عدد هام من مساجدنا خارج عن السيطرة، يبث من خلاله المتشددون الذين يعرفون بانتمائهم الى التيار السلفي الجهادي خطابا يحرّض الشباب على الجهاد في سوريا ومالي. مما جعل تونس تعدّ «المصدّر» الأول للجهاديين في هذه الدول وضحايا الاعتقالات والتعذيب والموت... وزارة الشؤون الدينية اعترفت بخروج أكثر من مائة مسجد عن سيطرتها وذلك خلال حديثنا الى مستشار وزير الشؤون الدينية السيد الصادق العرفاوي مضيفا «بعد الثورة وقع تنصيب هؤلاء الأئمة وعزل الذين عينتهم وزارة الاشراف، هناك من الجماعات من استولى على المساجد بالعنف على غرار الجامع الكبير بالدندان».
ولاحظ أن هذه الجماعات ينتمي جلها الى التيار السلفي الجهادي تعتمد العنف ويتجمّعون من أحياء مختلف للاستيلاء على المساجد بالقوة. وهو سلوك مخالف للقانون وللشرع، ذلك أن الأئمة يجب ان تتوفر فيهم شروط منها الكفاءة والعلم...
الإقناع؟!
سألنا مصدرنا عن السبيل التي اتبعتها وزارة الاشراف لاسترجاع السيطرة على هذه المساجد فأجاب بأنه تم توخي الحوار والاقناع وفي حال تم استعمال العنف للاستيلاء على المساجد يتم علاج هذه المسألة قانونيا عبر إحالة شكاوى الى القضاء او الامن. وعن عدد القضايا التي تم احالتها الى القضاء عبر المكلف العام بنزاعات الدولة ذكر مستشار الوزير أنها تناهز 15 قضية.
دعوات واضحة
ولم يخف مصدرنا أن الأئمة الذين يتم تنصيبهم في المساجد من السلفيين الجهاديين يستعملون في خطبهم الدعوة الواضحة للجهاد والتطوع للقتال في مالي وسوريا. كما لاحظ ان عديد المصلين هجروا المساجد يوم الجمعة بسبب هذا الخطاب الديني التكفيري العنيف وقدّموا شكايات الى وزارة الاشراف في الغرض.
سلاح في المساجد؟
سألنا محدّثنا عن مدى امكانية تخزين أسلحة في المساجد فأجاب بأن هناك مجموعات استحوذت على مفاتيح المساجد يفتحونها ويغلقونها وربما يبيتون فيها ولا أحد يعلم ما الذي يمكن ان يكون بحوزتهم. وهناك جماعات لا تحتكر سوى خطبة الجمعة فقط وصنف ثالث للأسف لا علاقة له بالدين ينتمي الى السلفية وهو فئة من «الباندية» ممن كانوا خارجين عن القانون ينصّبون أنفسهم اليوم أئمة ورغم ان باب التوبة مفتوح الا ان الامامة تستلزم العلم والإلمام بالدين.
مساجد وجمعيات
من جهة أخرى سألنا الاعلامي والمختص في الجماعات الجهادي الاستاذ هادي يحمد ان المساجد التي تسيطر عليها الجماعات السلفية المتشددة تحرّض على الجهاد الى سوريا ومالي لكن ليس مباشرة ففي خطبها هناك حديث عن نصرة اخواننا المؤمنين في كل الدول لكن مسالك ارسال المجاهدين يتم عبر طرق أخرى أكثر حذر وسرية ليس لها علاقة بالأئمة.وهناك شكوك حول بعض الجمعيات القريبة من السلفية الجهادية التي تقوم بدور مزدوج ففي الظاهر تنشط في مجال جمع التبرعات للتدخلات الانسانية والاجتماعية تحت غطاء قوافل المساعدات. وهي في الحقيقة تقوم بدور سري خفي وهو الحث على الجهاد والتجهيز له.
