عقوبة التُهم التي تُواجهها سنية الدهماني    يوميّا: مليار وجبة تُلقى بالقمامة    تركيز نظام معلوماتي للتقليص من مدة مكوث البضائع المورّدة بالمطار ..التفاصيل    الترجي الرياضي: اليوم إنطلاق التحضيرات .. و"كاردوزو" يقصي لاعبين من النهائي    مشادة كلامية تنتهي بجريمة قتل في باجة..#خبر_عاجل    سوسة: تفكيك شبكة لترويج المخدرات والاحتفاظ ب 3 أشخاص    بن عروس: اصابة 5 ركاب في اصطدام شاحنة بسيّارة أجرة تاكسي جماعي    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    أخبار اتحاد تطاوين..غزال يحمل الآمال    برنامج الدور ثمن النهائي لكأس تونس    عاجل/ الديوانة تحذر التونسيين العائدين من الخارج..وهذه التفاصيل..    تونس: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويّا    البنك الدولي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ البرامج الاقتصادية والاجتماعية    عاجل/ مستجدات الكشف عن شبكة دولية لترويج المخدرات بسوسة..رجلي اعمال بحالة فرار..    تحذير من الديوانة بخصوص المبالغ المالية بالعُملة الصعبة .. التفاصيل    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المعهد النموذحي بنابل ...افتتاح الأيام الثقافية التونسية الصينية بالمعاهد الثانوية لسنة 2024    عاجل : أكبر مهربي البشر لأوروبا في قبضة الأمن    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة الى أكثر من 35 ألف شهيد وأكثر من 79 ألف جريح..    نقابة الصحفيين تنعى الزميلة المتقاعدة فائزة الجلاصي    ملفات «الشروق» (4) كيف تغلغلوا في الجامعات التونسية؟.. عندما يتحكّم الفساد يكون المجد للصامدين    مذكّرات سياسي في «الشروق» (22) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... ...لهذا كنّا نستورد الحبوب من أمريكا    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    الإبقاء على مدير عام «إي آف آم» والممثل القانوني ل«ديوان آف آم» بحالة سراح    أخبار المال والأعمال    منها زيت الزيتون...وزير الفلاحة يؤكد الاهتمام بالغراسات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم التصدير    بقيمة 25 مليون أورو اسبانيا تجدد خط التمويل لفائدة المؤسسات التونسية    هام/هذه نسبة امتلاء السدود والوضعية المائية أفضل من العام الفارط..    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    بعد دعوته التونسيين ...لاعتناق المسيحية ..القبض على مهاجر من جنوب الصحراء و فيديو كشفه    مع الشروق ..صفعة جديدة لنتنياهو    غوغل تطلق تحديثات أمنية طارئة لحماية متصفح Chrome (فيديو)    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الهند: مقتل 14 شخصاً بعد سقوط لوحة إعلانية ضخمة جرّاء عاصفة رعدية    الطواقم الطبية تنتشل 20 شهيداً جراء قصف للاحتلال الصهيوني على منازل جنوب قطاع غزة    مقتل 14 شخصا بعد انهيار لوحة إعلانية بهذه المنطقة جراء عاصفة رعدية..#خبر_عاجل    عاجل: الإذن بالاحتفاظ بالمحامي مهدي زقروبة    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ثمن النهائي    اتحاد تطاوين - سيف غزال مدربا جديدا    على خلفية حادثة حجب العلم الوطني بالمسبح الاولمبي برادس ... فتح بحث تحقيقي ضد 9 أشخاص    الصحة الفلسطينية: القصف الإسرائيلي على غزة يُخلّف 20 شهيدا    القصرين : عروض الفروسية والرماية بمهرجان الحصان البربري وأيام الإستثمار والتنمية بتالة تستقطب جمهورا غفيرا    وزارة الشؤون الثقافية: الإعداد للدّورة الرّابعة للمجلس الأعلى للتعاون بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية    المدير العام لوكالة احياء التراث والتنمية الثقافية : التشريعات الجارية المنظمة لشؤون التراث في حاجة الى تطوير وإعادة نظر ثقافة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    سليانة: تقدم عملية مسح المسالك الفلاحية بنسبة 16 بالمائة    جراحو القلب والشرايين يطلعون على كل التقنيات المبتكرة في مؤتمرهم الدولي بتونس    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    دراسة تربط الوزن الزائد لدى الأطفال بالهاتف والتلفزيون..كيف؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد اعتقال عدد من القيادات الحركية المعروفة: هل تحتاج الحركة الإسلامية المغربية إلى "المراجعات"؟


-
ما إن اعتقلت السلطات المغربية عددا من القيادات الإسلامية باتهامات تتعلق بالإرهاب حتى انطلقت الاتهامات وتعالت الدعوات -خاصة من اليسار- تطالب الحركة الإسلامية بالمغرب في عمومها بمراجعات تشبه ما فعلته جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر.
