رفض الافراج عن سنية الدهماني    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    فلاحون يستغيثون: فطريات ألحقت اضرارا فادحة بالطماطم المعدة للتحويل    الهلال الأحمر الإيراني يكشف تفاصيل جديدة حول تحطّم المروحية الرئاسية    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    تونس: عقوبات تصل إلى 3 سنوات سجنا لكل من يعتدي على أملاك الدولة    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    مختص في الموارد المائية : تحلية مياه البحر هو خيار ضروري    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    كرة اليد: الهلالي يرفض تأجيل نهائي كأس كرة اليد ويحمل المسؤولية لجامعة كرة القدم    الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة الحادية عشرة    صفاقس اليوم الجهوي للحجيج    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    القيروان: إنتشال جثة سبعينية من فسقية ماء بجلولة    قبلي: الإطاحة بمروج مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    حاول سرقة محل تجاري بأسلحة بيضاء ...فوقع في قبضة أمن قرطاج    الجنائية الدولية تطلب إصدار مذكرة اعتقال ضدّ نتنياهو    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    البرلمان يعقد جلسات عامة للنظر في عدد من مشاريع القوانين    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    غوارديولا يثير الشكوك حول مستقبله مع مانشستر سيتي على المدى الطويل    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    هام/ هذه نسبة امتلاء السدود..    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    فقدان 23 تونسيا في سواحل قربة ما القصة ؟    فيديو وصور يوثّقان المشاهد الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    بداية من اليوم : إنطلاق تحيين السجل الإنتخابي للتونسيين المقيمين بالخارج    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة رئيس ايران تنبأت به الفلكية ليلى عبد اللطيف قبل شهرين..وهذا ما قالته..!!    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    من هو المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية ب 24.5 بالمائة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعد التنصيري للعولمة.. أساليبه ومطامحه الدكتور جيلالي بوبكر
نشر في الفجر نيوز يوم 11 - 09 - 2012

* يظهر حرص الأمريكان وغيرهم في الغرب الأوربي الحديث والمعاصر على ضرب الإسلام والنيل من أهله بجلاء فيما يستخدمونه من وسائل وأساليب تقليدية ومتطورة سلمية وغير سلمية، ومن الأساليب التقليدية أسلوب التنصير، الذي تمارسه المؤسسات الدينية النصرانية، ليس فقط مع المسلمين في العالم بل في كل أنحاء المعمورة ومع جميع سكان الأرض، هذا الأسلوب يمثل العولمة الدينية التي تقوم بإعداد مخططات اختراق الإسلام والثقافة الإسلامية، وتعمل على نشر المعتقدات النصرانية التي تقول السح هو روح الله، وتعتبر الإسلام هو الديانة الوحيدة التي تناقض عقائد النصرانية، وهو حركة دينية معادية لكل تفكير ديني نصراني، ولكل مذهب من المذاهب المسحية، وللأصول التي تقوم عليها هذه المذاهب، لأن الإسلام مخطط تخطيطا يفوق قدرة البشر في عقيدته وشريعته، وهو الوحيد القادر على الوقوف في وجه النصرانية والتغلب عليها، لذا لابد من تسخير كل الإمكانيات لإيقاف مدّه الذي غزى ومازال يغزو العالم، ومن وسائل التنصير في العالم إنشاء مؤسسات دينية نصرانية مثل المعاهد ومراكز البحث وعقد المؤتمرات والملتقيات والندوات لغرض تحديد طرق التنصير وتجديد أساليبه ودعمه