تواطؤ؟
سألنا مصدرنا هل هناك تواطؤ بين الحكومة وهذه التيارات باعتبار انه يمكنها منع الشباب السلفي من الانتقال الى تركيا ومنها الى سوريا أو الى مالي، فأجاب ان النهضة باعتبارها حاليا الحاكمة في صالحها نشر الجانب الدعوي للاسلام ضمن برنامج أسلمة المجتمع، لكن من المستبعد ان تتواطأ في مسألة الجهاد، بمعنى ان تشجيعها للجمعيات وفتح المساجد لتحركها بحرية تامة في أماكن العبادة هذا معطى ثابت، لكن تشجيعها على ارسال مجاهدين الى الخارج مسألة مستبعدة. وعدم منعها للشباب السلفي من السفر في مثل هذه الاجواء التي تعيشها البلاد حتى عندما علمها بأنها جماعات تسافر للجهاد له بعد قانوني. فحرية السفر والتنقّل مسألة يفرضها القانون.
وهنا تطرح هذه الوضعية مشكل هام وهو أن الحرية للجميع هي سلاح ذو حدين لذلك نلمس أن تعامل السلطة مع هذه الجماعات فيه ارتباك لأن مبدأ حرية العمل الديني يعدّ أحد ركائز عمل حركة النهضة.
تجريم هذا الفكر؟
ويبقى الاشكال قائما حسب مصدرنا كيف يمكن فتح المحال لأشخاص يحملون أفكارا خطيرة ويسمح لهم ببث أفكارهم داخل المساجد وأمامها عبر عرض كتب ومنشورات تحض على الجهاد والقيام «ببروباقندا» حقيقية لهذا الفكر الذي يحرّض على القتل... كيف يمكن السماح لهذه الافكار والجماعات بنشر هذه الدعوات باسم الحرية رغم أن كل ديمقراطيات العالم تعتبرها أفكارا خطيرة على المجتمع وأين يمكن ان تقف حدود الحرية الدينية؟
نشأة السلفية الجهادية
سألنا مصدرنا متى نشأت السلفية الجهادية في تونس فأجاب السيد يحمد بأنه من الخطإ التصوّر أن التيار السلفي الجهادي وليد الثورة ذلك أن هذا التيار يعود الى بداية سنة 2000 وبعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا.
وغزو العراق كان محرّضا للشباب على الذهاب للجهاد وبدأ انتشار فكر القاعدة عبر الفضائيات والانترنات وقد تمّ تسجيل أوّل حدث للقاعدة في تونس في حادثة الغريبة سنة 2002.
وقد كانت السجون هي الحاضنة للتيار السلفي الجهادي خاصة بعد تطعيم هذه السجون بالجهاديين الذين لم تكن لهم خبرة ميدانية بالجهاد مع الذين لهم تجربة في العراق والبوسنة مما كوّن لهذه الجماعات مراجع لها خبرة على غرار اعتقال الشيخ سيف ا& بن حسين (أبو عياض) في 2003 الذي أصبح أحد مراجع الجهادية في السجون يليه الخطيب الادريسي في 2006. ومرجع آخر وهو سامي الصيد العائد من ايطاليا في 2008 فالولادة الحقيقية لهذا التيار كانت في السجون. وبمجرّد رفع الغطاء بعد الثورة عن هذا التيار نشأت جمعيات بالعشرات وباسم الحرية تم التحريض على الجهاد وكتب أبو قتادة على قارعة المساجد رغم أنه ممنوع في العالم كلّه.
غسل أدمغة
باتصالنا بالباحث والإمام احمد الغريبي الذي تحدّث عن حال المساجد ومحاولة التيار الجهادي من خلال المساجد غسل أدمغة وتجييش مشاعر الشباب وتحفيزهم للجهاد ولاحظ أن هذا التيار يعتمد على الجهاد كمبدإ لنشر الإسلام ويتميز خطاب هذه الجماعات بالتشنج والتطرّف وهو يشتت ولا يجمّع لذلك فهو خطاب خطير على مجتمعنا إذ يهدّد وحدة التونسيين ويزرع الفتنة. وهناك عجز من الحكومة في السيطرة على ظاهرة الاستيلاء على المساجد يتساءل المصلون حوله هل أنه عجز مقصود أم لا وتبقى أسبابه غير مفهومةعند عموم التونسيين لكن في الغالب يفسّر بحالة الانفلات العام الذي تعيشه البلاد بعد الثورة. ولاحظ مصدرنا أن هناك جهات أجنبية تقف بالتأكيد وراء تمويل هذه الجماعات وحثّها للشباب على الجهاد وهذه الاطراف لا تريد خيرا لتونس.