وسط الكثبان.. مواقع سلبت قلوب مخرجي هوليود فصوّروا فيها «حرب النجوم» و«الذهب الأسود».. ومخزون من حضارة الشرق والصحراء وخيام ألف ليلة وليلة.. تلك هي كنوز السياحة الصحراوية في تونس.. لكن مثلها كمثل «سبعة صنايع والبخت ضائع». «الشروق» تحولت مع مجموعة من الخبراء والمختصين من أصحاب الخبرة وقدماء السياحة الى مناطق من الصحراء التونسية قصد الوقوف على مشاكل وتحديات التنمية والسياحة في هذه المناطق.. وحاولت الوقوف عند آراء المطلعين والخبراء بعالم السياحة من أعضاء الجمعية التونسية للتنمية السياحية (قدماء السياحة) والباحثين عن تنمية المناطق والحاملين لهواجس التنمية انطلاقا من تطوير السياحة بعيدا عن الحسابات السياسية والادارية.
تحدّث السيد لطفي خيّاط (رئيس الجمعية التونسية لقدماء السياحة) عن ثراء المخزون السياحي والطبيعة في مناطق الجنوب الغربي.. لكن هذا الثراء الطبيعي لم يخلق التنمية السياحية المنتظرة.. ومازال يعاني من مشاكل تفاقمت بعد الثورة.
ثروة مهدورة
الطريق في رحلة زيارة الجنوب الغربي مرورا بسبيطلة غنية بالمناظر الخلابة تستوقف «سبيطلة» ثاني العواصم في تونس بعد قرطاج، الزوار بآثارها العريقة هي مدينة أجادت نحت حضارتها التي نمت بين أغصان الزيتون، وعرفت البذخ.. يمر السائح الأجنبي او التونسي من الآثار ومن قطار قفصة الاحمر السياحي.. وتستوقفه مياه حامة الجريد المعدنية والصحية لكنها غير مستغلة ويدخل بالسيارات الكبيرة عمق الصحراء ويقف بمعالم مثل عنق الجمل في شط الغرسة.. وتستوقفه تمغزة والشبيكة بشلالاتها... وتستأثر الرحلة زوارها بمشاهد ديكور حرب النجوم والذهب الاسود ومنظر غروب الشمس والخيام المنتصبة مستعدة لعشاء بدوي.. والجمال غير المكترثة بما يدور بعيدا عنها من صحب الحضارة.. هذا جزء من ثروة الصحراء بواحاتها ونخيلها لكنها ثروة مهدورة وغير مستغلة.. كما تعاني المنطقة حسب جولتنا من غياب لبنية أساسية ومشاريع يقيمها الاهل والدولة مثل مشروع المياه المعدنية والاستشفاء في حامة الجريد اضافة الى اغلاق مشاريع ترفيهية أخرى يحتاجها السائح مثل المتاحف ودار زمان ودار شريط والشاق واق التي أقفلت أبوابها بعد الثورة.
أمن وخسائر
نزل عديدة أقفلت أبوابها بعد الثورة، ويقول السيد محمد الصايم المندوب الجهوي للسياحة إن هناك حوالي 19 نزلا قد أغلق بطاقة ايواء ثلاثة آلاف سرير من جملة 64 نزلا في كل من توزروقفصة. ولا تستقبل النزل التي تواصل فتح أبوابها غير 40٪ من طاقة استيعابها. ويستقبل قطاع السياحة حوالي 3 آلاف موطن شغل بجهة توزروقفصة ويشغل عموما حوالي 15 ألف موطن شغل بصفة مباشرة وغير مباشرة يرتبط «رزقهم» بالحركة السياحية لكنهم حاليا مهددون بسبب الازمة التي تعيشها المنطقة.
ويعود السيد محمد الصايم الى تاريخ السياحة الصحراوية الذي شهد انتعاشة في التسعينيات لكن الازمة انطلقت منذ سنة 2001 مع أحداث 11 سبتمبر ومع التصاق صورة الصحراء بالقاعدة وتواصلت تداعيات الازمة مع دخول البلدان الأوروبية في أزمة اقتصادية لتتواصل الازمة بعد الثورة ومع غياب الأمن والاستقرار في تونس وتخوّف السائح الأجنبي من القدوم. وأشار السيد محمد الصايم الى الاستثمارات التي بلغت حوالي 200 مليار في قطاع السياحة ومثلها في البنية الأساسية وغيرها في العقود السابقة لإحياء المنطقة وكي تلعب السياحة دورا رياديا في التنمية، لكن السياحة الصحراوية دخلت حاليا في حالة أزمة بلا أفق واضح، ولا مؤشرات للانفراج بسبب الضائقة المالية والوضعية المالية للقطاع والاجراءات البنكية والفوائد. وذكر مثال عبد الرزاق شريط الذي استثمر في المنطقة باحداث دار زمان والشاق واق ودار شريط لكنه مطالب بارجاع حوالي 18 مليارا وهو تحصل على 8 مليارات وأشار الى وجود بين 23 و30 مليارا من الديون المتخلدة بذمة المهنيين في توزروقفصة وهي في حالة مراجعة.
عطلة وحلول
أشار المندوب الجهوي للسياحة السيد محمد الصايم الى وجود طلبات على المنتوج السياحي الصحراوي خلال فترة عطلة الشتاء وقال إن السياحة الداخلية تمثل حاليا الحل. وأضاف ان كل المؤشرات تشير الى وجود إقبال من التونسيين على السياحة. ومن حلول تطوير السياحة عموما في المنطقة حسب رأيه نجد ضرورة استقطاب السياح الجزائريين من مناطق حدودية وتركيز وحدات صحية واستشفائية مثل جراحة التجميل وطب الأسنان والعلاج بالمياه المعدنية والطبيعية.
