الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    استشهاد 20 شخصا في قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    تونس حريصة على دعم مجالات التعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( أحمد الحشاني )    مسؤول باتحاد الفلاحين: أضاحي العيد متوفرة والأسعار رغم ارتفاعها تبقى "معقولة" إزاء كلفة الإنتاج    تونس تشارك في الدورة 3 للمنتدى الدولي نحو الجنوب بسورينتو الايطالية يومي 17 و18 ماي 2024    المنستير: إحداث اول شركة أهلية محلية لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    رئيس الجمهورية يأذن بعرض مشروع نتقيح الفصل 411 من المجلة التجارية على مجلس الوزراء بداية الأسبوع المقبل    عضو هيئة الانتخابات: حسب الاجال الدستورية لا يمكن تجاوز يوم 23 أكتوبر 2024 كموعد أقصى لإجراء الانتخابات الرّئاسية    العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين بجرجيس مخبأة منذ مدة (مصدر قضائي)    الترجي الرياضي يكتفي بالتعادل السلبي في رادس وحسم اللقب يتاجل الى لقاء الاياب في القاهرة    كاس تونس - النجم الساحلي يفوز على الاهلي الصفاقسي 1-صفر ويصعد الى ربع النهائي    الحرس الوطني: البحث عن 23 مفقودا في البحر شاركوا في عمليات إبحار خلسة من سواحل قربة    طقس... نزول بعض الأمطار بالشمال والمناطق الغربية    المنستير : انطلاق الاستشارة لتنفيذ الجزء الثالث من تهيئة متحف لمطة في ظرف أسبوع    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    ملتقى وطني للتكوين المهني    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    آمر المركز الأول للتدريب بجيش الطيران صفاقس: قريبا استقبال أول دورة للجنود المتطوّعين    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    لم يُشهد لها مثيل منذ قرن: غرب ألمانيا يغرق في الفيضانات    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ند وات «الشروق»: أي إعلام... بعد الثورة؟
نشر في الشروق يوم 19 - 08 - 2011

«الاعلام ما بعد الثورة» في تونس... ذلك هو العنوان الذي حمل اختزالا لعدد من أسئلة الحيرة... حول مصير المشهد الاعلامي زمن الثورة... وعن دور الاعلام ما بعد الثورة، وعن أداء الاعلام ما قبل الثورة في تونس...
كما يحمل العنوان الذي اخترناه موضوعا لهذه المائدة المستديرية التي عودتكم «الشروق» على انجازها، كلما أردنا طرق موضوع متشعب واستراتيجي، مثل موضوع الاعلام، يحمل، آمالا لمشهد اعلامي ناطق باسم آمال الشعب وانتظاراته وتطلعاته...
الاعلام، ليس معلقا بين الأرض والسماء... هو مشهد مرتبط، بل لصيق بالشأن العام... وبالتالي فإن الاعلام كسلطة، قابل الى الجدل والنقد واعادة النظر، من أهل المهمنة: نعم ولكن أيضا من كل الفاعلين والمعنيين بالعملية الاعلامية...
لم ينته زمن القول بأن الاعلام رسالة... والصحافة رسالة نبيلة... ولم ينتف الاعتقاد بأن الاعلام سلطة، وأنه ليس بصيغة المضاف والمضاف اليه: اعلام السلطة...
هو سلطة مستقلة تتكون على عتباتها الرأي العام، فيتشكل المشهد ويصبح الرأي العام بمثابة الكفة الأخرى للميزان... بدونها لا يكون هناك عدل ولا قسطاس...
ولأن الاعلام مرة أخرى، ليس معلقا بين الأرض والسماء، فإن حاضنته الأساسية هي منظومة الحريات العامة... لذا وجب البحث والتمحيص في هذا المجال: ما هو وضع الحريات في تونس ما قبل وما بعد الثورة، وما هو مأمول من حراك الثورة وحراك الفترة الانتقالية التأسيسية...
عديدة هي المواضيع والملفات، المرتبطة بالاعلام وبالمشهد الاعلامي في تونس، ليست الصحافة سوى الجزء الظاهر منه...
الحدث الذي طفا على سطح المشهد الاعلامي اليوم، هو هذا المشروع لقانون الصحافة الذي صاغته لجنة الاعلام المنبثقة عن «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي» والخاضع الآن، لنقاشات وحوارات ان من حيث المبدأ: أي، هل يمكن ان يكون أمرا مشروعا، اصدار قانون للصحافة وفق مرسوم لرئيس الجمهورية المؤقت، أو من حيث المحتوى، وهل أن فصول هذا القانون السبعة والسعبين، كفيلة بأن تعطيه نعت قانون صحافة تقدمي وثوري، متناسق مع أهداف الثورة التونسية، ثورة، أهم ما جاءت من أجله ضمان حرية الاعلام...
«مشروع مجلة الصحافة والطباعة والنشر» هو العنوان الذي يتصدر نص المرسوم الذي لم يعرض بعد ولم يقع اقراره، هو جزء من هذا الملف الذي فتحناه الآن، على أعمدة «الشروق» في هذه المائدة المستديرة...
لقد جاء التمهيد للموضوع، مجسدا في هذه النقاط:
أولا: بسطة سريعة عن وضع الاعلام الصحافة أساسا ما قبل الثورة.
ثانيا: وضع الحريات في تونس ما قبل الثورة... على اعتبار ان منظومة الحريات العامة، هي الحاضنة لحرية الاعلام مبدأ وممارسة ففي ظل حياة غير ديمقراطية، ينتفي الحديث عن حرية صحافة وعن حرية تعبير أو عن حرية تنظم... اذ وحدها الدكتاتوريات، هي التي تحجب بل وتضرب كل صنوف الحرية، من فردية الى جماعية..
ثالثا: نظرة التواصل بين مراحل الاستعمار والاستقلال، وما بعد 1987 في مجال الاعلام وذلك عبر تناول سؤال محوري: كيف نقيم وضع الاعلام هل عرف فترة ايجابية وقعت مصادرتها في فترة ما (ونقصد فترة حكم بن علي) أم أن الاعلام كان «رافعة» الدكتاتورية من حيث أنه ملجم ومحال «على الصمت اذ لم نقل انه يصل في بعض الأحيان الى مرحلة الدعاية للنظام الحاكم ومرتبة شاهد الزور.
