بإشارة واحدة تفرقوا الى مجموعة وسط زقاق «الحارة» قبل ان يسمع اطلاق النار. يتحرك «المحاربون» مدججين بالاسلحة من ركن الى ركن يصوبون بنادقهم نحو أهداف متحركة. رصاص منهمر من أسلحة خفيفة تتراوح بين المسدس والبندقية والكلاشينكوف يعقبه دوي متفجرات ومفرقعات بينما كان قناص أعلى السطح يحمل بندقيته الليزرية. ... عفوا حرب الشوارع هذه ليست سوى احدى الالعاب الطفولية «المرحة» وتلك الاسلحة هي مجرد لعب بلاستيكية من لعب العيد التي أصبحت تملأ الاسواق وتجتاح المنازل. ألعاب نارية تحتل قارعة الطريق وأطفال يجرون آباءهم مشددين على اقتناء تلك «الاسلحة» دون غيرها وفي الاثناء تتدخل المراقبة الاقتصادية والصحية لتحجز بعض الاصناف. ما سبب اقبال الاطفال على هذا النوع من اللعب؟ وهل هذه الاجواء «الحربية» محاكاة لواقع ما وانفعالات نفسية أم هي مجرد لهو ومرح طفولي؟ ومن يتحمل مسؤولية حماية الطفلة من خطورتها؟ «الشروق» بحثت في هذه الاشكالية وطافت بأسئلتها بين الجهات المعنية من اعوان مراقبة واخصائيين نفسيين ومندوب حماية الطفولة كما استمعت الى عينة من الاطفال في التحقيق التالي. تمكن فريق المراقبة الاقتصادية بالادارة الجهوية للتجارة بالقيروان في حملات مشتركة مع ادارة الصحة مؤخرا من حجز 10 علب شماريخ و7 آلاف و968 ذخيرة مسدسات و25 علبة موجهات ليزر ضبطت لدى أربعة تجار اثر عمليات تفتيش روتينية. مراقبة وحجز تعتبر هذه الالعاب النارية تجارة مربحة بمناسبة العيد امام وفرة اقبال الاطفال عليها رغم ارتفاع أسعار بعضها. «أسلحة» متنوعة الحجم والشكل تثير فضول الصغار واندفاعهم. وأكد السيد محمد الخليفي المدير الجهوي للتجارة بالقيروان بأن بعض اللعب شكل خطورة على صحة الاطفال وتسبب ضررا على مستوى العين وخاصة منها الليزر والمفرقعات والشماريخ، داعيا الى ضرورة حجزها واحالتها الى المصالح ذات الصلة نظرا الى خطورتها مشيرا الى انها متوفرة على كامل تراب الجمهورية تحت سقف التجارة الموازية التي أفرزها الانفتاح على الاسواق العالمية والحرة. ويبدو ان التجار يستقرئون ولع الطفل بهذا النوع من اللعب ويدركون سرعة رواجها رغم ان بعضها يعتبر مرتفع الثمن. ويبدو ان الاقبال على تلك اللعب «الخطيرة» له علاقة وثيقة بنفسية الطفل. وأكد أحدهم ان اللعب النارية تلقى رواجا اكثر من غيرها بسبب ما يجده الاطفال من متعة. وأكد أن هذه اللعب مرخص في بيعها مؤكدا انها تدخل الاسواق في صناديق كبرى وعبر مسالك قانونية. شغف و«جو» وعن سبب شغف الاطفال بهذه الالعاب أكد الطفل مالك (10 سنوات) الذي كان يمسك بندقية اشتراها لتوه وهو يفحص ذخيرتها البلاستيكية وعن سبب اختياره لهذه اللعبة تحديدا أكد انه يرغب في محاكاة المعارك الحربية التي شاهدها على شاشة التلفزة مضيفا انه مجرد لعب بخلاف ما شاهده من حروب حقيقية. وعن مدى وعيه بخطورة تلك الألعاب أكد هذا الطفل قائلا: «لو كان سلاحا حقيقيا لما حمله لخطورته». وهنا تدخل صديقه طارق (11 سنة) ليؤكد أنهم يلعبون ولا يضرون ببعضهم قبل أن يضيف مرافقهما أنهم يفعلون ذلك