وأشار الى وجود امكانيات يمكن استغلالها في حامة الجريد للعلاج بالمياه الطبيعية. واعتبر ان الوضع الحالي في تونس والاجراءات الموجودة لم تساعد على استقطاب السياح. فالمنتوج في حاجة أولا الى الأمن. وتحتاج المنطقة الى تحويلها من منطقة سياحة عبور الى منطقة سياحة اقامة لاسيما مع توفّر المنتوج اللازم.
وتحتاج المنطقة الى معالجة جذرية للبنية الأساسية وللمحيط واحترام النموذج المعماري المحلي للبلاد وخلق متنفس من المؤسسات والمحلات الترفيهية القادرة على استقطاب السائح وتطوير السياحة الرياضية من قولف وسيارات وتزحلق على الرمال وسياحة المؤتمرات إضافة الى استثمار السينما ومواقع تصوير هوليوود لأفلام كبرى ووجود مؤثرات طبيعية وديكور طبيعي من الصحراء واستقطاب أفلام كانت ستصوّر في سوريا.
أزمة وأمن
تحدث السيد إسماعيل حمزة وهو من أعضاء الجمعية التونسية للتنمية السياحية قدماء السياحة ورئيس ديوان وزير سابق تحوّل الى التقاعد لكنه مازال يقوم ببحوث قصد تطوير السياحة والمساعدة بالفكر والتجربة عن حل مشاكل الصحراء وقال إن حل مشاكل الامن وصورة البلاد في الخارج واستقرارها هو الطريق الأول لكسب ثقة السياح واستعادتهم. وأضاف انه من المهم خلق إرادة سياسية تدعم الاستثمار بالمنطقة ومزيد العمل من اجل إحياء المنطقة.
بدوره أكد السيد لطفي خيّاط رئيس الجمعية التونسية لقدماء السياحة ان الارادة السياسية ضرورية للتشجيع على إنماء السياحة الصحراوية وجعلها رافدا من روافد التنمية في الجهة. وأضاف رئيس جمعية التنمية السياحية أن المنطقة كانت تعاني من مشاكل لكن المشكل الكبير بعد الثورة هو عزوف الطلبات بصفة عامة عن منتوج السياحة واعتبر ان العناية السابقة بالسياحة الشاطئية كانت على حساب تطوير أصناف أخرى من السياحة. وأشار السيد لطفي خياط الى روعة المناطق الطبيعية في الصحراء وفي مناطق مثل تمغزة والشبيكة وعنق الجمل والشلالات الكبرى.. وتوفّر الجبال والكثبان الرملية والى توفّر المنتوج بجهة الجريد بصفة عامة.
وأشار الى أهمية السياحة الفخمة ووسط الخيام مع وجود مآدب عشاء وموسيقى واحتفالات على الطريقة الصحراوية. ودعا إلى إعادة فتح مراكز ترفيهية ومتاحف مثل الشاق واق ودار زمان وقال ان كان صاحب هذه المحلات في حالة عجر فبإمكانه بيعها للخواص أو الدولة. وأكد على أهمية العنصر الأمني والجانب القيادي وتشجيع صغار الفلاحين على الاستثمار والغراسة قصد تكريس وغرس طابع المنطقة الحي والاخضرار والتنمية وسط الصحراء. وأضاف محدثنا بأنه حان الوقت لجعل السياحة الصحراوية سياحة إقامة لا سياحة عبور.
جولتنا في منطقة الجريد ونفطة وتوزروقفصة جعلتنا نقف عند كنوز يمكن استغلالها في السياحة والتنمية.. لكن هذه المناطق في حاجة إلى دفع وإيمان بخيراتها وتنشيطها وفي حاجة إلى الأمن والاستقرار كي تعود وتحيا وتنتعش. وكي تعيد الدكاكين والمراكز الترفيهية المغلقة فتح أبوابها بعد أن غلبها الكساد.
عزيمة.. وعودة «الشاق واق»
رغم الكساد التجاري والتعثر في المشاريع ووقوف «الدولاب» فإن أهالي مناطق توزر ونفطة أبدوا استعدادهم لمواصلة العمل وعن وجوبية النهوض بالمنطقة. وخلال حديث مع السيد عبد الرزاق شريط حول إعادة افتتاح مراكز «الشاق واق» و«دار زمان» و«دار شريط».. وإعادة فتح هذه المتاحف قال إنها ستعود للعمل بعد شهرين بعد أن تكبد في إصلاحها حوالي المليار. وأضاف ل«الشروق» أن المنطقة في حاجة إلى تكاتف مجهودات أبنائها والمستثمرين وأبناء وأصدقاء منطقة الجريد قصد تطويرها. وأكد صاحب مشروع «جنة النخيل» Eden Palm بدوره على أهمية القيام بمشاريع وتنسيق الجهود لخدمة المنطقة. كما تحدث السيد لطفي خياط عن ضرورة تكثيف المهرجانات والتظاهرات بالمنطقة وأن الأهالي هم من يخدمون منطقتهم بالأفكار حتى البسيطة منها إضافة إلى أهمية دور الارادة السياسية. تغادر منطقة الجريد محمولا بسحر الصحراء والمناطق.. لكن الأسئلة لا تنتهي حول الكنوز المردومة بالمنطقة.. منطقة قال عنها بعض الخبراء من جمعية السياحة كانت تشخر وزادت بعد الثورة.. وهي ذات سبع صنائع لكن «البخت ضائع».