ساعات تفصلنا عن رصد هلال رمضان... ومع بدء العد التنازلي يتحوّل سلوك التونسي نحو نزعة استهلاكية... و«لهفة» في الإقبال على المنتوجات الغذائية، ليقع في فخ التداين والإسراف والشهوات والنفقات. التونسي الذي يشتكي من ضغط المصاريف لا يحرم نفسه وشهيته من تلبية حاجيات العيون والبطون، حتى وإن كان بالكريدي... لتنطلق اللهفة. «الشروق» حاولت البحث في سلوكيات التونسي... ورصدت «حركاته» الاستهلاكية ساعات قبل رصد الهلال كما اتصلت بمصادر من منظمة الدفاع عن المستهلك والمعهد الوطني للاستهلاك.
خلال جولة قادتنا في الأسواق التونسية والفضاءات الكبرى، برزت الأكياس المنتفخة للتونسيين. تقول احدى المواطنات جليلة (موظفة) إنها خيرت اقتناء ما تحتاجه لأسبوع في رمضان تفاديا للزحمة وحتى توفر «مشاوير» من التبضع في الطقس الحار وأضافت أنها عادة ما تجدد طاقم الطعام في رمضان.
بدورها أكدت دليلة (ربة منزل) أن لرمضان طقوسه وأن الأكلات الخاصة بالشهر الكريم مكلفة وأن نوعية الأطباق من «بريك» ومقليات وطواجن، تتطلب استهلاكا إضافيا للبيض.
عموما بين عدد من التونسيين أن رمضان هو شهر له مصاريفه ورونقه وأنه من الطبيعي أن ينخرط ربّ العائلة في نمط استهلاكي خاص حتى وإن تواكل على «كارني» الكريدي أو التجأ للتداين من الأصدقاء أو إلى سلفة من البنك أو من الإدارة والمؤسسة التي يعمل فيها.
تضاعف في الاستهلاك
ذكرت مصادر من وزارة التجارة ل«الشروق» أن كل المنتوجات متوفرة وأن الوزارة قد اتخذت احتياطاتها ل«لجم» الأسعار والمحافظة على الإنتاج وتعويض النقص إن وُجد من خلال عمليات توريد لبعض المنتجات مثل اللحوم المبردة لسد حاجيات السوق السياحية والبيض. وحسب مصادر من وزارة التجارة فإن نسبة استهلاك اللحوم والدواجن تزيد في رمضان بنسبة 38٪ والبيض بنسبة 98٪ والحليب ومشتقاته بنسبة 92٪ والخبز بنسبة 30٪.
من جهة أخرى يتضاعف استهلاك الأسماك الجافة حوالي أربع مرات والتمور ست مرات. من جهته بيّن السيد سليم سعد الله نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك أن التونسي يتميز بلهفة خاصة في شهر رمضان وقد وضعت منظمة الدفاع عن المستهلك برنامجا خاصا للتحسيس والترشيد والتوعية خلال شهر رمضان.
واتخذت المنظمة شعار «بلا لهفة ولا تبذير» في هذه الحملة. بدوره ذكر السيد منجي الزواغي (من منظمة الدفاع عن المستهلك) أن للمواطن سلوكيات استهلاكية سلبية تتميز بالتبذير في رمضان وفسّر هذه السلوكيات بأن التونسي غير شاعر بدوره الاقتصادي الذي يقوم به.
واعتبر محدثنا أن المستهلك قادر على لجم ارتفاع الأسعار وتحديدها من خلال تصرفه الرشيد ومن خلال مقاطعة ما غلا ثمنه. ولم ينف السيد منجي الزواغي لجوء التونسي الغارق في مصاريف شهر الصيام والعيد ومع تزامن المواسم الاستهلاكية للتداين والاقتراض. وأكد أن الإقبال واللهفة يقفان وراء التداين.
حملة الاستهلاك في رمضان
خلال حديث مع السيد محمد لسعد العبيدي مدير المعهد الوطني للاستهلاك أكد أن معدلات استهلاك التونسي ترتفع في رمضان ولاحظ محدثنا أن استهلاك البيض يتضاعف بنسبة تصل 100٪.
ويقوم المعهد الوطني للاستهلاك بحملة لترشيد استهلاك التونسي وتقليص استهلاكه للبيض خلال الشهر الكريم ليمر من 20 بيضة للتونسي حاليا إلى 15 بيضة مع حلول سنة 2015.
ويعمل المعهد على القيام بحملة لترشيد السلوك الاستهلاكي وتوزيع الوجبات في شهر سيمضي فيه الصائمون ثلثي اليوم دون طعام ولا شراب. وأضاف السيد محمد لسعد العبيدي أن التونسي يضاعف من استهلاك الخبز والتن في رمضان.
ويتضاعف استهلاك التن عند التونسي بحوالي مرتين ويرتفع أيضا استهلاك الماء المعدني والمشروبات الغازية. كما يتميز شهر الصيام بمضاعفة استهلاك الزبدة والألبان ومشتقات الحليب عموما.
ولاحظ مدير المعهد الوطني للاستهلاك أن لهفة التونسي بدأت تتقلص مقارنة بالسنوات الماضية وهي أقل حدة فالمستهلك أكثر وعيا نوعيا بوجود وتوفر المنتجات. ولم ينف محدثنا أن التونسي عادة ما يلتجئ للتداين والقروض كلما تفاقمت المصاريف وتواترت المواسم الاستهلاكية.
عموما رمضان قد طرق الباب، هو شهر العبادات والشهوات كما يؤكد البعض... لكن التونسي يحاول «تدليل» نفسه في شهر تبقى له نكهته الخاصة حتما وإن كانت الضريبة هي الديون.