موضوع الندوة الأساسية ينطلق من محورين أساسيين، الأول ويهم مشروع قانون الصحافة، الذي يعرض الآن صلب الهيذة العليا لتحقيق أهداف الثورة والثاني يعني بالسؤال: ماذا نريد من اعلام ما بعد الثورة...
اذن عبر تفرعات هذا الموضوع الخطير والهام، سوف يتطارح جمع من الاخصائيين في مجالي القانون والاعلام...
فبالنسبة لمشروع مجلة الصحافة والطباعة والنشر، سوف يتمحور النقاش حول أسئلة أفرزتها البنود التالية:
الهيئة التي يصدر عنها هذا القانون، أي قبل ان يصبح مرسوما، هل هي مؤهلة للبت في قانون للصحافة قبل ان ينتخب المجلس التأسيسي؟
فالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، هي هيئة استشارية غير منتخبة، معينون أعضاؤها...
اذا كان هذا «القانون» يرنو الى تنظيم وضع الصحافة والاعلام وأدائهما فترة الانتخابات للمجلس التأسيسي، لماذا لا نسعى الى استصدار قرارات ترتيبية ولا يرتقي الأمر الى قانون، لأن القانون مصدر استصداره لا يكون سوى سلطة تشريعية منتخبة؟
اذا ما استصدر هذا المرسوم المشار اليه آنفا، وهو الآن قيد النقاش والتطارح صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، هل هو المؤقت الذي سيدوم؟
هنا في هذا الباب بالذات لابد وأن نشير الى ما حدث في المرسوم عدد 41 الذي صدر ماي الماضي، حيث يشير البند رقم 16 في ما يتعلق بمسألة النفاذ للمعلومة، أن أي وثيقة تحمل ختم: «سري» لا يمكن ان تنشر، وبالتالي فإن «فتوى» بسيطة من موظف يمكن ان تحبس المعلومة وتمنع نشرها بمجرد أن يسارع الموظف الى وضع ختم «سري» على أي وثيقة... والبند حسب ما يعلمه الجميع، لم يقع اقتراحه من الهيئة لا لتحقيق أهداف الثورة ولا لاصلاح الاعلام... وكلاهما عول على الطرف الثاني فإذا بالرئيس الموقت وضمن صلاحياته، يضيف ما يريد ويحذف ما يريد من المشروع المبسوط أمامه...!
اذن ماذا نفعل اليوم أمام هكذا وضعية لو طرحت، والرئيس المؤقت يمضي على المرسوم لمشروع مجلة الصحافة والطباعة والنشر؟ أليس أفضل في باب تحقيق أهداف الثورة، أن يكون نواب الشعب هم المجادلون والمؤمّنون على استصدار القوانين، كل القوانين؟
ماذا نريد من اعلام ما بعد الثورة، طرحناه محورا ثانيا، بتفرعات تشمل أسئلة من قبيل:
من المتدخل في مجال الاعلام والصحافة؟
ومن له الأحقية والشرعية في النظر والنقاش والمراجعة، لقانون الصحافة، خاصة وأننا عشنا في تونس على وقع قانون صحافة هو أشد زجرية من قانون الصحافة عهد «بينوشيه» في الشيلي...؟
ما هي وضعية الحريات ما بعد الثورة: هل أن كثرة الاحزاب وحرية التنظيم والجمعيات هي مؤشر على ان وضعية الحريات العامة تطورت؟
ما علاقة الشعب التونسي بهذا الحراك السياسي باتجاه تحقيق نظام ديمقراطي عماده حرية الاعلام وحرية التعبير؟
ماذا يمكن ان تنتظر من انتخابات المجلس التأسيسي في مجال الصحافة والاعلام؟
تلك هي المحاور والأسئلة الرئيسية لندوتنا هذه التي إلتأمت بمقر «دار الأنوار»، وقد استضفنا لها ثلة من الأساتذة من أهل الاختصاص والقانون...
في صحيفة «الشروق» لنا كل الاعتزاز وكل الفخر وكل الفرح، أن نستقبل الأستاذ العربي شويخة أستاذ جامعي بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار، وهو عضو في الهيئة الوطنية لاصلاح الاعلام والاتصال، هذه الهيئة التي وقع حولها الكثير من الحديث والجدل، بين مرحب وبين محترز وبين ناقد... المهم نحن نستقبل معنا الأستاذ العربي شويخة، ليسهم كذلك في تنوير الرأي العام بخصوص مهام هذه الهيئة وعلاقتها بالاعلام وبالصحافة، هل ستكون هذه الهيئة هي الرقيب أو المسير للاعلام... هل ستكون من والى عالم الصحافة... هذا ما سنعرفه من خلال «سي العربي شويخة»...
بترحيب واعتزاز كذلك نستقبل معنا زميلنا محمود الذوادي... ناضل كثيرا ودافع عن حرية الصحفي والصحافة... وهو صحفي مهني، ولكنه بصفته أيضا رئيس مركز تونس لحرية الصحافة...
نرحب كذلك بمشاركة الاستاذ عبد الستار بن موسى، العميد الأسبق لهيئة المحامين، ورئيس فرع سليانة للرابطة التونسية لحقوق الانسان... ومن خلال نضاليته الحقوقية التي نعرف عنها الكثير يشرفنا أن يدلي الاستاذ بدلوه خاصة وأنه عضو بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي...
نستقبل كذلك، وبكل اعتزاز أحد أعمدة الصحافة الحرة في تونس...
كيف لا يكون انسانا وكاتبا وصحفيا حرا وهو يوسف الصديق الذي قرأنا موقفه على صفحات أعرق جريدة باللغة الفرنسية في تونس: «لابراس» La Presse وهو الفيلسوف الذي طبع الصحفي بالحكمة والجرأة وقولة الحق... هو الفيلسوف والصحفي الاستاذ يوسف الصديق، الذي جعل الحقيقة سيفا قاطعا ولامعا، لا يخشى لومة لائم... سمعناه عبر التصريحات يتحدث عن الثورة وعن تونس الجديدة ولكننا قرأنا له «ريبورتاجات» عن الحروب وأماكن النزاعات... في صحبته يفرق بين الموقف والمجاملة: يوسف الصديق لم يكن يوما، مجاملا... وسنرى هذا الأمر مترجما طوال مراحل هذه الندوة...