هل تحتاج الحركة الإسلامية لمراجعات في موقفها من العنف؟ وهل ينطبق عليها ما ينطبق على نظيرتها بمصر مثلا أم تبقى للحركة الإسلامية المغربية خصوصيتها؟.. ثم ما دلالات اعتقال قيادات حركية بارزة باتهامات تتصل بالعنف والتطرف؟ هل يوحي هذا الحدث بأن ثمة حاجة إلى وقفة إن لم تكن مراجعة شاملة؟ وإذا كان الأمر كذلك فما القضايا التي ما زالت لم تحسم فيها الحركة وتحتاج فيها إلى هذه الوقفة أو المراجعة؟.
حملنا هذه التساؤلات وغيرها إلى الأستاذ محمد يتيم -أحد منظري الحركة الإسلامية ومؤسسيها- وهو عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح والكاتب العام لإطارها النقابي (الاتحاد الوطني للشغل) وقيادي بارز بحزب العدالة والتنمية فكان هذا الحوار:
المراجعات في مصر والمغرب
* أثيرت خلال الاعتقالات الأخيرة لبعض القيادات الإسلامية الحركية قضية المراجعات في فكر الحركة الإسلامية المغربية بفصائلها الأساسية والتي منها البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة، التي اعتقل زعماؤها، فما أسباب تلك المراجعات وكيف بدأت وما دواعيها؟.
- في حقيقة الأمر، إن مصطلح المراجعات يحيلنا أساسا على ما وقع في مصر، أي في تجربة الجماعة الإسلامية في مصر، وأنا أتحفظ لهذا السبب على استخدام فكرة المراجعة في السياق المغربي؛ لأن لها حمولة ترتبط بجماعات آمنت بالعنف ولجأت إلى الصدام مع النظام القائم، كما أن له ارتباطا أيضا بجماعات نشأت أصلا داخل السجون، وفي سياق الصدام الذي وقع بين النظام الناصري وجماعة الإخوان المسلمين، وما تبعها من محن واعتقالات وتعذيب، مما أدى ببعض العناصر المضطهدة إلى أن تنظر إلى المجتمع والدولة التي تقوم بهذا كله، والتي تمارس أبشع أنواع التعذيب في حق الرجال والنساء على السواء، كما كان في السجن الحربي مثلا، باعتبارها دولة كافرة أو جاهلية، من هنا نشأ التطرف والغلو، وظهرت مثلا جماعة مصطفى شكري، التي هي جماعة التكفير والهجرة، والتي لجأت إلى العنف لمواجهة عنف الدولة وما تبعها بعد ذلك من جماعات إسلامية.
إذن مصطلح المراجعات يختزن كل هذا السياق السياسي والفكري الذي يرتبط بتجربة خاصة بمصر في علاقتها بالجماعات الإسلامية.
وطبعا إذا انتقلنا إلى المغرب فالأمر مختلف؛ أولا: لم يقع من النظام المغربي سلوك يمكن أن يصل إلى حد العنف الذي مارسه النظام الناصري في حق جماعة الإخوان، وهذا لا يعني أنه لم تقع اعتقالات ومحاكمات ومتابعات، كما أن ذلك لا يعني أنه لم تقع تجاوزات على خلفية أحداث 16 مايو الإرهابية، ولكنها لم تصل إلى حد العنف الشامل والمواجهة الشاملة من قبل الدولة.
ثانيا: لم يقع في المغرب أن نشأت جماعات إسلامية بمثل هذا الشكل، وتبنت العنف ضد النظام، وحدثت مواجهات وسقطت دماء، ووقعت اعتقالات ومحاكمات، ثم بدأ الناس يراجعون، إن هذا لم يقع في المغرب، وإذا سمحنا لأنفسنا باستخدام مصطلح المراجعات الفكرية، فإن هذه المراجعات يمكن القول إنها كانت سابقة على تطور الحركة الإسلامية إلى حركة واسعة الانتشار، أما الذي حدث في مصر فهو أنه كانت هناك حركة إسلامية معتدلة هي حركة الإخوان، تمارس العمل التربوي والعمل السياسي، ثم اختلفت مع النظام الناصري، وقرّر هذا الأخير مواجهتها، وقام بصدامات وتصفيات واعتقالات، هكذا نشأ التوجه إلى التطرف والغلو في مسار بعض النتوءات في الحركة الإسلامية، التي لا تمثل السواد الأعظم، لأن جماعة الإخوان بقيت صامدة ومصرة على العمل السلمي، أما التجربة المغربية فكانت مخالفة لكل هذا، لأنها نشأت وهي تدرك الخصوصية المغربية المغايرة لما هو في المشرق.
