطوارئ.
فبعد رفض الترخيص لتنظيم مسيرة لبعض الإعلاميين والمدونين خلال شهر ماي 2010، عمدت السلطة إلى قمع محاولات للتظاهر السلمي احتجاجا على العدوان الصهيوني على أسطول الحرية من أجل كسر الحصار على غزة انطلاقا من المقرات الجهوية للاتحاد العام التونسي للشغل رغم أنها ليست قضية محلية وهي محل إجماع التونسيين والتونسيات في تضامنهم مع الشعب الفلسطيني.
8) استمرار اضطهاد أعضاء المكتب الشرعي لجمعية القضاة:
إن الانقلاب على الهيئات الشرعية للمنظمات المستقلة في تونس تقليد قديم في تعامل السلطة مع كل هيئة مستقلة في المجتمع ولو كانت منتخبة، مثلما حصل للاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والاتحاد العام لطلبة تونس، إلا أن الأمر يزداد خطورة عندما يتعلق بالقضاء فلم تكتف السلطة بالانقلاب على المكتب الشرعي لجمعية القضاة بل بلغ الأمر حد التنكيل بهم باستهدافهم في ظروف عملهم عبر النقل التعسفية وفي معاشهم عبر خصم جزء من رواتبهم وفي ذلك مس من هيبة القضاة وسلطة القضاء.
9)من يتمتع بكل حقوقه لا يضرب عن الطعام:
إن اللجوء إلى الإضراب عن الطعام بعد استنفاذ الجهود واليأس من الحلول في قطاعات مختلفة بين المواطنين وفي صفوف المساجين يعكس حالة خطيرة من غياب الحوار ودور المؤسسات في تحمل مسؤوليتها وارتهانها لل'تعليمات'. وإن تجاهل السلطة لحالات الإضراب عن الطعام بدعوى عدم الخضوع للضغوطات ورفض الاستجابة للمطالب المشروعة بعد الإضراب يؤكد أن لغة الحوار مفقودة قبل الإضراب وعند الإضراب وبعد الإضراب رغم أنه أسلوب سلمي متحضر للتحسيس والاحتجاج والمطالبة في العالم. فهل أن هذه السياسة في التعامل مع الإضراب عن الطعام كوسيلة سلمية مثلها مثل الاعتصام أو التظاهر هي دعوة من السلطة للتنازل عن الحقوق أو اللجوء إلى وسائل غير سلمية؟ وفي الحالتين فإن الضرر كبير على المجتمع واستقراره.
10) عقوبة 'العزلة' بين الإلغاء الرسمي والممارسة الفعلية:
اثر معاناة طويلة لعشرات المساجين السياسيين من إجراء العزل الانفرادي و لفترة دامت أكثر من عشر سنوات و تحت ضغط حقوقي تعهدت السلطة في 20 أفريل 2005 بعدم اللجوء مستقبلا إلى وضع السجين مهما كانت قضيته في عزلة انفرادية بصفتها إجراء مخالفا لقانون السجون الذي ينص على أن الإقامة في الغرف جماعية وأن وضع السجين في غرفة انفرادية لا يكون إلا في إطار العقوبة ولمدة لا تتجاوز 10 أيام وفي غرفة تتوفر بها المرافق الضرورية بعد الإحالة على لجنة التأديب أو بسبب المرض بأمر من طبيب السجن، وهو كذلك إجراء غير إنساني ومناقض للمعاهدات الدولية التي تمنع معاملة المساجين معاملة قاسية وغير إنسانية مثل العزل والتعذيب، إلا أن حالة السجين سيف الله بن حسين المعتقل حاليا بسجن المرناقية في العزلة الانفرادية منذ فيفري 2006، وغيرها من الحالات التي من بينها المحكومين بالإعدام، تقدم الدليل على عدم وفاء السلطة بتعهداتها في احترام قانون السجون والمعاهدات الدولية على حساب حقوق المساجين وكرامتهم.
11) تردي المشهد الإعلامي :
منذ الانقلاب على المكتب الشرعي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في صائفة 2009 قبيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، شهدت تونس حملة غير مسبوقة لقمع عدد من الصحفيين المستقلين تراوح بين الملاحقة الأمنية والمراقبة اللصيقة والاعتقال والسجن بتهم حق عام ملفقة نذكر من بينهم توفيق بن بريك وزهير مخلوف والفاهم بوكدوس والمولدي الزوابي ولطفي الحجي ولطفي الحيدوري وزياد الهاني وإسماعيل دبارة، مما خلف ردة فعل واسعة داخل البلاد وخارجها دفاعا عن حرية التعبير والإعلام ودعوات متكررة لحماية الصحفيين في تونس وتحسين ظروفهم المادية والمعنوية.
ومن المظاهر الأخرى لتردي المشهد الإعلامي في بلادنا مقارنة بما يشهده العالم من ثورة هائلة في مجال الإعلام والاتصال وانفتاح المجتمعات والشعوب على بعضها استمرار حجب المواقع والمدونات الالكترونية التي تنشر الآراء المخالفة لوجهة نظر السلطة، مثل حجب موقع قناة الجزيرة الالكتروني. كل ذلك في مناخ من التوتر غير المبرر في حين أن مصلحة البلاد تقتضي الانفتاح على الإعلام الخارجي والحوار مع الآخرين من خلاله فإن عصر الانغلاق والانعزال والوصاية على العقول قد ولّى.