نحن سعداء باستقبال السيدة آمال المزابي بوقراص، وهي التي أثثت مناقشتها لمشروع قانون الصحافة، بمادة قانونية، فيها التمحيص والمناقشة بالفكرة... هي رئيسة نقابة أصحاب الموسسات الاعلامية... وصاحبة جريدة اقتصادية: Eco.journal.
الاستاذ عبد الكريم الحيزاوي، أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار، والآن يشغل خطة المدير العام للمركز الافريقي لتدريب الصحفيين (CAPJC) وهو الذي لم يتقوقع في برج عاجي أكاديمي ولم ينس الاعلامي ولا رجل القانون في ذاته، بما أنه حاصل على شهادتين في الدكتوراه... بين المكون الاكاديمي والمشرع القانوني، بقي الاستاذ الحيزاوي دوما، في قلب المعارك الاعلامية التي ما فتئ يخوضها أهل المهنة وأهل المجتمع المدني في صراع الجمع مع الدكتاتورية والانغلاق وحبس المعلومة...
الكلمة الآن للأستاذ العربي شويخة، والسؤال يهم التمهيد لواقع الاعلام قبل الثورة تفضل...
الأستاذ العربي شويخة:
وضع الاعلام في تونس كان محل جدل وموضوع تقارير عديدة وضعناها، عبر فترات زمنية متعددة... ولم يكن الأمر، بخصوص نقائص وهنات الاعلام تهم عهد بن علي فقط، بل كانت السلبيات قد رصدناها منذ حكم بورقيبة... المشهد الاعلامي في كل النظامين يعاني الكثير من السلبيات... وكانت القوانين التي تنظم المشهد الاعلامي، قوانين زجرية في حق الصحفي وفي حق المتلقي (الرأي العام).
المشهد الاعلامي العمومي بجانبه السمعي والبصري والمكتوب، دوّلته السلطة... يعني أن هذا المرفق العمومي (الاعلام العمومي) أضحى جزءا من السلطة...
يخدم السلطة ولا يخدم المواطن السلطة في تونس، ومنذ الاستقلال (1956) اعتبرت الاعلام جهازا «appareil»، وبالتالي لابد وأن تسيطر عليه السلطة، وهذا الاجراء لم يمس الاعلام كوسائل مثل التلفزة والراديو ووكالة الانباء والصحافة العمومية المكتوبة فقط، بل طال التكوين أيضا... السلطة دوّلت التكوين في مجال الاعلام، وجعلت هذا المنتوج (التكوين) جزءا من الجهاز التابع لها والذي تحكم به ويمارس النظام السلطة وفقه... اذن تمكنت السلطة من أن توصل المشهد برمته الى نقطة أو محطة «دولية الاعلام»، أي أن الدولة هي المتحكم في الاعلام والسلطة أو النظام السياسي هو من أخضع عهد بورقيبة كما بن علي، الدولة الى طريقة الحكم...
لكن جاء يوم 14 جانفي، يوم الثورة، ما الذي وقع في هذا التاريخ، علاوة على حركة الثورة الشعبية؟ الذي حدث أن الصحفي التونسي، الذي سيطر النظام على تكوينه وعلى كيفية أدائه لعمله، وجد نفسه حرا... الصحفي التونسي، يوم 14 جانفي وجد نفسه حرا... لكنه حر بدون تكوين ولا ضوابط وهذا أمر عادي... بنظري او حسب التجارب الديمقراطية الانتقالية التي شهدناها عبر العالم نجد أن هذا الأمر الذي عاشه الصحفي التونسي وعاشته ولا تزال الصحافة التونسية، وقع في أكثر من بلد عرف الديمقراطية الانتقالية أو الانتقال الديمقراطي... وهنا يطرح السؤال: ماذا نفعل؟ اذا لم تكن هناك مؤسسات بلا شرعية، ماذا نفعل؟ من هنا حسب رأيي يمكن ان ننطلق في هذا الحوار حول الاعلام التونسي ما بعد الثورة.
الاستاذة أمال المزابي بوقراص تطلب الكلمة لتقول:
«انطلاقا من تجربتي الخاصة، أقول اننا في تونس، نمتلك تجربة اعلامية قد خضتها شخصيا... ومن خلال ما سأورده يمكن ان نكشف عن عينة، عن وضع الاعلام في تونس، في علاقته بالمتلقي وبالسلطة... مجلة «الأخبار القانونية» هي مجلة تحمل ذاتها في عنوانها، وتحوي أحكاما ودراسات لتستهدف جمهور قراء مختص... فأنا أتيت الى الاعلام من مجال القانون (محامية) كنا نخوض عبر المجلة المذكورة في قضايا تعنى بالقانون ولكن في بعض الأحيان وربما في أوقات معينة تصبح أحيانا كثيرة، نجد معارضة شرسة (من السلطة)، وذلك عندما يرفض لنا نشر أو اصدار القرارات التعقيبية... مع العلم ان مجلتنا «أخبار قانونية» هي وسيلة اعلامية مكتوبة تساهم في انارة أهل المهنة لذلك قلت في البداية انها مجلة تستهدف جمهور قراء مختص...
تواصلت تجربتي في مجال الاعلام، من خلال اصدارنا صحيفة أسبوعية تعنى بالمجال الاقتصادي وتحمل عنوان «Eco.journal» باللغة الفرنسية (أي الجريدة الاقتصادية)...
هذه الجريدة الأسبوعية، حاولنا من خلالها القرب من المجتمع... وكانت الصيغة المثلى ان تكون الصحيفة قريبة من المجتمع تهتم بشواغله الاقتصادية من كل النواحي الممكنة... وكنا ولا نزال نقدم المعلومة الصحيحة بحيث لا نزيّف شيئا في ملف الاقتصاد... ونورد الوضعيات كما هي في المجال الاقتصادي للبلاد... وهذا ما جعلها جريدة، خارجة أو هي مارقة عن «ذوق» السلطة الحاكمة... ولم يكن النظام والسلطة، يقدران على تطويعنا... من ذلك أنهم منعوا عنا الاشهار العمومي...