ماديا وماليا وسياسيا، مثل إنشاء مركز صموئيل زويمر في الولايات المتحدة الأمريكية ليتخصص في إعداد وتأهيل المنصرين، وكان إنشاؤه تكريما للقس صموئيل زويمر الذي قضى ثلاثة وعشرين سنة من عمره يبشر بالمسيحية ويدعو إلى التنصير في شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط، ومن المؤتمرات التي كان لها الدور الفعّال في النهوض بالتنصير وعصرنته مؤتمر كولورادو للنصرانية الذي انعقد في الولايات المتحدة الأمريكية راعي العولمة الدينية في سنة 1978، وكان الهدف منه اختراق الإسلام بالدرجة الأولى لأن الديانات الأخرى في العالم ليس بينها وبين النصرانية مشكلات فهي يسيرة الاختراق نظرا لضعفها وهشاشتها، أما الإسلام فهو عسير على الاختراق سواء كان أسلوب التعامل معه مباشرا أو غير مباشر، تقليدي أو عصراني، لذا لجأ دعاة التنصير إلى استعمال عدة أساليب، منها التنصير من خلال المرأة التي تُستغل لدى العامة من الناس من طرف المنصرين على أنّها مخلوق يختلط به الجن والشياطين ويمكن أن يُستغل هذا المخلوق وسيلة للوصول إلى المراد في الخير أو في الشر من خلال ما يتصل به من أرواح خفية خيّرة أو شريرة، والتنصير من خلال الاعتماد على جهات ما في العالم يختلط فيها الإسلام بالعديد من المعتقدات الوثنية، وبالكثير من الخرافات والأساطير والشعوذة وغيرها، مثل ما حصل وحاصل في جزيرة جاوة الإندونيسية أو ما يعرف بالإسلام الجاوي نسبة إلى الجزيرة، حيث تجري هناك ممارسات تعبدية نصرانية تشبه إلى حدّ بعيد أداء الشعائر الإسلامية مثل الجلوس على الأرض والسجود والركوع واختيار شهر رمضان للتعاطف مع المسلمين وغيرها من الممارسات، ومنها تدخل النصرانية وتتعايش مع الإسلام على أنّ تعاليمها تتقاطع مع تعاليم الإسلام، فينتقل المسلمون إلى النصرانية مادام لا فرق بين الديانتين، ويكون التنصير من خلال دور الأيتام ودور المسنين والعجزة والمرضى واستغلال ظروف الأطفال في الأحياء الفقيرة، فأصبح الجهل والفقر والشيخوخة واليتم والطفولة وغيرها، كل هذا أصبح نعمة على التنصير، ففي هذه الأوضاع يتنصر الناس ويكفرون بعقائدهم الأصلية، ويعدّها المنصرون انتصارا للمسحية على الإسلام وعلى غيره، فالكفر كما يُقال يقول للفقر إذا ذهب إلى بلد ما خذني معك.
* ومن أساليب التنصير وهي قديمة استغلال الكوارث الطبيعية وانتهاز فرص ما تخلفه الكوارث من تشرد وضياع ودمار وخراب، مثل الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير وغيرها، وتصبح لدى النصارى النقمة نعمة والضرر نفعا وشرّ الطبيعة خيرا على التنصير والنصرانية، إذ يتدخل المنصرون باسم الصليب الأحمر وغيره بإمداد المنكوبين والمتضررين بالمؤن وسائر المساعدات بيد وكتاب الإنجيل باليد الأخرى، وهو الأمر الذي يجري في إغاثة الجائعين واللاجئين فرار من الحروب أو من القحط، وكذلك الأمر مع الحروب التي تديرها القوى الكبرى في العالم، فجنود الاحتلال الأمريكي والبريطاني والفرنسي في العراق وفي أفغانستان وحيثما نزلت نجد أفرادها يحملون السلاح بيد والإنجيل باليد الأخرى، وهو الفعل الذي يقوم به الصليب الأحمر في كل أنحاء العالم بمبرر مساعدة الضعفاء والمحتاجين والمرضى وضحايا الكوارث الطبيعية والإنسانية، وصار المنصرون ينتظرون هذه الكوارث بل يسعون إلى تفجير النزاعات والحروب لإحصاء عدد الأطفال المخطوفين والمهجرين ولإحصاء عدد المتنصرين الجدد، لأنّ الناس في الظروف الرخاء والأوضاع العادية لا يتأثرون بالنصرانية، خاصة وأنّ مبادئها لا تقوم على الاستقامة والصدق في الفكر والسلوك والأخلاق، وبالتحديد إذا ما قورنت مع الإسلام أو ناظرته، ولما كانت وسائل وسبل التنصير مكشوفة