12) السفر حق ومنعه جريمة:
إن المنع من السفر بل ومن الحصول على جواز السفر في حق الناشطين الحقوقيين والسياسيين والإعلاميين بات هو القاعدة والإذن هو الاستثناء. وحتى عند السماح بالسفر في حالات معدودة فإن المعاملة عند الحدود تزداد سوءا يوما بعد يوم من خلال اللجوء إلى التفتيش المهين والاستفزاز عبر العنف اللفظي وصولا إلى استعمال العنف المادي في المطار عند العودة إلى تونس. والحال أن السفر جزء من حق التنقل وهو حق يضمنه الدستور والمعاهدات الدولية ولا يجوز للإدارة المس به وإن جواز السفر لا يعدو أن يكون وثيقة لتنظيم السفر بما يضمن حرية التنقل ولا يُضيّق عليها وإن اعتماده كوسيلة للعقاب أو الضغط أو الترهيب يُولد شعورا لدى المواطن بأن وطنه تحوّل إلى سجن كبير وأن قائمة المتضررين من الحرمان من جواز السفر دون مبرر قانوني ولا حكم قضائي في تونس أصبحت تضم الآلاف وتتسع يوما بعد يوم بما في ذلك من تحصلوا على حكم قضائي لفائدتهم من المحكمة الإدارية بقي حبرا على ورق الأمر الذي يجعل هذا الملف يمثل قضية وطنية تستوجب استنفار كل الطاقات في المجتمع المدني للدفاع عن هذا الحق المقدس لكل التونسيين والتونسيات المقيمين داخل الوطن وخارجه بدون استثناء.
13)لا لإسكات الرأي المخالف:
لقد أصبح منع المناضلين السياسيين والناشطين الحقوقيين والصحافيين المستقلين من المشاركة في التظاهرات السياسية والحقوقية والإعلامية على يد البوليس السياسي والاعتداء على حرمتهم الجسدية وحرمة عائلاتهم ومنازلهم وممتلكاتهم قصد ترهيبهم وإسكات الرأي المخالف وشل المجتمع المدني بدعوى تنفيذ 'التعليمات من فوق' من مميزات الوضع العام بالبلاد، وذلك رغم الإمضاء المعلن على المعاهدات الدولية لحماية الناشطين الحقوقيين والدعاية الرسمية حول احترام السلطة لحقوق الإنسان الأمر الذي يهدد مستقبل البلاد واستقرار المجتمع لأنه يدفع المواطنين وخاصة الشباب منهم إلى الحلول اليائسة أو اللامبالاة والاستقالة من الشأن العام. في حين أن احترام دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في تأطير المواطنين ودفعهم نحو المشاركة الإيجابية في مناخ الحريات الحقيقية خير ضامن لأمن البلاد واستقرار المجتمع.
14)احترام الحق النقابي واجب:
إن النقابيين لا يزالون يناضلون من أجل الحق النقابي وحرية العمل النقابي داخل المؤسسات العمومية والقطاع الخاص، حيث لا يزال ينظر إلى تكوين النقابات على أنه تحريض للعمال وعائق أمام تحسين إنتاجية المؤسسة الاقتصادية مقابل نظام المناولة واستمرار تردي أوضاع الشغالين حيث تراجع القوانين والمكتسبات الاجتماعية وظروف العمل في إطار ما يسمى بمرونة الشغل مما أدى إلى تراجع العمل النقابي وأداء دوره في ضمان حقوق العمال وتحسين ظروف عملهم في تكامل بين الحقوق والواجبات. وتزداد الحاجة الوطنية لحرية العمل النقابي مع تفاقم ظاهرة إغلاق المؤسسات وتسريح العمال مما اضطر العديد منهم لتنظيم الاعتصامات داخل المؤسسات. إن محاصرة العمل النقابي وتردي أوضاع الشغالين وتهديد البطالة للعديد منهم تزيد في تأزم الأوضاع الاجتماعية وفقدان السيطرة عليها في غياب الحلول العادلة التي تضمن الحقوق المشروعة لكل الأطراف.
15)استمرار المحاكمات السياسية:
إن استمرار حملة المحاكمات السياسية ضد الشباب المتدين بسبب معتقداتهم والتي لم تتوقف منذ صدور قانون الإرهاب اللادستوري في 10 ديسمبر 2003 أي على امتداد أكثر من 6 سنوات، وفي الوقت الذي يتفق فيه المراقبون على عدم وجود ظاهرة الإرهاب في تونس ورغم فشل ما سمي بالحرب على الإرهاب عالميا وظهور مؤشرات على مراجعة الحلول الأمنية لفائدة الحلول السياسية في التعامل مع هذه القضية فإن إصرار السلطة على هذا النهج الأمني سيعمق مشاعر الحقد واليأس لدى هذه الفئة من الشباب مما يهدد استقرار المجتمع ومستقبل البلاد ليتأكد أن الحرية والحوار هما البديل الوحيد لحماية المجتمع واحتضان هذه الفئة من الشباب. ورغم ما يجمع عليه الحقوقيون في تونس من مطالبة بإلغاء هذا القانون اللادستوري ووضع حد للاعتقالات العشوائية والمحاكمات السياسية والتعذيب حيث تضمنت المجلة الجنائية فصولا تجرم مظاهر الاعتداء على الحرمة الجسدية وذلك على الفصلين 101 و103 وينص الفصل 101 من المجلة الجنائية على تسليط العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وخطية على كل موظف عمومي أو شبهه يرتكب بدون موجب بنفسه أو بواسطة جريمة التعدي بالعنف على الناس حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها.
وقد تعرض الفصل 103 من المجلة الجنائية لاستعمال العنف أو سوء المعاملة لانتزاع اعتراف أو تصريح ونص على تسليط عقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وخطية على الموظف العمومي الذي يباشر بنفسه أو بواسطة غيره ما فيه عنف أو سوء معاملة ضد متهم أو شاهد أو حريف للحصول منهم على الإقرار أو التصريح أما إذا لم يقع إلا التهديد بالعنف أو سوء المعاملة فالعقاب ينخفض إلى ستة أشهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.