حصل وأننا دخلنا المجال الاعلامي وفق تصور معين... من ضمن ما كنا نعاني منه، هو أنه كان يحدث تضييق علينا اذا لم تكن هناك صور للرئيس موجودة على صفحات الجريدة... النظام كان يتعامل مع الصحافة بمنطق الضغوطات، ومنها الضغوطات الجبائية كما هو معلوم... هذا اضافة الى ان الاعلام التونسي، كان يعاني من نقص في الحرفية والحرية كذلك، اضافة الى النقص في الموارد التقنية...
«الشروق»: السيد محمود الذوادي، وقبل ان تأخذ الكلمة التي طلبت، بودنا أن نعيد التذكير بالسؤال ضمن فقرة التمهيد هذه: كيف ترى أو تقيم وضع الاعلام التونسي ما قبل الثورة، ذلك أنه وبوقوفنا على هنّات وسلبيات الاعلام ما قبل 14 جانفي، سوف نتوصل الى بلورة المشهد الاعلامي الذي نريد ما بعد الثورة؟
الزميل محمود الذوادي:
«في البداية أريد ان أنبه الحضور والرأي العام، أن الصحفيين تحديدا، لم يبدأوا نقدهم بعد 14 جانفي.... لم يبدأ نقد النظام بعد يوم الثورة 14 جانفي 2011... فهذا الأرشيف موجود، وشاهد على تحرك الصحفيين لذلك فإنه من حقنا بعد الثورة ان نشارك في نقد الوضعية التي كانت سابقة للثورة ومن حقنا وفق ذلك ان نؤسس لاعلام جديد.
بالنسبة لفترة ما قبل الثورة، أقول انه وطوال فترة عمر الصحافة بالبلاد التونسية التي تعود الى القرن التاسع عشر حين كانت الصحافة الايطالية هي السائدة، أقول انه لم تمر تونس الاعلام بفترة أسوأ من فترة الثلاث وعشرين سنة (23) فترة حكم بن علي! لم تكن هناك فترة رديئة أو أشد ردائة من الفترة المذكورة التي قضاها بن علي في حكم البلاد...
الجميع كان يتحدث عن الاعلام ويدلو بدلوه في الشأن الاعلامي، ما عدا الصحفيين... فترة ال23 سنة لابد وأن نضعها في اطارها... 23 سنة بدون «انترنيت»... وغيرها من الممنوعات في مجال الاعلام... شخصيا اعتبرها أسوأ فترة على الاطلاق لما قبل الثورة... هناك من الصحفيين الكبار، القدامى، من كان له دور... ففيهم من فقد شغلا لأنه لم يترجم برقية تهاجم الاتحاد العام التونسي للشغل (آخر السبعينات)... وتواصل الأمر عهد بن علي، بأكثر سوء ونستذكر هنا فترة الثمانينات والتسعينات حتى وصلنا الى 2004 حين تهدى لبن علي «الريشة الذهبية» من قبل مكتب جمعية الصحفيين.... كونا نقابة للصحفيين واستطعنا كسر جدار الخوف.. وهنا لابد وأن أذكر بأن نقابة الصحفيين، أرادها النظام (بن علي) ان تكون كما يريد هو، ولكن الانتخابات (13 جانفي 2008) نطقت بما يريد الصحفيون...
ونحن لم نأت من فراغ... نضالاتنا ونضالات أسلافنا أمر واقع..
الأستاذ يوسف الصديق:
«في هذا السباق، أردت ان أتحدث عن المعاش... طبعا ان أشارك في هذه الندوة، التي تنظمها جريدة «الشروق»، أصالة عن نفسي ونيابة عن الزميل حسن المانسي الذي يقدم مشروعا في المجال... ولكني سأتحدث في البداية بصفتي اعلامي قديم...
كنت أكتب بالفرنسية، في جريدة «لابراس» La Presse وشفع لي وقتها أن المادة التي اختص فيها هي السياسة العالمية... لأنه اذا قدم يوسف الصديق مقالا في الشؤون الوطنية فسوف يرفض... وهنا لابد وأن أشير، الى أنني اعتمد الصدق دائما، ولا أكذب كما يعرف عني العديدون... وسوف أذكر الوقائع في كل مرة مع ذكر شخوصها... كان قائما على الاعلام والسياسة (الحزب الحاكم) في الفترة التي أتحدث عنها كل من الكافي وبلخوجة والصياح... وفي وقت من الأوقات حدث وأن بدأت الضغوطات كبيرة، حين أصبح للشؤون العالمية علاقة مع السياسة الداخلية... فقد كثرت الممنوعات وطالت حتى السياسة العالمية... وتحذف منعت مقالاتي عديد المرات من الصدور...
كنت اذا لم أجد ما أكتب، أتحول الى أسلوب الاقصوصة... وهو فن كتابة أدبي، بعيد في الظاهر عن السياسة لجأت الى هذا الأسلوب، وكتبت أقصوصة عن 26 جانفي... (أحداث 26 جانفي 1978، هي عبارة عن انتفاضة شعبية، تحولت الى سجال عدائي بين الاتحاد العام التونسي للشغل ونظام بورقيبة).
لقد بقيت مدة سنة كاملة لم أكتب شيئا... فوجدت نفسي تقريبا بلا عمل... فاعتمدت على فكرة السفر في مهمات صحفية خارج تونس، أي الى المنطاق الساخنة عبر العالم... تنقلت بين عمان، أين كانت ثورة ظفار على أشدها ثم الى ارتديا، وكانت ثورة تحرر بامتياز.... ثم الى جوبا والسودان، من أين كتبت مقالا: موت الجنرال «La mort du Général»... قبيل ان يزاح جعفر النميري عن السلطة وينتهي...
«الشروق»: نتذكرك في الحرب الأهلية بلبنان واجتياح بيروت من الصهاينة في 1982!
نعم، كنت مراسلا ومبعوثا صحفيا من قلب لبنان الحرب الأهلية... تحت القنابل والرصاص... ورغم الضغط الكبير واصلت مهمتي... بالنسبة لنا هذا هو المهم.. العمل الميداني...