ومفضوحة وجهاتها معروفة، وبات حظرها أكيدا في البلاد الإسلامية لجأ المنصرون إلى استخدام العمالة الأجنبية وتدريبها وتأهيلها في مراكز متخصصة في ذلك، كمركز صمويل زويمر للقيام بالمهمة، والعمالة الأجنبية ذات الخبرة العلمية والفنية التي تحتاجها سائر بلدان العالم تقوم بمهمة التنصير في البلدان التي تعمل بها خاصة في بلاد المسلمين، وتتعدد أساليب التنصير لتشمل القرآن الكريم ذاته والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي وغيره، تقوم محاولات اختراق القرآن من خلال استعمال ألفاظه ومصطلحاته وأساليب ترتيله وتجويده في قراءة الإنجيل، حتى يعتقد القارئ أو السامع المسلم أنّ هناك توافق كبير بين القرآن والإنجيل، ولا يجد عائقا في احترام النصرانية، ويبدأ التحوّل التدرجي إلى أن يقع التحوّل الإيجابي وتحدث المعجزة النصرانية، يجري تزييف حقائق الإسلام والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي من قراءتها ومزجها بتعاليم النصرانية ثم عرضها ممزوجة بالنصرانية فيتوهم المسلمون أنّها من الإسلام وهي لا علاقة لها به، مثل قراءة المنصرين للشعر العربي وللشعر في العصور الإسلامية وحفظه ثم مناقشته مع المسلمين ثم يقدمون الشعر منسوبا إلى النبي داوود عليه السلام، ومثل ذلك في إيهام الناس على أنّ النصرانية عقيدة توحيد مثلها مثل الإسلام، بالإضافة إلى دور الترجمة، حيث تُرجم الإنجيل في السنوات الأخيرة إلى أكثر من مائتين وخمسين لغة في العالم ترجمة جديدة، تُرجم إلى أكثر اللغات انتشارا في العالم.
* كان ولازال الأسلوب غير المباشر الذي يعتمد عليه المنصرون هو الأكثر تأثيرا في الناس، لأن الأسلوب المباشر التقليدي مهما تطورت أدواته من وتعاظم تأثيره من خلال دور البحوث والدراسات، ومن خلال دور المدارس والجامعات والكليات والمعاهد الأمريكية التي فتحت أبوابها للتنصير في بيروت وفي اسطنبول وفي غيرها لم تحقق النجاح الذي حققته الأساليب الأخرى، كالارتكاز على مؤتمرات حوار الأديان وحوار الثقافات وحوار الحضارات والتسامح الفكري والديني، والاعتماد على الكلمة المُذاعة والصورة الجذابة البرّاقة والصوت العذب الحنون العطوف في البرامج والمسلسلات والأفلام وغيرها في المباشر وفي غير المباشر، ومؤتمرات تكريم الفنانين وهي وأدوات وأساليب لا تدخل في جدل ومناظرة لأن الجدل والمناظرة والحوار أساليب لا تفيد في شيئ ولا تصنع التغيير الإيجابي ولا تحدث المعجزة النصرانية، فالتي تُحدث الاختراق وتنفذ إلى القلب والعقل وتحقق المعجزة النصرانية هي الكلمة اللامعة والصورة الجذابة والعمل الرائع، ينهض بهذا عدد من التوصيات التي خرج بها مؤتمر كولورادو، وينفذها عدد من المنصرين الذين تكوّنوا وتلقوا تأهيلهم في مركز "صموئيل زويمر"، وفي غيره في الولايات المتحدة الأمريكية راعية العولمة الدينية وتوحيد العالم عقائديا، وفي غيرها من بلدان أوربا الغربية وأوربا الشرقية، فهي لا تُصدر الجهل والعمى الفكري باسم العلمية والحرية الفكرية وثقافة الحداثة والليبرالية، ولا الاستبداد والحروب باسم الحرية والديمقراطية والتعددية، ولا الفقر والجوع والمرض باسم اقتصاد السوق، ولا الأسلحة الفتاكة المدمرة وقواتها وقواعدها في كل أنحاء المعمورة باسم حماية الأقليات المقهورة وحماية حقوق الإنسان، ولا الرذيلة والانحلال الأخلاقي باسم الحرية في المتعة والترفيه والتسلية، وباسم اختزال الزمان والمكان بتطور وسائل الإعلام والاتصال فحسب، بل تُصدر النصرانية إلى مختلف أنحاء العالم، وإلى البلاد الإسلامية بصفة خاصة، لأنّ النصرانية في كل الأحوال تبقى المرجعية الدينية للثقافة الغربية وللحضارة الحديثة والمعاصرة.