النقد الذاتي بديلا للمراجعة
* (مقاطعا) أنتم تفضلون مصطلح "النقد الذاتي" على مصطلح "المراجعات" إذن؟.
- نعم، أفضل استخدام النقد الذاتي على المراجعات، وهنا أؤكد أن النقد الذاتي بدأ في التجربة المغربية مبكرا، حتى قبل أن تتحول الحركة الإسلامية إلى حركة جماهيرية، وقبل أن يشتد عودها وتقوى، بمعنى: نحن نتكلم هنا عن بداية الثمانينيات؛ لأن أول مراجعة تمت كانت عند الانفصال عن الشبيبة الإسلامية، وبين تأسيس الشبيبة سنة 1969 إلى غاية 1980 تاريخ تأسيس الجماعة الإسلامية التي تحولت فيما بعد إلى حركة الإصلاح والتجديد، هناك مدة زمنية لا تجاوز 10 سنوات، وهذه المدة بمقياس أعمار الحركات لا تعني شيئا من الناحية التاريخية، والمثير أيضا أن الذين قاموا بهذه المراجعات، هم مجموعة من الشباب الذي كان من المفترض في هذه المرحلة العمرية أن يكون أكثر ميلا إلى الثورية والجذرية وتبني خط العنف.
والذي ساعد على ذلك النقد الذاتي، هو الخصوصية المغربية، ذلك أن طبيعة الدولة والمجتمع، وطبيعة التدين، كان له أثره في نشوء حركة إسلامية مغربية معتدلة، وبعض ظواهر الغلو والتطرف التي نشهدها اليوم إنما جاءت على هامش التوجه العام، فعندما نتحدث عن حركة التوحيد والإصلاح وعن جماعة العدل والإحسان والبديل الحضاري والحركة من أجل الأمة، وكل ألوان الطيف الإسلامي التي تشكل الجسم الأعظم لهذه الحركات نلاحظ -بغض النظر عن الاختلافات في المجال التربوي أو في الرؤية السياسية أو التحليل السياسي- أن أغلبها قام بنقد ذاتي أدى إلى اعتبار الخصوصية المغربية، وتبني خيار المشاركة، واعتماد الخط السلمي المدني كمقاربة جوهرية في التعامل مع قضايا الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي في المغرب.
لو كانت الجماعات التي تنسب إلى السلفية الجهادية اليوم والمتابعة على خلفية أحداث 16 مايو جماعات مهيكلة ومنظمة ثم وقع ما وقع وأخضعت تصوراتها ومواقفها لمراجعات جذرية لقلنا في هذه الحالة إن هناك مراجعات، ولكننا رأينا أن شيوخ ما يسمى بالسلفية الجهادية قد أعلنوا مواقف واضحة من العمليات الإرهابية، وهذا ما يجعل القضية في المغرب أقل سوءا بكثير مما حدث في دول أخرى مثل مصر أو في الجزائر، سواء من جهة النظام أو من جهة هذه الجماعات، مما يجعل محاورة هؤلاء أقرب إلى أن تؤتي أكلها من أي بلد آخر.
الخصوصية المغربية
* إذن ما هي القضايا البارزة التي شملتها هذه المراجعات أو النقد الذاتي وكان لها الأثر على التوجهات الكبرى لهذه الحركات؟.