بعد الثورة، وحتى لا أطيل، وجدت أحدهم يشتمني بعد تصريح لي عبر احدى القنوات التلفزية.. في جريدتي التي كنت أنتمي اليها... وقصدت المدير العام لجريدة «لابراس»، السيد! حميدة بن رمضان وقلت له: لماذا يشتمني أحدهم في جريدة أنا ابنها... وكان منه الا أن أصلح الخطأ... وتمكنت من زاوية كتبت فيها 15 حلقة بعنوان «La chronique de youssef seddik» كان ذلك كل يوم خميس... وفي احداها كتبت ضد التطبيع.. وأنا دوما ضد التطبيع (مع اسرائيل)... وهنا لابد وأن أشير، وهذا رأيي طبعا، الى أنه صحيح اننا تركنا الصحافة قبل الثورة وقد تركنا المشهد في الصحافة العمومية وبه هنات كثيرة لكنه وبالقياس بما هو عليه مشهد الاعلام العمومي الآن، أقول انه كان أهون مما نرى ونسمع اليوم... أهون بكثير الآن في وسائل الاعلام العمومي، «الطين زاد بلة»، وصل الأمر بعد الثورة الى أن «السلطة» تزداد تحكما في الصحيفة...
«الشروق»: هذه شهادة من الواقع أستاذ يوسف الصديق، وفيها مقارنة أوصلتنا اليها بين فترة ما قبل الثورة وبعد الثورة، أي خلال هذه الفترة الانتقالية... هذا رأي فيه قصة معاناة ونضال لصحفي نعتز به، سي يوسف الصديق، وقد اثر ان يعتمد «المعاش» في مجال الصحافة، ليكشف لنا حيثيات المشهد، وفق الاسئلة التي طرحنا... الآن نسدي الكلمة الى استاذنا «سي عبد الكريم الحيزاوي» الذي ظل كما قلنا في التقديم، مراوحا بين الجانب الأكاديمي والجانب العملي في مجال الاعلام، ومراوحا كذلك بين الجانب القانوني والجانب الصحفي في مهمتنا، تفضل أستاذ الحيزاوي...
الأستاذ عبد الكريم الحيزاوي:
«وضعية الاعلام ما قبل الثورة... هذه التوطئة، نجدها مرتبطة بالمرحلة الحالية وما سيأتي من المراحل، في مجال الاعلام... ما نعيشه الآن هو مرحلة مخاض... نحن الآن نعمل على التأسيس لجمهورية ثانية... اذ خلال الجمهورية الأولى بدأ غلق وكتم صوت الاعلام منذ سنة 1956... كانت في تونس، قبل 1956 أصوات وتجارب صحفية اقليمية من ضمنها «J.Afrique»... وفي مستوى الاذاعات، نستذكر تجربة كانت تقلق الحلفاء، اذ عبر «راديو برلين» كان «سي محمد البحري» يقدم برنامجا عربيا... والذي كان يقلق الحلفاء... ثم جاء دور ال«بي بي سي» لتتصدى لصيت راديو برلين»...
من خلال هذه الأمثلة أردت أن أقول ان الفترات الانتقالية هي فترات مخاض... وقانون الصحافة في تونس، يعود الى بداية سنة 1956، حيث صدر أول نص قانوني منظم للحياة الصحفية في البلاد، يوم 9 فيفري 1956، أي قبل يوم الاستقلال... كانت مجلة تحررية وهي أول ثمرة من ثمرات الاستقلال وهي مجلة الصحافة... في ذاك الوقت كان النفس الوطني هو السائد، ونشوة الاستقلال هي الغالبة... الصحف أصبحت وطنية... ولكن رويدا رويدا، لم يحتمل النظام الدستوري (أي نظام يحكم بالحزب الحر الدستوري) لم يحتمل أن يكون هناك صوت آخر... أي أن أي سلطة غير سلطة نظام الحكم لا يجب ان تكون... لقد وضع نظام بورقيبة الاعلام (مبكرا) ضمن قاطرة النظام... البداية كانت مع ايقاف البشير بن يحمد وطرده من صحيفة «لاكسيون» L› action... ثم ايقاف مجلة Jeune Afrique.
وفي ديسمبر 1961 وجانفي 1962، أغلقت الصحف... وأصبح لا وجود لصحافة من غير التابعة للحزب وللدولة... وكان الصحفيون مغلوبون على أمرهم... وتواصل الأمر الى حدود 1977.. في ذاك العام، بدأ نوع جديد من الحركية... فالهادي نويرة، ومسايرة «لانفتاح» في المجال الاقتصادي، أراد ان يقوم بشيء من التعددية... استفادت منها جمعية الصحفيين التونسيين...
وأول مكتب مستقل تماما عن السلطة وبعيد عنها، شهدنا جمعية صحفيين مستقل مكتبها عن السلطة استقلالا تماما... وكان (الزميل) يوسف الصديق كاتبا عاما مساعدا بهذا المكتب لقد وصل الأمر الى قطع الارزاق... اليوم لابد وأن نستفيد: لكأن هناك اتجاها نحو اقامة العلاقة عضوية، من جديد، بين الاعلام والسلطة...
هنا لابد وأن نتساءل: كيف يمكن ان نضع القطيعة بين الاعلام والسلطة... هنا يأتي دور الدستور الذي تنتظر صياغته من المجلس التأسيسي الذي سينتخبك يجب ان نضع وننصص على ان الاعلام سلطة رابعة مستقلة المؤسسة الاعلامية عامة كانت أم خاصة، يجب ان تكون مستقلة... خاصة منها الاخبارية العامة... والا فإن القطيعة في ربط الاعلام بقاطرة السلطة سوف تفشل... ولن تحدث...