من أجل «الجو»، والملفت في الأمر أن ثلاثتهم (أحداث) اقتنوا «أسلحة» بمفردهم بأموال حصلوا عليها من آبائهم (15 دينارا للقطعة). لكن.. سرعان ما ينقشع الاستغراب وتطيش الدهشة من مشهد الأطفال، فقد وجدنا أحد الآباء (موظف) وقد اقتنى مسدسين وبندقية كبيرة. وأكد أنه اقتناها لأبنائه. أما عن السبب فأكد أن أحد أبنائه مولع بالصيد متأثرا ببطل مسلسل «باب الحارة» مضيفا أن متعة الأولاد تتجلى في مجرد سماع صوت المفرقعات. وشدد هذا الوالد على أنه يجد متعة بدوره في مشاهدة أبنائه يلعبون بالأسلحة وهم يجرون ويختبئون في أجواء شبيهة بمعارك حقيقية مؤكدا أنهم يمرحون وأنه «يشجعهم». علم النفس: اللعب إيجابي لكن... من جانبه أكد علي المحمدي الأخصائي النفساني أن اللعب مؤشر إيجابي للنمو لدى الطفل الذي يشرع في اكتشاف العالم من خلال اللعب وتقمص الأدوار. ويساعده اللعب على تصور العالم وينمّي لديه الذكاء والخيال ويساعده على التمثلات العقلية. مضيفا أن الطفل يصبح بعد اكتمال نموه كثيرالحركة وتتكون لديه طاقة يرغب في استغلالها. وعن ميل الاطفال الى الألعاب النارية كشكل من أشكال لعب العنف، أكد المحمدي أن تلك الألعاب (النارية) تتوفر على مؤثرات صوتية وضوئية تجلب انتباه الطفل الذي يرغب في اكتشاف أشياء جديدة في عالمه (بين 5 و6 سنوات). كما يرغب في الانفعال والشعور بالخوف لامتحان مشاعره نظرا لكونها تثير فيه شعورا مختلفا. وأكد الأخصائي النفساني في ذات الوقت تأثير ما يشاهده الطفل من أفلام العنف ونشرات الأخبار بصفتها مؤثرات بصرية تدفع الطفل نحو تلك اللعب الخطيرة. وهنا يتدخل التجار لاستغلال حاجة الطفل هذه الى تسويق بضاعتهم في ظل غياب رقابة عائلية مؤكدا ضرورة تدخل الوالدين لتوجيه طاقات الطفل واستغلال حب الاطلاع لديه وإمكاناته البدنية في أنشطة ثقافية إبداعية. مندوب الطفولة، متابعة حسب مجدي العروبي مندوب حماية الطفولة بالقيروان فإن الألعاب النارية تندرج ضمن السلوكات المحفوفة بالمخاطر. وهي سلوكات خُصّت بالاهتمام والمتابعة من قبل المندوبية وتمت معالجة عديد الحالات وتدبير اتفاقية مع مختلف الأطراف من الناحية الاجتماعية والتربوية، مضيفا أن دور العائلة كبير في حماية الطفل من المضامين الاعلامية ذات إيحاءات العنف. وعن تدخل إدارته في هذه المسألة أكد أنه تمّ القيام بحملات توعوية بعقد ملتقيات مباشرة وعقد لجان جهوية بإشراف والي القيروان لتدارس مسألة العنف ونشر ثقافة حقوق الطفل التي تنص عليها مجلة حماية الطفل. كما أكد أن مندوب الطفولة يتدخل حسب الفصل 41 من مجلة حماية الطفل عند أي إشعار بالخطر وسوء المعاملة، داعيا من جهته المراقبة الاقتصادية والصحية الى الاضطلاع بدورها في وقاية الطفل من بعض المعروضات التي يمكن أن تمثل تهديدا لصحته. وبالمحصلة فإن المؤثرات النفسية تتفاعل مع المؤثرات الخارجية لوسائل الاعلام وغياب دور العائلة لتفسح المجال أمام رغبة الطفل في أعمال الاثارة ورغبته في توظيف طاقاته، فهل ستبقى العائلة مكتوفة الأيدي إزاء هذا «الاجتياح» واكتساح «السلاح»؟