- القضية الجوهرية والأكثر بروزا هي الخصوصية المغربية، فهذه مسألة مهمة وأساسية، ولهذا فالحركة الإسلامية في المغرب كانت حاسمة في رفض الارتباط ببعض التنظيمات الدولية، وقد كان هذا وعيا مبكرا، ولهذا لم ترتبط الحركة الإسلامية المغربية بالتنظيمات ذات الطبيعة الدولية مثل الإخوان المسلمين مثلا، وحتى ما يشاع من أن بعض التوجهات تأثرت بإيران أو حزب الله فلا يوجد شيء أكيد وثابت، بل المؤكد هو أن هناك اتفاقا على أن المغرب له خصوصياته ومعطياته، وهذا الوعي ترتبت عليه صياغة مفردات وخطاب ونظرية في العمل الإسلامي تتناسب مع الخصوصية المغربية، وبسببها كان هناك من يتحدث عن الاستثناء المغربي، وهذا الاستثناء يجب عدم فهمه من زاوية تعامل النظام مع الحركة الإسلامية، بل من زاوية إدراك هذه الأخيرة لخصوصية الوضع المغربي أيضا، حيث الدولة إسلامية، والملك هو أمير المؤمنين.
وفي المقابل وجدنا هذه الخصوصية وذلك الاستثناء في تعامل الدولة مع هذه الحركات حيث لم تلجأ إلى خيارات تجفيف المنابع كما هو الحال في تونس.
* لكن ثمة قضايا جوهرية أخرى، مثل التحول من السرية إلى العلنية، واعتبار الحركة الإسلامية نفسها جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين، التي مثّل التحول عنها لحظة فارقة في مسار الحركة الإسلامية المغربية؟.
- أنا بدأت بالخصوصية، بمعنى عدم استنساخ النموذج المشرقي، وهو يفسر كل الأشياء الأخرى، ولهذا من الأمور الأساسية التي حسمت فيها الحركة الإسلامية المغربية قضية العمل السري.. لماذا؟.. لأنها وجدت في السياق المغربي الذي يتميز بقدر كبير من الانفتاح والتعددية.
ومن التعامل الانتقائي حتى مع الأخطار المحتملة لم تجد الحركة الإسلامية ما يدفعها كي تنزل إلى سراديب السرية، وأتكلم هنا عن تجربة حركة التوحيد والإصلاح، هذه القضية تم الحسم فيها مبكرا، وتم الحسم كذلك في قضية العنف كآلية للتغيير، وتم الحسم في العمل من داخل المؤسسات وفي إطار القانون والدستور والمؤسسات القائمة، والإصلاح من داخل كل ذلك، ثم هناك مراجعة كبرى ومهمة وهي القطيعة مع فكرة إقامة الدولة التي هيمنت على الحركة الإسلامية المشرقية، وأنا أسميها القطيعة الأبستيمولوجية.
فالحركة الإسلامية المغربية على الأقل فيما أعرف من أدبيات التوحيد والإصلاح انتقلت من خطاب إقامة الدولة إلى خطاب الإسهام في إقامة الدين، وأنا أقف هنا عند أمرين اثنين:
الأول هو الانتقال من فكر إقامة الدولة الذي ارتبط بسياق مشرقي حيث سقطت الخلافة، في حين أن المغرب لم يكن مرتبطا بها، والدولة المغربية ظلت قائمة، وثانيا هناك المقاربة التشاركية في التعامل مع العمل الإسلامي، حيث اعتبرت أن الإسلام دين المغاربة والدولة مسلمة، والإسلام ليس حكرا على الحركة الإسلامية، دون أن يعني ذلك إغفال الوهن في أن عرى الدين تحتاج إلى تقويم، ومن هنا كان منهجها إصلاحيا وليس انقلابيا.
شبهة الإرهاب
* هذه المراجعات التي قامت بها الحركة الإسلامية المغربية هل تمت على منوال واحد أم كانت هناك تفاوتات واختلافات؟.
- بطبيعة الحال، فهذه المراجعات كانت على مستويات مختلفة، ولكنها تلتقي في القضايا التي ذكرت، فهي تلتقي في رفض التفكير الانقلابي، وفي رفض العنف، وفي رفض السرية، وفي رفض الارتباط بالخارج، لكن صياغة هذه المقولات نظريا، وتنزيلها عمليا، يختلف من حركة إلى أخرى.
ولكننا نستطيع أن نقول إنه حتى خطاب بعض الحركات التي لا يزال فكر الدولة أو الخلافة على منهاج النبوة مهيمنا عليها، كما هو الحال بالنسبة لجماعة العدل والإحسان، نلاحظ أنه خطاب يندرج في إطار منظور إصلاحي ولا يراهن على العنف والانقلاب كآلية لتحقيق هذا المسلك، وبالتالي فرهانها على التربية الروحية والإيمانية وعلى إصلاح الفرد والمجتمع، وحتى مفهوم القوامة في حدود فهمي لأدبيات العدل والإحسان يستثني أي لجوء إلى العنف، ونفس الشيء بالنسبة لمفهوم الميثاق الإسلامي، وأنا أتكلم بغض النظر عن موقفي وعن اتفاقي أو اختلافي مع الرؤية السياسية أو التربوية للجماعة.