«الشروق»: الاستاذ يوسف الصديق، له قول آخر، أظن... هل لك اضافة أم تعليق على ما قدمه الاستاذ عبد الكريم الحيزاوي، ذلك حتى نعطي الكلمة لمن لم يتدخل الى الآن وأقصد الاستاذ عبد الستار بن موسى؟
في الأثناء يتدخل يوسف الصديق:
كنت أول من نادى ابان الثورة بادراج مفاهيم السلطة الرابعة وحرية الاعلام في الدستور وذلك في مقال صحفي وهنأني عنه أصدقاء وزملاء من فرنسا وأوروبا بينما لم يهنئني أي تونسي... قلت بالحرف الواحد لماذا لا نزيد الى ثلاثية مونتسكيو (السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية) سلطة رابعة وهي الاعلام مع التأكيد على انها حرة مستقلة لها سلطة المراقبة على بقية السلطات وحق التشكي من احداها... ما الذي يمنعنا من ذلك؟ فالثورة فتحت لنا كل الأبواب وهي عبارة عن أول شرخ في كرة العولمة كما قال ذلك هيبير فيدرين Hubert vedrine (وزير الخارجية الفرنسي الأسبق) أسعد كثيرا عندما تصدر مبادرة بهذا الحجم عن اعلامي لكن يحز في نفسي أن لا يتفاعل معها باقي الاعلاميين بل بالعكس يحاولون تقزيمها... فالفرصة اليوم مواتية جدا لتونس حتى تدخل التاريخ وحتى تكون أول دولة تؤسس لنظرية السلط الرابعة وليس فقط السلط الثلاثة التي جاء بها مونتسكيو، وذلك بطريقة علمية في تونس، أسند جانب هام من الثورة ان لم نقل أغلبها الى الحقوقيين ورجال القانون وهو خطأ فادح لابد من اسنادها أيضا الى المفكرين وفلاسفة القانون والاعلاميين... يوم 15 جانفي، بعثت ارسالية قصيرة عبر الهاتف الى مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي قلت فيها أن اعداد الدستور لا يجب ان يقتصر فقط على الحقوقيين بل لابد من تشريك الفلاسفة والمؤرخين ومستعد ان أكون منهم... ولكن بعد الجواب الايجابي في الأول، لم أعد أسمع شيئا عن الموضوع
أ.عبد الستار بن موسى:
الغريب انه في عهد الاستعمار (فرنسا) كانت الصحافة التونسية أكثر تحررا...
«الشروق»: ما المقصود بالتحرر: هل أنه في عهد الاستعمار كانت هناك أكثر حريات للصحفيين... الجواب هو بالنفي لكن ما يمكن قوله هو أن الصحفي يتأبط صفة نضالية وآنذاك لم تكن هناك حريات، وعندما جاء الاستقلال تولى النظام تركيز الاعلام كجزء من «قاطرته» الجديدة»...
ويعود أ.بن موسى ليواصل:
بالفعل كانت هناك نضالية وكان الاعلام ضمن قاطرة نظام الاستقلال... ففي الفترة الانتقالية (1956-1959) حاول المناضلون التأسيس لصحافة حرة، وبالفعل كان هناك هامش من الحرية في تلك الفترة، ثم جاء الاستقلال النهائي وتمت ممارسة ضغوطات على حرية الصحافة بعد ان تفطنوا الى أنها ستشكل حتما خطرا على النظام السياسي الذي يحاول في كل دول العالم ان يخلق صحافة موالية له... ثم جاء الدستور (1959) وهو في رأيي أكبر مصيبة لحرية الصحافة... فالفصل 8 ينص على ان حرية الصحافة مضمونة لكن في حدود القانون ثم تصدر قوانين بعد ذلك تنسف تماما حرية الصحافة وكان من المفروض ان تكون صياغة الفصل تنص على ان حرية الصحافة مضمونة دون احالة الى عبارة «ما يضبطه القانون» على غرار ما تم بالنسبة للحق النقابي، فمنذ البداية كان النظام السياسي يريد من خلال الدستور (1959 ان يلجم حرية الصحافة... وصدرت القوانين «المصائب» فيما بعد والتي نسفت حرية التعبير والصحافة...
هناك محطات مضيئة ساهم فيها بعض الصحفيين رغم انعدام الحرية الصحفية... هؤلاء عولوا على جانب الجرأة وضغط المجتمع المدني خاصة في نهاية السبعينات والذي أفرز 8 جرائد على غرار جريدتي الشعب والرأي...
فالصحافة لا يمكن ان تكون حرة لوحدها بل يتطلب ذلك محيطا معينا وفي ظروف خاصة للمجتمع.
وسنة 1987، جاء نظام بن علي وأبقى الصحافة على حالها بل وزاد في تكبيلها مع محاولة اختراق جمعية الصحفيين التونسية ثم النقابة وهذا ما أثر على مهنية الصحفيين التونسيين.
«الشروق»: لعل الوضعية المادية والاجتماعية المتواضعة للصحفي توثر على حريته.
أ.بن موسى:
لا يمكن توجيه اللوم كله الى الوضعية الاجتماعية بل الى الحرفية أيضا... فالقوانين التي نظمت الصحافة في تونس سابقا لم تنظم كيفية الدخول الى قطاع الصحافة... فأصبح ذوي المستويات المختلفة يدخلوان عالم الصحافة... لابد من تطهير القطاع.
أ.آمال مزابي:
طبعا الحديث هنا لا يجوز عن قطاع اعلامي بل عن قطاع آخر... بعض الصحف شوهت القطاع وكان من الطبيعي ان لا نسميها صحفا بل أي شيء آخر حتى لا تشوه بقية الوسائل الاعلامية... وحتى المتخرج الجديد من معهد الصحافة فإنه تلزمهم الرسلكة والتكوين حتى يقدر على المساهم بشكل جيد في المشهد الاعلامي.
لماذا مشروع قانون الصحافة الآن «سي عبد الستار»؟
أ. عبد الستار بن موسى:
المجلة الحالية لم تعد تتماشى مع الثورة فهي قانون فاسد، ضد أهداف الثورة ومن غير المعقول ترك اسناد تراخيص الصحف مثلا لوزارة الداخلية... لابد من اصدار قانون خلال هذه المرحلة الانتقالية... كنت أتمنى أن يصدر قانونا للأحزاب وآخر للصحافة منذ فيفري فعلى امتداد الأشهر الماضية حصلت عدة تجاوزات اعلامية وكان بالامكان تفاديها لو صدر قانون الصحافة ابان الثورة مباشرة... ورغم ان القضاء مازال غير مستقلا الا أنه من الأجدى اعطاؤه مهمة مراقبة الاعلام عوضا عن الداخلية وأنا ضد الاراء التي تقول أنه لا لسن القوانين خلال المرحلة الانتقالية.