* إنّ الهدف من التنصير في الثقافة النصرانية غرس روح المسيح في الثقافة الإنسانية عامة وفي الثقافة الإسلامية بصفة خاصة، لتتمكن الروح المسيحية من إحداث التغيير الإيجابي والمعجزة النصرانية التي وجدت أصلا لأجلها، وتعاونت وتتعاون النصرانية في المشرق العربي مع النصرانية الغربية والواجب عليها أن تتعاون مع الإسلام لأنّها هي جزء لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي والتاريخ الإسلامي، إلاّ إذا تنكرت لذلك تعسفا وجحودا، وتُعلّق العولمة النصرانية أمالا كبيرة على دور الكنائس الوطنية في البلدان الإسلامية في أعمال التنصير، وعلى العمالة الفنية التي أصبحت تقوم مقام المنصرين في العالم أجمع وفي البلاد الإسلامية وخاصة في البلاد التي تمنع دخول المنصرين، وبدل من ممارسة التنصير في البلدان الغربية، تجري ممارسته في البلدان الإسلامية خاصة الفقيرة منها، ذلك لقاء رغيف خبز أو جرعة دواء أو وعد بالسفر إلى الغرب الأوربي، وكثيرا ما تُستغل علاقة الأنظمة في البلدان الإسلامية والعالم الثالث المجاملة للغرب الأوربي وللولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وإعراضها الدائم عن الخوض في موضوع التنصير أو حتى التقرب منه، لأنّ ذلك قد يسبب لها مشاكل مع الدول الكبرى، وهي في أمس الحاجة لنيل رضاها السياسي وتعاونها الاقتصادي، فهي أنظمة تابعة للنظام العالمي الاقتصادي والسياسي الذي تفرضه القوى المهيمنة، مما يؤكد بوضوح أنّ النصرانية هي ديانة العولمة ومعتقدها، والمرجعية العقائدية والروحية لأقطاب المركز ولأتباعه، وتمثل النموذج العقائدي الذي تحرص العولمة على تعميم استعماله على شعوب العالم قاطبة، وبصفة خاصة الشعوب الإسلامية، نظرا لما تشكله استقامة الإسلام وقوامه على الحق والعدل والخير والصلاح في المعتقد وفي الفكر وفي الأخلاق وفي السلوك من خطر كبير على جور العولمة واستبدادها وقهرها الشديد لبني الإنسان فرادى وجماعات.
* هذه حرب بين النصرانية والإسلام لا تختلف عن الحروب التاريخية الصليبية وربما أخطر منها، لأنّ العدو في الحروب الصليبية كان معروفا والأساليب الحربية ووسائلها مكشوفة بينما في الحروب الصليبية الجديدة المعاصرة ونظرا لتخلف المسلمين وانقسامهم وتشرذمهم لم تعد بأيديهم وسائل المعرفة والسيطرة، فصاروا طعمة سائغة في فم الأعداء، والواجب على مؤسسات الفكر الإسلامي والثقافة والعلم لدى المسلمين التصدي لظاهرة التنصير في البلاد الإسلامية خاصة تلك التي يؤمها المنصرون من حدب وصوب، وأن تستثمر كل الإمكانيات البشرية والمادية في هذه الحرب، لأن التنصير على حد قول أحد المفكرين المسلمين المعاصرين الذي اضطلع بمهمة كشف خطط التنصير وفضح جرائمه والتصدي له بالفكرة النيّرة وبالكلمة القويّة وبالقلم ذودا عن حمى الإسلام ومحارمه:"التنصير هو احتلال العقل والقلب ليتحول إلى تأييد وتأبيد لاحتلال الأرض والوطن ومصادرة سيادة الدولة وكرامة الشعوب". وذلك هو مبتغى حركة التنصير في العالم وغايتها القصوى.