لكن يلاحظ للأسف أن هناك اليوم من يستغل ظاهرة الإرهاب التي ارتبطت ببعض الأطياف الهامشية المنتسبة للحركة الإسلامية ليحاكم بها كل اجتهادات الحركة الإسلامية، والواقع أن قضية الإرهاب هذه مرتبطة بسياق معين، فهي لها اتصال بحرب الخليج الأولى ثم الثانية، فهذه الظاهرة تولدت في تلك الظروف، وما زلت أذكر أنه في حرب الخليج وغزو العراق كتبت أقول إن الغزو الأمريكي للعراق سيساهم في خلق العشرات من أسامة بن لادن في الأقطار العربية، والتواطؤ الأمريكي مع الكيان الصهيوني ضد فلسطين، كل ذلك يغذي عوامل الغلو في المجتمعات الإسلامية، وكنت قد كتبت مقالا بعد هجمات 11 سبتمبر وما تبعها من حروب أمريكية تحت ذريعة محاربة الإرهاب بعنوان "ائتلاف الغلو وتحالف التطرف"، أشير فيه إلى أن اليمين المتصهين يقدم خدمات لحركات الغلو والتطرف في العالم الإسلامي، بحيث يكون في الواقع تحالف موضوعي بينهما.
هناك خطيئة كبرى يرتكبها بعض محترفة الصحافة في المغرب وهي استعمال تلك الكذبة الكبرى التي صنعت في مختبرات الفكر الصهيوني، وهي أسطورة "المسئولية المعنوية"، ونحن نعرف أن أمريكا وتحت هذه الذريعة ألقت بالمسئولية على المملكة العربية السعودية في نشأة الإرهاب، وبنفس الميكانيزم والآليات تلقي المسئولية على الرسول صلى الله وعليه وسلم في الإرهاب كما نلاحظ في قضية الصور الكاريكاتورية، وللأسف الشديد نجد بعضا من قومنا يلجئون إلى نفس الآليات المعروفة المصدر كما أشرت.
* القيام بمراجعات في فكر الحركة الإسلامية لا بد أن يكون له أثر على الجماعات المتطرفة، هل ترى أن هذا متحقق بما فيه الكفاية؟
- لا بد أولا أن نشير إلى الأثر الكبير للنقد الذاتي والمراجعات المبكرة في بناء هذا الجسم العريض من أبناء الحركة الإسلامية وشبابها من الذين تبنوا فكر المشاركة والعمل السلمي والمدني، والتدافع السياسي في إطار المؤسسات، وهذا أمر لا يتم الانتباه إليه كثيرا، فهذا الامتداد الواسع من أعضاء الحركات الإسلامية الأساسية والمتعاطفين معه بمئات الألوف، أصبح يمثل مدرسة ثقافية قائمة ومترسخة اليوم، ومن المعلوم أن أغلب التأطير الديني للشباب هو في ظل ضعف الحقل الديني الرسمي في الاضطلاع بواجبه ومسئولياته وضعف المدرسة أيضا.. على هذا المستوى فهو يرجع في أساسه إلى دور هذه الحركات وإلى الصحوة الإسلامية التي ارتبطت بها.
والذين يتساءلون عن العملية الإرهابية التي وقعت في 16 مايو كان عليهم أن يتساءلوا عن التاريخ الذي لم يقع، وكيف سيكون الأمر لو لم توجد هذه الحركات المعتدلة؟.. هم يتحدثون عن بعض الوقائع المؤسفة وغير المقبولة التي أسهمت فيها ظروف دولية ومناخ الإحباط الذي يستغله الإرهاب ويجد فيه ظروفا خصبة للعمل والتوغل، وهذا لا يعني أن كل محبط هو مشروع إرهابي، ولكن الأساس هو هذا الخيال لدى الشباب المحبط الناتج عن صور الحرب العدوانية لأمريكا، وصور الأشلاء والجثث، كيف تريدون أن يستجيب هؤلاء في غياب تأطير الحركة الإسلامية المعتدلة.