بالعكس هذه المرحلة تحتاج الى قوانين تنظمها حتى لا يحكمنا قانون الغاب... وفيما بعد المجلس التأسيسي حر لترك هذا القانون أو إلغائه لكن على المجلس التأسيسي ان يضمن حرية الصحافة في فصول الدستور... باب كامل سلطة رابعة في الدستور تضمن حق وحرية الصحفي وحمايته (أفضل من الحصانة).. فدون صحافة حرة لا يمكن ان ننتظر قضاء مستقلا ونزيها...
وفي رأيي ادراج حرية الصحافة والاعلام في التوطئة ليس لها قيمة قانونية.
«الشروق»: قانون الصحافة الذي تم اعداده وسيصدر قريبا هل توافقه سي يوسف؟
أ. يوسف الصديقك
لا أوافقه تماما أنا مع المبادرة التي تقول انه يجب تنظيم الفترة الانتقالية دون قانون وأعتقد انه في الفترة الانتقالية لابد ان نكون يقظين فقط ولا حاجة لنا لا بدستور ولا بقانون.
أ.آمال المزابي:
لم تقع استشارتنا في هذا الموضوع كنقابة مديري المؤسسات الاعلامية.
وحتى لما تقدمنا باقتراحات لاصلاح بعض الاخلالات القانونية فإنه لم يقع الاخذ بها...
الجميع يريد قانون صحافة يدعم الاعلام التونسي والصحفي والموسسة الاعلامية التي هي كيان اقتصادي لابد من المحافظة عليها حتى تنافس الاعلام الاجنبي وتصل الى مرحلة متطورة من الحرفية والمهنية فالاعلام الضعيف سيضطر بكل ما يحيط به.
أ. عبد الكريم الحيزاوي:
أنا مع وجود نص قانوني اسمه مجلة الصحافة مع تغيير اسمها الى مجلة الصحافة وحرية التعبير...
مجلة تحتوي تراتيب تهم الصحف والدوريات وتراتيب تهم حرية التعبير...
المجلة ضرورية لأن القانون هو عادة لضمان الحرية وحمايتها وليضمن المساواة بين الأطراف المتدخلة وليحمي المواطن والمجتمع من التجاوزات التي قد ترتكبها الصحافة... وكل ذلك عبر القضاء.
أ.يوسف الصديق:
لماذا كل هذا والحال أنه يوجد قانون عام (المجلة الجنائية) يمكن ان يوفر كل هذا اضافة الى وجود القضاء؟ فلا حاجة لنا بهذا القانون «الجديد» للصحافة.
أ.الحيزاوي:
على الأقل نميز جرائم الرأي والتعبير بقانون خاص ومميز عن القانون المنظم لبقية جرائم الحق العام (القتل السرقة) وذلك لاعلاء شأنها نسبيا فمثلا هذا القانون الجديد ألغى السجن ولم يبقى الا على الخطايا.
أ.الصديق:
لكن بأي حق يحصل هذا التمييز؟
أ. الحيزاوي:
الأقوياء في أية دولة هم من يطالب عادة بالتخلي عن كل القوانين فهذا يخدم مصالحهم وهذا يمكن ان نلاحظه نسبيا في تونس من خلال بعض المؤسسات الاعلامية «القوية» التي تطالب عادة بالغاء كل القوانين حتى يخلو لها مجال الانتهاكات، وهو ما نخاف منه اليوم في تونس لابد اليوم من بعض الضمانات في القطاع... أرى ان المجلة «الانتقالية» للصحافةضرورية اليوم في مثل هذه الفترة المتقلبة ضمانا لكل الحقوق والواجبات.
أ.الصديق:
لكن يمكن عوضا عن قانون أن نضع تراتيب ملزمة للمؤسسات وللمهنة الصحفية خلال هذه الفترة الانتقالية
الأستاذ العربي شويخة:
(معلقا على كلام السيد يوسف الصديق) كل التجارب الديمقراطية الانتقالية التي عرفها العالم تندرج في اطار قانوني ينظم الحياة العمومية ويكون بصفة وقتية...
الأستاذ شويخة يوافق «الصديق» ويواصل:
حرية الصحافة لا تقتصر على اطار قانوني وما يعتبره أساسي هي الموسسة الصحفية التي تقوم على 3 أشياء أساسية أولا التحويل الجذري بين الاعلام الحكومي والاعلامي العمومي الذي لا يقتحم على قوانين. وهنا يقول الاستاذ العربي شويخة يجب ان تقام ثورة في الاذهان ليس فقط عندالصحفيين وانما أيضا عند أصحاب المؤسسات الاعلامية أما النقطة الثانية التي أفادنا بها الاستاذ شويخة والتي اعتربها مهمة ووافقه فيها الحضور فهي الفصل بين هيئة التحرير والادارة وهذا المبدأ لابد ان يطبق في كل المؤسسات العمومية والخاصة على حد تعبيره مضيفا ان هذه الاشكاليات لابد أن يطرحها الصحفيون قبل كل شيء واتفقت المجموعة أن الادارة ليس لها الحق في التدخل في عمل الصحفي.
أما النقطة الثالثة التي قدمها الاستاذ العربي شويخة ضرورة التكوين الذي اعتبره مهما جدا وليس فقط في معهد الصحافة وفي نفس السياق تحدث الصحفي محمود الذوادي من خلال سرده لمجموعة من المشاكل التي تمس قطاع الاعلام ومن ذلك وحسب تصريحه التدخل في قطاع الاعلام. وبعيدا عن نقد المجلة يقول الذوادي عندما يقع التنصيص على قوانين فوية دون مناقشتها لن يقبلها الصحفيون وبالرغم من أننا في هذه الفترة في حاجة الى المجلة لتنظيم القطاع يضيف محمود الذوادي «لكن كنت أتمنى ألا تقع هرولة لاعداد مشروع يفرض علي الصحفييين وأن يقع النظر جديا في مشكلة الدخلاء على القطاع وكيفية اسناد بطاقة الاحتراف وهو ما لم يكن واضحا في النص...
من يعطي بطاقة الاحتراف...؟!
