لكل مدينة زمزمها، وزمزم القيروان هو ماء بروطة... اذا شرب منه الزائر المحب للقيروان عاد اليها باذن الله! ولذلك لا تزال ترى الزوار يتسابقون صفا صفا للارتشاف من ماء القيروان. من ماء هاته البئر القديمة قدم القيروان نفسها، ولا يعلم لها أصلٌ ولا معنى محقق لاسمها. وماؤها يخرج رقراقا في قواديس من الفخار الملوّن المترابطة فوق ظهر ناعورة. والناعورة يديرها جمل موقوف على البئر من المهد الى اللحد! يديرها وهو معصوب العينين، من خشية الدوار او من خشية الزوار! ومن غريب هاته البئر أنك تطلع اليها عشرات الدرجات لتراها وترى جملها الدوار وناعورتها المزمنة والشيخ العجوز يسقي السائلين. وترى السياح مبتهجين يطلقون العنان لالات تصويرهم وأضوائها الملتمعة كلمع البروق. وترى المستشفين من مرض او وهم يُعبّون فوق قدر بطونهم من ماء بروطة، ماء الشفاء والعافية باعتقادهم رغم ملوحته الخفيفة وطعمه الثقيل. ومن هاته البئر تتزود الحنفية القائمة باسفل جداره الخارجي من ناحية سوق الزرابي المطلّ على «سماط» القيروان الحديث اي الشارع الكبير الذي يتوسّط المدينة. غزيرة الماء وقد تكون هاته البئر هي التي احدثها هرثمة بن اعين حين ولاه الرشيد افريقية، فقد ذكر الرقيق في تاريخه انه: «في مدة هرثمة بن اعين حفر بئرا واسعة الفم لها سفرة رخام، غزيرة الماء بالقرب من سوق الاحد». ويظن انها هي. إلا ان البناية المقامة عليها يعود تاريخها الى ما بين سنتي 1676م أو 1690م وفي لوح من الرخام على واجهة باب الدخول نقش مطعّم بالرصاص به شعر مؤرخ في سنة 1101 ه وأوله: فلله رب الجود درّ سقاية ... بدا حسنها للناظرين فأيقنا ويذهب الاعتقاد ببعض الناس الى أن بئر بروطة وبئر زمزم بئران متصلتان احداهما بالاخرى.