ونحن نحمد الله أن فكر الغلو والتطرف بقي على الهامش، ولكنه مهما يكن هامشيا فهو مضر ومؤذٍ، فقيام عملية إرهابية واحدة مهما كانت معزولة خلال عشر سنوات يحدث من التأثير ما لا يحدثه عمل العشرات الآلاف من المحاضرات والكتب والعمل الميداني التي تقوم به الحركة الإسلامية المعتدلة، وعلى الرغم من هذا فإننا نعتقد أنه علينا مسئوليات.. علينا العمل بفعالية أكثر من أجل نشر وتعميم فكر الوسطية والاعتدال الذي استقر عندنا، وهذا يطرح مسئولية الدولة وبعض الجهات الاستئصالية التي تحاول أن تحاصر هذه الحركات، وتنسبها إلى التطرف والغلو بمبرر أسطورة المسئولية المعنوية.
إذن محاربة حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان والبديل الحضاري والحركة من أجل الأمة، هذه خدمة مجانية لفكر الغلو والتطرف ولفكر القاعدة ونظرائه.
اتساع دائرة الغلو والتطرف
* لكن ألا تعتقد أن اعتقال رموز معروفة باعتدالها الفكري والسياسي يسير في اتجاه اتساع دائرة الغلو والتطرف؟
- أنا أجبتك عن هذا السؤال، ومع كامل التحفظ، وفي انتظار ما سيسفر عنه القضاء، وحتى إذا افترضنا أنه وقعت أخطاء من قبل هؤلاء المعتقلين، وحتى إذا افترضنا أن ما نسب إليهم صواب، فإنه لا يمكن أن نحل حزبا كاملا هو البديل الحضاري، بجريرة جلسة وقعت في سنة 1992 ونفس الشيء بالنسبة للحركة من أجل الأمة، فإذن هذا التوجه قد يكون خدمة للفكر الاستئصالي الذي يستغل مثل هذه الأحداث ليقول إنه لا يوجد فرق في الحركة الإسلامية بين متشدد ومعتدل، وأنه يجب تبنى الخيارات الاستئصالية التي تم العمل بها في تونس مثلا، وإن كانت التجارب –وكذلك العقلاء في العالم- تظهر إجماعا على أن الخيار الحقيقي في مواجهة مخاطر التطرف والغلو هو مزيد من إشراك الحركات الإسلامية المعتدلة ومزيد من فتح الحوار والمجال لها، لأنها بكل تأكيد عامل استقرار أساسي، كما أنها قامت بجهد في تطوير فكر الاعتدال، وإرساء نهج مسار المراجعات الفكرية والسياسية، والدفع بالحركة الإسلامية في عامتها من أجل العمل من داخل المؤسسات والقانون.
* ثمة ملاحظة مثيرة عندما نقارن بين المغرب ومصر، تتمثل في أنه لمّا عبرت جماعة الجهاد مثلا عن رغبتها في الحوار والقيام بمراجعات شرعية وفكرية لمسارها، رحبت الدولة المصرية بذلك وشجعت عليه، لكن عكس ذلك وقع في المغرب، حين عبّر شيوخ ما يسمى بالسلفية الجهادية عن الرغبة في الحوار، أبدت الدولة ممانعة وصدّت عن ذلك.. برأيكم ما السبب في ذلك؟
- أعتقد أنه ما يزال هناك بعض الجهات تتمنى، للأسف الشديد، لو كانت الحركة الإسلامية المعتدلة في المغرب كلها متطرفة، حتى تصدق أوهامها وتصدق تمنياتها في أن يكون منطق الدولة في التعامل مع الحركة الإسلامية هو منطق التصفية والإقصاء والاستبعاد، ولكن أعتقد أن الحركة الإسلامية عليها أن لا تقدم لهؤلاء أي سند من أجل ذلك، ومن أجل اختطاف الدولة وأسرها وتوظيفها في خدمة رؤاهم الضيقة، فهؤلاء بهذا المنطق لا يفكرون في مصلحة المغرب ولا يهمهم استقراره.
* هل هناك قضايا ما تزال تحتاج إلى مراجعات أو نقد ذاتي كما تفضلون؟
- النقد الذاتي والمراجعة مطلب منهجي لا يتوقف ولا يرتبط بلحظة تاريخية ثم ينتهي، لماذا؟.. لأن الواقع يتغير والفكر الإسلامي ينبغي أن يكون فكرا متطورا، ولهذا نعتبر أن من بين الخصائص التي تتميز بها مدرسة حركة التوحيد والإصلاح هي أنها مدرسة تجديدية، فالتجديد مطلب مستمر، التجديد القائم على الاجتهاد الشرعي والسياسي والفكري، في إطار تنزيل مقاصد الدين وأحكامه في واقع متغير.
------------------------


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.