ناضلنا كثيرا يقول الصحفي محمود الذوادي من أجل تنظيم هيكل يمثل الصحفيين ويسند البطاقة بدل وزارة الداخلية»... تتدخل أمال المزابي رئيسة نقابة أصحاب المؤسسات الاعلامية «نحن موافقون على تنظيم هيكل...».
يواصل الذوادي كلامه دون انقطاع .. النقطة الثانية التي أريد التركيز عليها هي القطع بين الاعلام العمومي والسلطة، ونعرف جيدا أنه بعد كل ثورة تقع هجمة من رؤساء الأموال على الاعلام وتتضاعف الأطراف المتدخلة في الاعلام الخاص الذي لا يمكن مراقبته لذلك عدنا أمل في القطاع العام»...
يقول الذوادي: قررنا بعد 14 جانفي تحرير جريدة «La presse» رأينا أنها فرصة بعد 75 سنة وخاصة أن هذه الجريدة متحررة ماديا وليست في حاجة الى الدولة أو رجال الأعمال أو الفاسدين» يضيف محمود الذوادي» اذا ما تم تحريره.
لكن للأسف ثم اجهاض مشروع التحرير.
وبقيت هذه المؤسسات كما هي ووقع سد الطريق أمام مبادرة صحفيي «La presse» بالرغم من أن هذه المبادرة مسجلة في محضر جلسات مجلس الادارة وهو الاقرار بأن الصحفيين هم الذين يتولون تغيير الجريدة لكن فيما بعد تدخلت الادارة ومنعت الصحفيين من التغيير، بالرغم من أن المدير تم اختياره من الصحفيين لكن فيما بعد انقلب وخرج من الباب الصغير على حد تعبير الصحفي الذي اعتبر أن هذا العمل جريمة... ضد موسسة وضد 80 صحافي..»
تتدخل النقيبة «نحن ساندنا الجريدة واستغربنا من الخبر واستنكرنا قرار غلق الصحيفة» يعود الذوادي للحديث كنا نتأسف عمّا سمي برجّة 1987 ولم يتم استغلالها لو تم تشريع قوانين وهيكل قوي لاستطعنا التصدي لبن علي، وها أن التاريخ يعيد نفسه.
لكن ما حصل في وكالة تونس افريقيا للأنباء جعلها تحقق نقلة نوعية وذلك على اثر اصدار بيان متقدم من طرف الصحفيين أكدوا فيه أن «هذه المؤسسة مرفق عمومي ولابد ان تكون في خدمة العموم...»
وفي اجابته عن سؤال «الشروق» حول تسونامي العناوين الجديدة في الصحف والتلفزات والتي يقف وراءها مجموعة من رؤوس الأموال ممن ساندوا بن علي وكيف يمكن التصدي لهم في اطار الضوابط والقانون وأخلاقيات المهنة.
يجيب الاستاذ عبد الكريم الحيزاوي أن الصيغة النهائية التي وصلت اليها اللجنة في مشروع مجلة الصحافة بحضور رجال قانون مثل عبد الستار بن موسى وشوقي الطبيب وهي الغاء العقوبات بالسجن ما عدا التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح والخطيرة وما يعتبر حلما وقد تم التنصيص عليه في المجلة يقول الحيزاوي ان هناك باب خاص بالوضعية القانونية للصحفي المحترف.
أي الحماية من أي اعتداء أو عرقلة عمله وهذا القانون وسوف تطبقه سلطة تنفيذية منتخبة ديمقراطيا وتحت رقابة قضاء مستقل... هذه النقاط اعتبرها الحيزاوي جد ايجابية وهي «مكاسب لا يمكن التفريط فيها».
وفي الأثناء تطرح «الشروق» السؤال حول هذه الهرولة في اتجاه قانون منظم لكل جوانب العملية المهنية هل فيه خشية من أن المجلس التأسيسي يمثل لونا من قوى الجذب الى الوراء؟
أ. الحيزاوي:
نعم ليس هناك أي ضمان...
خاصة مع ظهور حكومة لها شرعية انتخابية سوف تحاول التقليص من مساحة الحرية.
أ.يوسف الصديق:
«إن الهرولة في اتجاه قانون منظم لكل الجوانب العملية المهنية هل فيه خشية من أن المجلس التأسيسي القادم.
يكون لونا من قوى الجذب الى الوراء دون ان نسميها يجيب الحيزاوي.
أ. آمال مزابي:
نحن كمؤسسات اعلامية يبدو لنا الأمر متشعبا... نحن نريد تجريم الشخص المعنوي... عقوبات يمكن ان تصل حد الغلق... اذن نحن نريد تطوير المنظومة القانونية والنص القانوني.
أ.العربي شويخة:
عندي الكثير من التخوفات في هذه الفترة الاستثنائية، هناك قوى ردة وصعوبات ولابد من اعادة الاعتبار لدور الصحفي... اضافة الى تأهيل المهنة، هنا لا تقع المسؤولية على السلطة فقط بل أهل المهنة مسؤولون أيضا وهذا حتى نخلق جيلا جديدا من الصحفيين.
أستاذ بن موسى تفضل:
أ. عبد الستار بن موسى:
نحن نعيش انفلاتا اعلاميا الآن وهذا المشروع (مشروع القانون) تنص ديباجته على استقلالية الاعلام، وهنا لابد وأن نحذر مواقع النفوذ المحلية الأجنبية... هذا القانون يحمل اضافة تحد من النفوذ المالي...
أ.محمود الذوادي:
تحدثنا عن المستقبل هنا ولكن أشير الى أننا لا نرى أثرا لذلك في الاعلام... أنا أعتقد ان القادم أفضل، كصحافة تقليدية، لا يمكن لبعض الوسائل الاعلامية ان تبقى على وضعها القديم اذن النقلة النوعية لابد منها، رغم المؤشرات السلبية التي نلاحظها، نجد أن هناك مؤشرات بايجابية وذلك حتى لا نكون عدميين.
أ.عبد الكريم الحيزاوي:
هناك من له مصلحة، بأن لا يكون هناك قانون منظم... الصحفيون (البعض) عوض أن يدعموا المشروع فإنهم يهاجمونه... وهذا غريب...
الشروق: الشكر للجميع، وهذا ملف نبدأ بفتحه ولا ندعي أننا وجدنا الحل... لكنها البداية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.