* من آثار العولمة وحكم القوي الظالم على الضعيف المقهور ممارسة التعسف والتسلط تجاه الضعفاء في العالم في كافة ميادين الحياة ومن غير استثناء، ومن دون احترام لأي من المقدسات الدينية للمستضعفين أو للقيم التي تأسست عليها الحضارة الغربية وعرفها الغرب الأوربي منذ قرنين من الزمان، الحرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان وغيرها، فالنظام في فرنسا المعاصرة ينتهك حقوق الإنسان، ومنها حرية المعتقد والتدين مع الفرنسيين أنفسهم الذين يحملون الجنسية الفرنسية، ويتمتعون بالمواطنة داخل فرنسا، إلاّ أنّهم يعتنقون الإسلام دينا ومن أصول غير فرنسية هاجرت إلى فرنسا، وبالرغم من أنّ الإسلام يمثل الديانة الوطنية الثانية في فرنسا بعد الكاثوليكية فإنّ العداء الشديد للإسلام وللمسلمين جعل فرنسا السلطة والحكم والإدارة تدوس بشكل كامل على القيّم التي تؤمن بها والتي جعلتها في مصاف الدول الكبرى في العالم، وهي احترام الحريات الأساسية التي بدونها لا تقوم للدولة العلمانية قائمة، منها حرية المعتقد والتدين والتعبد، وبقاء الدولة موضوعية وعلى الحياد تجاه كل الأديان التي يعتنقها مواطنوها، واحترام قيّم العدالة والمساواة بين المرأة والرجل وبين كافة مواطنيها بعيدا عن أي شكل من أشكال التفرقة والتمييز تحت أي مبرر أو ضغط أو تأثير، ففرنسا السلطة أخذت على عاتقها انتهاك حق مواطنيها المسلمين في حرية التدين والتعبد، من خلال حظر البرقع أو ما يسمى في فرنسا بالحجاب الكامل أو النقاب، وأثارت حوله ضجة إعلامية قويّة، هيئت لسن قوانين تمنع الحجاب في الأماكن والمؤسسات العمومية، وتدفع المسلمات إلى ممارسة العري والتبرج، وهو شكل من أشكال من العولمة، عولمة اللباس الأوربي الغربي وتعميم استعماله في البلدان الغربية صاحبة الحرية والأخوة والعدالة والمساواة، خاصة وأنّ اللباس أمر خاص وشخصي واختياري، كما هو متصل بالشخصية الثقافية والعقائدية للإنسان ولا علاقة لأيّة قوّة خارجية التدخل في تحديد صورته، إنّ الدافع إلى مثل هذه الأعمال في فرنسا وفي غيرها تجاه المسلمين إنّما هو الحقد على الإسلام والمسلمين، ومن وراء ذلك جنوح المقدس العلماني لصاح المقدس الديني النصراني الكاثوليكي الذي اخذ مدّه يتراجع أمام توسع نفوذ الإسلام وقدرته على التكيف مع مظاهر التقدم والازدهار الحضاري المعاصر، وقدرته على كشف مناقص هذا التقدم واستعداده للتصحيح والتوجيه بما هو في خير وصلاح الإنسان.
