سنتحدث إن شاء الله عن تعريف الغسل لغة و شرعا و عن حكمه و دليل فرضيته و عن حكمة مشروعيته و عن موجبات الغسل و عن أركانه و سنن الغسل و مستحباته و عن الأغسال المستحبة و عن ما يحرم على الجنب فعله .. فأما عن تعريفه فى اللغة فلفظ الغُسْل يعنى التطهر من رفع الحدث أو إزالة النجاسة و أما معناه شرعا فهو تعميم الجسد بالماء الطهور .. " أما الغَسْل : الصب " .. الغُسل فرض على كل مكلف سواء أكان رجلا أم امرأة متى كان قادرا على أدائه .. الدليل على فرضية الغسل قوله تعالى : (وَ إِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهرُوا ) سورة المائدة / 6 / لفظ " الجُنب " يطلق على من أصابته جنابة بسبب جِماع أو احتلام / هذا اللفظ من الألفاظ التى يستوى فيها الواحد و المثنى و الجمع و المذكر و المؤنث فيقال : رجل جُنُب , و امرأة جُنُب , و هما جُنُب و رجال و نساء جُنُب / معنى المجانبة المباعدة لأن الجنابة تستلزم من المسلم و المسلمة اجتناب الصلاة و قراءة القرآن و مس المصحف و دخول المسجد .. أما عن حكمة مشروعيته فقد شرع الله تعالى الغسل من الجنابة للمحافظة على الطهارة و النظافة و النقاء و التنزه عن الأدناس و إعداد الإنسان نفسه للصلاة .. أما عن موجبات الغسل فمنها المباشرة التى تكون بين الرجل و المرأة سواء أنزل منىِّ أم لا و سواء أكان إيلاج كامل أم لا لقوله تعالى : (وَ إِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهرُوا ) / خروج المنىِّ بشهوة فى النوم أو فى اليقظة ففى صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، " الماءُ من الماء " أى أن الاغتسال من الماء الخارج بشهوة يكون بالماء الطهور فلفظ الماء الأول المقصود به الماء المُُطهِّر و لفظ الماء الثانى المقصود به المنىّ .. و فى الصحيحين عن أم سلمة رضى الله عنها قالت : جاءت أم سُلَيم إلى النبى صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله إن الله لا يستحى من الحق فهل على المرأة غُسلٌ إذا احتلمت ؟ أى إذا رأت فى النوم أنها تجامع زوجها ؟ فقال لها صلى الله عليه و سلم " نعم إذا رأت الماء " فقالت أم سَلَمة رضى الله عنها و هل تَحتلِمُ المرأة ؟ فقال لها صلى الله عليه و سلم تَرِبَتْ يداك فبم يشبهها ولدُها " ؟ أى قال لها صلى الله عليه و سلم رَحِمَكِ اللهُ يا أمُّ سلمة بأى شئ يشبه المولود أمَّه إذا لم يكن لها منىّ ؟ .. و إذا احتلم الإنسان و لم يجد منيا و تأكد من ذلك فلا غسل عليه لقوله صلى الله عليه و سلم للسيدة أم سُلَيم " نعم إذا رأت الماء " / عند انقضاء الحيض و النفاس يجب على المرأة أن تغتسل و هذا محل اتفاق بين الفقهاء لقوله تعالى : ( وَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى الْمَحيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَاِذَا تَطَهََّرْنَ فَأتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَِوَابِينَ وَ يُحِبُّ المُتَطَهَرِينَ ) سورة البقرة / 222 / و الموت سواء أكان ذكر أو أنثى و هذا باجماع المسلمين لقول النبى صلى الله عليه و سلم فى المسلم الذى سقط عن راحلته فمات : " اغْسِلُوه بماءٍ و سِدْرُ و كفِّنوهُ فى ثَوبين " .. و أما عن أركان الغسل " الفرائض " فمنها النية و محلها القلب / و تعميم الجسد بالماء الطهور .. الأحناف قالوا أن أركان الغسل ثلاثة : المضمضة و الاستنشاق و تعميم الجسد بالماء و النية عندهم سنة .. المالكية قالوا أن فرائض الغسل خمسة : النية و الموالاة و تعميم الجسد بالماء و الدلك و تخليل الشعر .. الشافعية قالوا أن فرائض الغسل ثلاثة : النية و إزالة النجاسة و تعميم الجسد بالماء .. الحنابلة قالوا : فرض الغسل شئ واحد و هو تعميم الجسد بالماء و يدخل فى الجسد الفم و الأنف .. أما عن سنن الغسل فمنها الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم / غسل اليدين / غسل الرجلين / و أن يفيض الماء على رأسه ثلاثا مع تخليل الشعر ليصل الماء إلى جميع شعر الرأس / التيامن / و الإقتصاد فى الماء .. أما عن الأغسال المستحبة فالأحناف قالوا ثلاثة : أن يغتسل عند الجمعة لأن يوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع ففى الصحيحين عن أبى سعيد رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم قال : " : " غُسْلُ يومِ الجمعة واجب على كل مُحتَلِم و أن يَمسَّ من الطِِّيب ما يقدِرُ عليه " - و عند العيدين - و الإحرام فعن زيد بن ثابت رضى الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم تجرَّد لإِهْلاَلهِ و اغتسَل " - و يندب الغسل بعد الحجامة و ليلة النصف من شعبان و ليلة القدر و لصلاة الكسوف و الاستسقاء / أما المالكية قالوا: غسل الجمعة و العيدين و الإحرام و لمن غَسَّلَ مَيِّتاً ففى سنن أبى داود و غيره عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " من غسَّل ميِّتا فليغتسل و من حملَه فليتوضأ " و الغسل عند دخول مكة و عند الوقوف بعرفة ففى الصحيحين عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما دخل مكة فعل ذلك - فقد روى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كان يغتسل لإحرامه قبل أن يُحرِِم و لدخول مكة و لوقوفه عَشِيةَ عرفة "– و عند دخول المدينةالمنورة / الشافعية قالوا مثل الأحناف و المالكية و أضافوا عليهم غسل الاستسقاء و الخسوف و الكسوف و المغمى عليه إذا أفاق و المجنون إذا عاد لصوابه / و الحنابلة قالوا مثلما قالت المذاهب الثلاثة .. و أما ما يَحرمُ على الجنُبِ فعله : الصلاة سواء أكانت نفلا أو فرضا لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ و لاَ جُنُباً إِلا عَابرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) سورة النساء / 43 / يحرم على الجنب مس المصحف و حمله فقد جاء فى الحديث الشريف عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يَحْجِبهُ عن قراءة القرآن شئ سوى الجنابة " / و يحرم على الجنب أن يطوف بالكعبة المشرفة لأن الطواف عبادة كالصلاة إلا أنه يصح معه الكلام الطيب .