* لم يشفع للسكان المسلمين إسهامهم في بناء وتطوير الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل فرنسا المعاصرة وفي أوربا عامة، ولا التضحيات التي قدّمها آباؤهم وأجدادهم في سبيل سيادة واستقلال الأراضي الفرنسية، حيث مات أكثر من مائة ألف جندي مسلم من أجل فرنسا بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، لكن هذا لم يوقف الحملات المسعورة الإعلامية والبرلمانية القانونية وغيرها ضد الإسلام والمسلمين منذ تأسيس الدولة الفرنسية الحديثة إلى اليوم، مرة باسم الهجرة المكثّفة، ومرة باسم الإرهاب الذي ليس له مدلول ولا عنوان، ومرة باسم القميص، ومرة أخرى باسم البرقع، وفي كل مرة يظهر الدافع الجديد الذي يُذكي تلك الحملات ويُغذّيها، الحملات التي تعتبر الإسلام دينا لا يتناسب مع قيّم فرنسا العلمانية، وتدفع باستمرار وبقوة إلى فرض التشتت والتشرذم في أوساط المسلمين مما أثّر سلبا على وحدتهم، على عكس اليهود، ولما يلقونه من تأييد ودعم من القوى العظمى وهم قلّة على درجة عالية من الوحدة والتنظيم، وخشية الغرب من انتشار الإسلام على الرغم مما فيه من سماحة وتسامح وبالرغم ما يقدمه المسلمون صار يظهر العداء لهم ويحرمهم من ممارستهم شعائرهم التعبدية في اللباس أو في الصلاة أو في غيرها، فكثيرا ما يؤدون صلاة الجمعة في مرائب السيارات وبداخل الدهاليز والأقبية تحت العمارات والمباني، في الوقت الذي ينعم فيه النصارى بالفائض في الأموال والمحلات والعقارات ومؤسسات إنتاجية واقتصادية صناعية وزراعية وغيرها، وانتشار البطالة والفقر والمخدرات والسرقة وغيرها من الجرائم بين سكان الضواحي في باريس وفي غيرها من المدن الفرنسية والأوربية، وهي أحياء يقطنها الغالبية من المسلمين، الأمر الذي يدل على ما يلقاه المسلمون والإسلام في فرنسا وفي أوربا الغربية عامة من التهميش والتمييز والحرمان الذي لا يعكس قيّم الحرية والعدالة والمساواة والأخوة التي تنادي بها فرنسا وغيرها في العالة المتحضر، ويدل على حرص الجهات الرسمية وغير الرسمية في فرنسا وفي أوربا عامة على تجريد المسلمين من عقيدتهم وخصوصيتهم الثقافية والتاريخية ودفعهم إلى ترك دينهم والكفر به واعتناق النصرانية، لأنّ الكفر يقول للفقر إذا دخل بلدا ما: خذني معك.
* فالجالية المسلمة في الغرب الأوربي تعيش معاناة قاسية بسبب اتهامها بالعنف والإرهاب وبالجريمة بمختلف أنواعها، ويقوم في فرنسا المعاصرة حوار الهوية الوطنية لا لسبب سوى لارتداء المسلمة الفرنسية لباسها الإسلامي الذي يستر جسمها وعوراتها، فتتحرك الحكومة ويتحرك البرلمان وتتحرك جميع الأحزاب والمنظمات الوطنية المعادية للإسلام وترفع شعار العلمانية في حق من الحقوق الأساسية ومن الحريات التي يحميها ويصونها الدستور العلماني الفرنسي، وكأنّ فرنسا تنقضّ على نفسها فتضع القوانين وتحدد المبادئ وفي الوقت ذاته تنقضّ على هذه القواعد والمبادئ فتدمرها، ففي حوار الهوية يدعو الكثير إلى منع النقاب على المرأة المسلمة وإلى طرد كل من زوجته ترتديه وحرمانه من الإقامة في فرنسا، وتمّ استغلال وسائل الإعلام والاتصال الخاصة والعمومية بكيفية رهيبة، وتوظيف مراكز ومؤسسات البحث والدراسة في المجتمع، ذلك لأسباب إيديولوجية وأمنية ظاهرة، لكن في الحقيقة توجد أسباب خفية عقائدية نصرانية ويهودية، وهذا يتعارض تماما مع التوجّه العلماني لسياسة الدولة، ففرنسا ليست دولة دينية حتى تطرح وتناقش قضية البرقع في حوار وطني وتستغل في ذلك وسائل الإعلام الرسمي، فالدين والتعبد والمعتقد والحجاب وغيره شؤون فردية ذاتية شخصية بحتة، لكن العولمة المتوحشة الشرسة أتت على الأخضر واليابس، ولم تترك مجالا في الحياة الإسلامية في الدول الكبرى أو خارج هذه الدول إلاّ دهسته، غير مبالية بمقدسات المسلمين أو بالقيّم الإنسانية العليا التي كانت وراء الظروف والأوضاع التي صنعت توجّه العولمة وفرضته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.